تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خواطر في زمن كورونا ولأزمنة أخرى (10)

2020-04-07

1. المشافي في حالة طوارئ. والعاملون في المهن الطبية يخاطرون بحياتهم في مواجهة الوباء. وهي مناسبة مهمة لطقوس تكريم شعبية للطواقم العاملة في المستشفيات. أصحاب هذه المهن يتمنون أن يترجم هذا التكريم إلى سياسات وميزانيات.
2. يواجهون الوباء بوسائل متعددة ويجربون أدوية متاحة، ليس أحدها الدواء الشافي للمرض ذاته. ولكن مع ذلك ثمة فوارق بين النتائج، فالعناية والاهتمام تصنع فرقا، وقد تفصل في بعض الحالات بين الحياة والموت حتى في حالة وباء ليس له علاج محدد بعد.
3. أفكر عادة بالمستشفى بوصفه مكانًا يقايض فيه أعند المتمسكين بالكرامة الذاتية خصوصيته، مجاله الخاص العزيز عليه، ويتنازل حتى عن حميمية جسده في مقابل التخلص من الألم أولا، والمرض ثانيا. فإذا قرر دخول المستشفى. وهذا قراره، تصبح هذه المقايضة أمرا مفروغا منه، ولا تنفع المعاندة بعد تسليم الجسد لتحكم الآخرين. ليست المستشفيات فضاءات لممارسة الخصوصية. فعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حصل في هذا المجال لناحية احترام إرادة المريض وغيرها، تظل القاعدة العامة أنه إذا قرر دخول المستشفى والبقاء فيه، فإنه بذلك يعترف ضمنا بسلطة المهن الطبية. وثمة حالات طوارئ وأقسام طوارئ في المشافي (وليس فقط في الدول، لاحظ ان التسمية ذاتها) تصبح فيها عملية إنقاذ حياة المريض، إذا كان ممكنا، أهم من احترام إرادته. وقد ناقشت تشريعات كثيرة هذه السياقات وحددت استثناءات.
4. قيل وكتب الكثير عن المستشفى بوصفه مؤسسة، ولا أرغب بمراجعة ما كتب عنه تاريخيًا بوصفه مكانا لتصنيف المرضى من الأصحاء، والتصنيف كعملية سيطرة، والتعامل مع جسد المريض باعتباره موضوعا وليس ذاتا، وغير ذلك كثير مما يسلط الضوء على زوايا مظلمة في تاريخ العلوم الطبية وممارسة المهنة. فلم تعد هذه سياقات رائجة. لقد حصل تقدم كبير ليس فقط في العلوم الطبية، بل أيضا في إنسانيتها وأخلاقياتها الكونية، واعترافها بأخطائها وجاهزيتها للمساءلة، وأيضا في التشريعات المتعلقة بها، ولا سيما في الدول الديمقراطية. وأصبح عدد أسرة المستشفيات والأطباء لكل ألف نسمة من مقاييس تقدم البلدان ومستوى التنمية البشرية فيها.
5. من أين تأتي الثقة بالطبيب؟ من أن معالجة المريض بغرض شفائه، وتخفيف معاناته إذا لم يكن الشفاء ممكنا، ليس من أخلاقيات المهنة الطبية، بل هو المهنة ذاتها. أما شخصية الطبيب ومشاكله العائلية وأخلاقه الشخصية ومواقفه السياسية فيفترض أنه يخلعها، حتى لو لم يتحرر منها، حين يرتدي العباءة البيضاء ويدخل إلى غرفة المريض. والمريض في هذه الحالة هو الجسد الإنساني\ الإنسان، وليس الشخص بفرديته، وشخصيته - دينه قوميته لونه وأصله وفصله وطبقته الاجتماعية. وإذا لم يعمل الطبيب كل ما في وسعه لمعالجة المريض بغرض شفائه من المرض، فإنه يغادر المهنة. وسبق أن غادرها أطباء (بعضهم وليس كلهم) في المعتقلات والسجون، إذا تحولوا من أطباء إلى مجرد خبراء في الجسد الإنساني بوصفه موضوعا للسيطرة.
6. قد تزعجك عادية أو روتينية تعامل الطبيب مع المعاناة والمرض، وذلك بعد التجربة الطويلة من التعرض لها. ولكنك تعرف في داخلك أن هذا ما يريحك في الوقت الذي يزعجك، وأن مهنيته وبراعته لا تقاس بذلك، بل بعملية تشخيص المرض ومعالجته. قد يكون الطبيب لطيفا جدا لكنه قليل الحيلة طبيا، وقد يكون فظا وبارعا في الوقت ذاته إذ يركز على شفائك لا إرضائك. تلح عليك معاناة الجسد أن تتقبل ذلك، وإن كنت في سريرة نفسك تفضل طبيبا بارعا ومهذبًا في الوقت ذاته، فالتحضر يتضمن التهذيب. في بعض الحالات تنقلب الآية ويتمنى الطبيب أن يكون المريض خلوقا مهذبا.
7. يؤثر إخضاع مهنة الطب إلى اعتبارات الربح المادي بتحويل المستشفى إلى شركة بهدف الربح، أو تحويل العيادة إلى محل تجاري يبيع خدمات طبية، سلبًا على المهنة ذاتها إذا لم يتمسك الطبيب بها وبأصولها، وإذا لم تفرض التشريعات شروط وقيود على هذه العملية، وإذا لم يوفر المجتمع المنظم في دولة الرعاية الطبية اللائقة (أي العلاج الصحيح بغرض الشفاء في ظروف لائقة) للمرضى عموما ممن لا يمكنهم دفع المال مقابل العلاج في ظروف من التنافس والعرض والطلب.
8. تجمع المشافي في هذ العصر أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات من الجنسيات والأجناس كافة. وهي من أكثر المرافق استيعابا للمهاجرين المهنيين. إن الخليط الإثني والديني القائم في المشافي، والتنوع تحت سقف المهنة، هو من أرقى مظاهر الحضارة الإنسانية المعاصرة في مقابل ظواهر سلبية عديدة. و
9. ثمة دول (حتى بين الدول المتقدمة) لا يمكن أن توفر خدمات صحية لسكانها من دون الوافدين من ممرضات وممرضين وأطباء وطبيبات، وثمة مجتمعات يقبل أفرادها أن يمارس أبناؤهم وبناتهم مهنة الطب، ولكنهم لا يقبلون أبدا أن يعمل أبناؤهم وبناتهم في التمريض، ناهيك عن مجال النظافة التنظيف الذي لا يقوم من دونه مرفق عام، فضلا عن مستشفى. يحيرك أنه في بعض هذه الدول المعتمدة على الأيدي العاملة والمهنية الوافدة تمتلك قلة قليلة لكن مزعجة صوتًا عاليًا للتذمر من معالجة غير المواطنين.
10. في البرتغال قررت الحكومة ما يفترض ان يكون مفروغا منه، وهو أنه في كل ما يتعلق بمعالجة كورونا يعامل المهاجر (حتى غير الشرعي) معاملة المواطن. فمهنة الطب البشري أن يعالج البشر إذا أتيح لهم الوصول إليه .