تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عزمي بشارة للأخبار: مزاج هزيمة في إسرائيل

2006-08-02

لا يروق كلام النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة الإسرائيليين، وتتعرض تصريحاته لتحريض ظهر من خلال ردود القراء الذين طالبوا بـ«اغتياله وطرده من البلاد». صحيفة «الأخبار» التقت بشارة وأجرت معه حوارا تناول الأوضاع الراهنة وتداعيات الحرب الأخيرة وأكد خلاله وجود «مزاج هزيمة في إسرائيل».

هل ستقبل إسرائيل بواقع تهيمن عليه أجواء الهزيمة وإسقاطات تعدّها الدولة العبرية خطرة؟

- يمكن القول إن هضم ما جرى أمر ممكن على المدى البعيد، لكنَّ إسرائيل لن تتقبل هذه الوضعية على المدى القريب. فهي قائمة على القوة والتفوق العسكري وما يسمونه بهيبة الردع الإسرائيلية. وما دام السلام غير موجود في المنطقة، فإنَّ الإسرائيليين يرون أن هيبة الردع رسالة الضمان لهم. في الواقع يرونها كذلك حتى في ظل السلام، فحتى الديموقراطية تثبت أن الشعوب العربية لم تقبل شرعية إسرائيل حتى في ظل السلام. الردع إذاً مسألة وجودية.

لكنّ هيبة الردع هذه ضربت في وقت كانت فيه مسألة استعادتها تتصدر الأهداف العسكرية المعلنة للحرب. توقعت خلال الأيام الماضية أنَّ إسرائيل ستستمر بعمليات "ذات طابع سينمائي" مثل الإنزال في البقاع، عمليات يليها مؤتمر صحافي يتحدثون فيه عن إنجاز ما، لكنّهم منذ فترة طويلة لا يتقنون حتى هذا النوع من العمليات. لقد عوّد الإسرائيليون شعبهم هذا «التفوق والانتصار» ومن الصعب فطامه اليوم، هم يحتاجون اليوم إلى صورة نصر فوتوغرافية من نوع الصورة التي ظهر فيها جندي إسرائيلي يسبح في الضفة الغربية من قناة السويس عام 1973. أو كتلك التي ظهرت فيها القيادة الأمنية الإسرائيلية في "حائط المبكى" في القدس عام 1973 أيضاً.

أنا أقصد صورة فوتوغرافية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، لأنهم يريدون تغيير مزاج الرأي العام الإسرائيلي، وهذا مهم لأنّ مسألة الانتصار هي استخلاص عبر سياسية، وأيّ من الطرفين لم يقض ِنهائياً على الآخر، لكن من يتجول بشعور المنتصر هو المواطن اللبناني، ومن يتجول بشعور الهزيمة هو المواطن الإسرائيلي، مهما مدت (وزيرة الخارجية الإسرائيلية) تسيبي ليفني من طول المؤتمر الصحافي ومهما تحدثت عن انتصارات، فإنها لن تغير المزاج العام الذي لا يحتاج إلى وقت طويل ليفهم اذا كان هناك انتصار أم إخفاق. لذا، فهم يبحثون عن صورة لتجريد الشعب من الشعور بالهزيمة.

ولكن ألم يكسبوا قرار مجلس الأمن 1701؟

- سمعت معلقين سياسيين عرباً محرجين ومناهضين للمقاومة يقولون إن «حزب الله لم يحقق إنجازاً والدليل هو قرار مجلس الأمن 1701». من ناحية، هذا صحيح، لأنَّ الحرب تقاس بنتائجها السياسية، والنتائج السياسية على المستوى الدولي والرسمي العربي ليست جيدة. ولكن القرار 1701 ليس إنجازاً إسرائيلياً على ساحة المعركة، إنّه إنجاز أميركي ناتج عن موازين القوى في مجلس الأمن. تستطيع أميركا، من دون هذه الحرب أن تتخذ قراراً مثل 1701. وهذا ما جرى بالنسبة إلى القرار 1559، الذي نالته أميركا وفرنسا من دون حرب.

كان من الممكن أن يعود المدعو (ممثل الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود) لارسن بثلاثة أو أربعة تقارير إلى مجلس الأمن، تتخذ أميركا بنتيجتها قراراً أسوأ من القرار 1701. ولكن في حالة حزب الله والعدوان الإسرائيلي، فقد كان نجاح الأول هو فشل للآخر، وإسرائيل فشلت بهذا العدوان ولم تحقق أهدافها على الأرض. في المقابل، لم يبدأ حزب الله عدواناً ولم يضع أهدافاً بل دافع عن نفسه ونجح في صد العدوان، وهذا بحد ذاته إنجاز وخاصة أنَّ حزب الله دافع بقوته وأفشل العدوان بمقاومته ولم يجلس جانباً، الإسرائيليون لم يفشلوا وحدهم بل فشلوا نتيجة صد حزب الله لهم. إسرائيل فهمت هذا وحاولت هضمه لكن من دون أن تنجح، لأن هضمه يعني قبول فقدان إسرائيل لقوة الردع وهذا ما لن تقبله، وخاصة أنّها تعيش على هيبة الردع. القرار 1701 هو حلبة مفيدة لإسرائيل فهي ستفعل كل شيء ممكن على الحدود بين سوريا ولبنان وضد قيادات حزب الله وغيرها بحجة تنفيذ القرار 1701 الذي يخرقه لبنان، منذ الآن بنظرهم، عبر تفاهمه مع الحزب على عدم تجريد المقاومة من سلاحها جنوبي الليطاني.

من المهم أن نعرف أن ما يميز إسرائيل هو دراسة التجربة ومحاولة الاستفادة منها، أما عند العرب فمن يدرس التجربة للاستفادة منها؟ وهل هنالك هدف واحد وذاتٌ فاعلة واحدة؟ وماذا يعني أن يدرس التجربة أولئك الذين انتظروا فشل حزب الله وعبروا عن ذلك بأشكال مختلفة؟ أم هؤلاء المثقفون الذين يطلون علينا الآن بعدما انتظروا طوال فترة الحرب حتى اتضحت نتائجها؟

توقعت صحيفة «هآرتس» هزة أرضية سياسية بعد الحرب؟

- ما تقوله «هآرتس» ليس تنبؤات علمية بقدر ما هي تمنيات. أرادت حرباً وانتصاراً في هذه الحرب. في المقابل، لم تزوِّد القيادة الإسرائيلية «هآرتس» وغيرها بهذا النصر. لذا استنتجت «هآرتس» أنَّ على الحكومة أن تسقط وأن تحدث هزة أرضية. تصرفت هذه الصحيفة مثل التيار العلماني الإسرائيلي الذي يعدّ نفسه متنوراً ويشمل الصحافة بشكل عام بما فيها «يديعوت أحرونوت» و«معاريف». هم يعدّون الحرب فرصة لتأكيد ذاتهم وهويتهم الغربية وأن القوى التي تواجهها إسرائيل هذه المرة هي قوى إسلامية ظلامية. ومع زوال احتلال لبنان عام 2000 فهم لا يرون أن إسرائيل ضحية ومعتدى عليها فقط بل يرون أن الحرب هي الحرب العادلة التي اشتاقوا اليها، مواجهة بين قوى الخير وقوى الشر، و هذه الحرب تضعهم إلى جانب الغرب في مواجهة الشرق. إنها مناسبة تاريخية ألاّ يعدّوا أنفسهم يقاتلون ضد شعب واقع تحت الاحتلال، بل يرون أنهم شركاء في هذه الحرب مع عرب، ويتعرضون إلى هجوم من حركة أصولية لا تعترف بإسرائيل. لقد كانوا الأكثر حماسة للحرب لأنها تشكل أيضا تأكيداً على هويتهم العلمانية في وجه «الأصوليين». كتّابهم كانوا مؤيدين، كآخرين في "معاريف"، للحرب بشكل علني، لكنّ أملهم خاب لأن إسرائيل لم تستغل "عظمة اللحظة التاريخية" التي منحها الغرب وأميركا وجزء من العرب «المعتدلين» لإسرائيل. كل عناصر الهوية الذاتية، كل ما تمنوه، كان موجوداً، وخاب أملهم من عدم تحقيق إنجازات.

الحرب أفرزت حالة سياسية جديدة على الخريطة. ثمة انخفاض واضح في تأييد الحزب الحاكم «كاديما»، في ظل غياب البديل، ما رأيك؟

- صحيح، الاستطلاعات تظهر انخفاضاً حاداً في شعبية «كاديما». ونيل حزب «العمل» 16 ــ 17 مقعداً.

وتصاعداً في التأييد لـ(رئيس حزب إسرائيل بيتنا افيغدور) ليبرمان ولحزب «الليكود»، ولكن ليس هناك معسكر واحد كبير. عمقّت الحرب أزمات في حزب «العمل» كانت موجودة من قبل. فهم انتخبوا عمير بيرتس ليبدوا وكأنهم يحملون رسالة اجتماعية، ولكن هذه تغطية لعدم وجود رسالة واضحة، ليس لدى حزب العمل مشروع، وانتخاب بيرتس بحد ذاته ليس مشروعاً وهو يبدو الآن مثل كاريكاتور لا وزير أمن. من الصعب اليوم رؤية ما هو الشكل ولكنَّ هذه الحكومة ستعمل على إخماد الأزمات وما يوحّدها اليوم هو خوفها من الانتخابات المبكرة. هذا ما يوحّد «كاديما» و»العمل». لذا، ستتخذ الحكومة خطاً مغايراً مثل إعادة بناء الشمال الإسرائيلي إلى جانب اقتناص الفرص لإحداث عملية أو تحقيق نصر كما ذكرنا. لا أستبعد أن تتمخض عملية إدارة الأزمات عن انحلال تدريجي ومستمر، إذا لم تطرح بدائل من خارجها من نوع مؤتمر مدريد جديد يشمل سوريا، أو خطوة حربية استباقية ضد سوريا لأنه ليس لدى حكومة إسرائيل أن تطرح البديل الأول لأسباب داخلية وخارجية متعلقة بالسياسة الأميركية ضد سوريا.

وكيف يمكن أن تؤثر لجنة التحقيق على هذه المجريات؟ هل ستحدث شيئاً تاريخياً؟

- نحن نترجم عادة مطلب تأليف لجان التحقيق في إسرائيل بــ«لجنة تحقيق رسمية» ولكن ترجمتها الحرفية تعني «دولتية»، أي ليس مجرد رسمية. «مملختيت» بالعبرية عن «مملخاه»، «مملكة»، أي مشتقة من الدولة وتتبنى المصالح الإسرائيلية العليا، فوق الحكومة والأحزاب، وستحقق في مسؤولية كل سلطة وشخص في الدولة عن القصورات والأزمات التي وقعت. ستسأل لجنة التحقيق في شأن الحرب: عن الإخفاقات الاستخبارية وكيفية اتخاذ قرار الحرب؟ لماذا جرى تأجيل العملية البرية؟ وماذا عن ميزانية الدفاع وأزمة الاحتياط؟ لن تعود اللجنة إلى جذور المشكلة ولن تبحث في مسؤولية (رئيسي الوزراء السابقين) (إيهود) باراك و(آرييل) شارون وسياسة الإملاءات الإسرائيلية وتضييع فرص السلام. من الممكن أن تسأل عن كيفية السماح بتراكم القوة الصاروخية التي يملكها حزب ألله وماذا فعلت إسرائيل لمنعها. قد تحمّل اللجنة مسؤولية الحرب لـ (إيهود) أولمرت أو بيرتس أوحلوتس، وتمنع نيل أي منهما مرتبة أمنية في المستقبل. هذه بالطبع أقل من تخمينات، إنها فقط محاولة لأصوّر ماذا تعني لجنة تحقيق رسمية. ماذا فرضوا على شارون بعد حرب لبنان الأولى؟ بعد فترة أصبح رئيساً للحكومة ويملك أكبر ملف أمني في الدولة. ستكون للجنة التحقيق تأثيرات ربما على مستقبل قائد الأركان أو على عملية صنع القرار.

هل زعزعت هذه الحرب ثقة الشعب الإسرائيلي بجنرالاته؟ أم بقي الجيش مقدساً؟

- أولاً، منذ أن أصبح الجيش عرضة للنقاش السياسي والاجتماعي والإعلامي، فإنَّ حرمة الضباط ستنتهك عاجلاً أم آجلا. الرأي العام دخل في نقاش متعلق برواتب الضباط والاعتداءات الجنسية في الجيش وكثرة الحوادث وقت التدريب والأزمات النفسية نتيجة الحرب. لقد دخلت سيادة القانون أماكن كانت محرمة في إسرائيل مثل الجيش. ثانياً، يعتمد الجيش أساساً على التجنيد الإلزامي وجيش الاحتياط إضافة إلى القوى المهنية الثابتة. وهو الجيش الوحيد في العالم الذي يعمل بهذا الشكل. عندما يدعو الجيش كتائب الاحتياط للحرب فإنه يدعو عمليا الشعب للخدمة بقواه الاجتماعية المتباينة وتياراته الفكرية الخ... وهذا يجعله عرضة لنقاش اجتماعي وسياسي، لأن الاحتياط من المجتمع. والمجتمع لم يعد معبأ ومجيشا كما كان. تعدديته وفجواته العميقة تنتقل مع الجنود الى الجيش وبالتالي لم يعد بقرة مقدسة. هناك ظاهرة إسرائيلية غير موجودة في أي مكان من العالم، وهي أنَّ الجيش هو سلّمٌ للنجاح في مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية. اليوم عندما يحاول المستوى السياسي إلقاء اللوم على الجيش، فهذه أزمة بالنسبة إلى الضباط، أولا لأسباب مهنية متعلقة بالجيش، ثانياً لأن هذه الاتهامات ستؤثر في مستقبلهم السياسي.

هل أولمرت، ومن قبله باراك ونتنياهو، يعبرون عن أزمة نهاية الآباء المؤسسين للدولة مع غياب شارون وقلة فعّالية بيريز؟

- بلا شك، من يعرف بالضبط كيف قامت إسرائيل وما حجم الجريمة التي حلت بالعرب مع قيامها يعرف بالضبط لماذا يعدّ الإسرائيليون (من الآباء المؤسسين) اعتراف العرب بهم إنجازاً، لأنهم لم يصدقوا ذات يوم أن العرب سيعترفون بهم. فهم يعرفون حجم الجريمة والقوة وحدودها. أما الجيل الثاني، فإنّه باعتقادي يواجه مشكلة. باراك ونتنياهو وأولمرت هم قصص من حالات الإخفاق. شارون أقرب الى بيريز أكثر من قربه الى نتنياهو، قلت ذلك قبل أن ينضم اليه بيريز بسنوات. وباراك أقرب الى نتنياهو من قربه إلى بيريز رغم اختلاف المعسكرات الحزبية. الآباء المؤسسون يعرفون أهمية أوروبا ودول أخرى غير أميركا، كما يعرفون حدود القوة واستخدام العنف. فيستخدمون العنف من دون هوادة وبكل قوة، أو لا يستخدمونه. وإذا كانت الحرب فهي حرب وليست نصف حرب. هذا ما كان بيريز يقوله للحكومة مع بداية الحرب: قرروا، تريدون حرباً أم لا؟ إذا أردتم حرباً فهيّا إلى الحرب، وإذا أردتم تفاوضاً فهيا نتفاوض لتبادل الأسرى. هذا الجيل الثاني يعاني عدم ثقة بالنفس وغروراً في الوقت ذاته، وجهان للعملة نفسها، وثقافة سياسية رجولية وفساداً. في المقابل، كان الآباء المؤسسون يرون الدولة مشروعاً شخصياً لهم فوق الأحزاب. شارون وبيريز يريان أنّ العلاقة مع أميركا هي الأهم، ولكنهما كانا يريان أنّ أوروبا مهمة وعرفا أهمية روسيا منذ إقامة إسرائيل، وعلاقتهما بها علاقة عتب وليست عداء. في المقابل، نتنياهو وباراك وأولمرت لا يرون أمامهم سوى أميركا.

الأخبار اللبنانية