تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

واجب البرلمانيين العرب تجاه عزمي بشارة

2007-11-17

كريم بقرادوني

في خطوة غير مسبوقة نزعت الكنيست الاسرائيلية الحصانة البرلمانية عن النائب العربي عزمي بشارة بسبب آرائه ومواقفه السياسية المؤيدة لـ«حزب الله» وسورية.

وبهذا القرار نزعت اسرائيل عن وجهها قناع الديمقراطية لتظهر مدى الهوة السحيقة بين ما تظهره الدولة العبرية من مظاهر الحرية وتعلقها بحقوق الانسان وما يكمن في احشائها من وقائع تدل على عنصريتها ورفضها الاعتراف بالآخر والتعايش معه.

وصف ايتان هابر عزمي بشارة بانه «الرجل الذي تجاوز كل الحدود» في مقال في «يديعوت احرونوت» تحت عنوان «جزاء الوقح». وذهب ايال ميجد الى ابعد حين رأى ان عزمي بشارة «لم يحرض وانما خان». وفي المعنى عينه كتب حافا نيحاس كوهن في «معاريف» تحت عنوان «الديمقراطية تنتحر» بان عزمي بشارة «يصارع ضد الدولة من الداخل، كحصان طروادة، لاجل تفتيتها».

في المقابل ارتفعت بعض الاصوات تحذر من مغبة قرار رفع الحصانة النيابية، فتخوف رئيس مجلس الصحافة مردخاي كرمينتستر من ان يؤدي قرار الكنيست الى «المزيد من التطرف لاقامة برلمان لعرب اسرائيل بديلا عن الكنيست». وقالت سارة اوستسكي لازار ان امرا كهذا «يطرّف مواقف من يقف من العرب في التيار غير المتطرف».

لكن الاصوات الاسرائيلية المؤيدة لنزع الحصانة عن عزمي بشارة وتقييد حركته اقوى من الاصوات المعارضة له. لقد مثّل عزمي بشارة حالة نضالية متقدمة حين طالب بالاعتراف بعرب اسرائيل على انهم يشكلون هوية ثقافية وقومية مختلفة، ولهم ان يقاوموا الاحتلال الاسرائيلي من اجل ضمان حقوقهم وحرياتهم. والحقيقة ان الكنيست لم تنزع الحصانة عن عزمي بشارة، بل عن كل عرب اسرائيل واكثر.

نجح عزمي بشارة في تعرية جوهر الدولة الاسرائيلية، فأبرز المفارقة بين ديمقراطية اسرائيل الظاهرية وعنصريتها الجوهرية، وبين علمانية المجتمع الاسرائيلي الشكلية وسلفيته الحقيقية. والتقى احمد الطيبي مع عزمي بشارة، على الرغم مما بينهما من تنافس، على ان ما حدث هو «يوم اسود» حتى للديمقراطية الاسرائيلية «العرقية»، واضاف: «اسرائيل هي دولة ديمقراطية يهودية حقا، لانها ديمقراطية لليهود، ويهودية صهيونية ضد العرب».

واذا ما نظرنا الى لائحة الاتهام الاسرائيلية المعلنة ضد عزمي بشارة لوجدناها تتناول موضوعين: تعاطفه العلني مع «حزب الله» ودعوته الى تبني اسلوبه في النضال الفلسطيني، وتنظيمه رحلات غير قانونية الى سورية لمواطنين عرب في اسرائيل.

هذا من الناحية القانونية. اما من الناحية السياسية فان اخطر ما قام به عزمي بشارة من وجهة النظر الاسرائيلية انه بدأ يلعب دورا بارزا في جعل الاحزاب العربية في الكنيست تعي هويتها القومية، وتتحرر من تبعية الاحزاب الاسرائيلية، وتتحالف مع احزاب الانتفاضة الفلسطينية في الضفة والقطاع. خطأه الاول من المنظار الاسرائيلي انه يعمل على توحيد فلسطينيي اسرائيل وفلسطينيي الضفة والقطاع.

ويندرج خطأه الثاني في نظر اسرائيل انه راح يتحول الى ظاهرة قومية تتخطى حدود الدولة العبرية، بمعنى انه خرج من دوره المعارض داخل النظام الى دور المعارض لجوهر دولة اسرائيل. فكبر نفوذه العربي وبات يؤثر في بعض القرارات العربية عن طريق اسداء النصائح حينا واعلان المواقف احيانا. وكان لا بد من وأد هذه الظاهرة قبل ان تتمدد.

من جهته كشف عزمي بشارة ليس فقط عن الوجه العنصري للدولة الاسرائيلية، بل اظهر ايضا مكامن ضعفها، لا سيما بعد فشل ارييل شارون في القضاء على الانتفاضة. ويشهد المجتمع الاسرائيلي نمو اكثرية تفضل الانفصال عن الاقلية العربية وفي الوقت ذاته لا تقبل باقامة دولة فلسطينية مستقلة. المأزق الاسرائيلي على اشده: لا تقبل الغالبية بالعيش مع الفلسطينيين، ولا تقبل في الوقت ذاته ان يؤسس الفلسطينيون كيانهم المستقل.
القضية ما عادت تخص عزمي بشارة بمفرده، ولا «عرب اسرائيل» لوحدهم، بل هي تعني كل العرب ولا سيما كل البرلمانيين العرب، واذا ما اردنا ان نجادل لبرهة من الزمن وفق المنطق البرلماني المتعارف عليه دوليا لطرحنا على الحكومة الاسرائيلية مجموعة من ثلاثة اسئلة.

المجموعة الاولى من الاسئلة: لماذا يصح لحركة «السلام الآن» الاسرائيلية ان تدعم حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، ولا يصح لعزمي بشارة ان يدعم هذا الحق؟ وهل يحق ليهود اسرائيل ما لا يحق لعرب اسرائيل؟ اليس في الامر عنصرية صارخة؟

المجموعة الثانية من الاسئلة: لماذا يسمح للنواب المتطرفين الاسرائيليين بحجة التعبير عن رأي ناخبيهم ان يشتموا العرب وينعتوهم بأفظع الاوصاف، ولا يسمح لنائب فلسطيني ان يعبر عن تعاطف ناخبيه مع المقاومة اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية؟ اليس في هذه المقارنة الكثير من التنكر للآخر ولحرياته وانكار حقه في الوجود والتعبير؟

المجموعة الثالثة من الاسئلة: هل كان يستحيل على دولة اسرائيل ان تمنع رحلات بعض «عرب اسرائيل» الى سورية في حال كان في الامر خرق للقانون الاسرائيلي؟ ام انها نظرت الى هذه الرحلات في بداية الامر على انها تدخل في حيّز «التطبيع» الذي تنشده بحيث يعتاد العرب على رؤية اشخاص يسافرون من داخل اسرائيل الى العالم العربي ويعودون اليها فغضت النظر؟ ولماذا تغاضت السلطات الاسرائيلية عن سفر عرب اسرائيل غير القانوني حين كان الامر يصب في خانة التطبيع؟ ولماذا بات الامر عينه جريمة حين تبدلت وجهة السفر ووافقت سورية على فتح ابوابها لاستقبال عرب اسرائيل؟

باستطاعتي ان استفيض في طرح الاسئلة، لكني مقتنع بان مسؤولية الرد تقع على عاتق البرلمانيين العرب المدعوين للاجتماع على الفور لوقف تمادي اسرائيل في خرق «حقوق النائب العربي»، فضلا عن حقوق الانسان العربي.

واناشد في هذا السياق رئيس مجلس النواب الجزائري عبد القادر بن صالح، بصفته رئيسا دوريا للاتحاد البرلماني العربي ليبادر فيعقد اجتماعا استثنائيا للاتحاد وعلى جدول اعماله «قضية عزمي بشارة».

ما يهم اسرائيل ان تبقى قضية عزمي بشارة حالة فردية، فلا تتحول الى حالة شعب برمته. من هذا المنطلق تسارع الى القضاء عليه كظاهرة فردية عساها تجهض وقائيا الحركة الشعبية بكاملها.

من واجب الاتحاد البرلماني العربي ان يرفع الصوت حفاظا على حصانة نائب عربي وحقه في النضال من اجل استقلال شعبه وسيادة وطنه، وان يرد بتحول قضية عزمي بشارة الى قضية شعب والى محاكمة اسرائيل.
وبمقدور الاتحاد البرلماني العربي ان يتوجه الى البرلمان الاوروبي حماية لحياة عزمي بشارة الذي اتصورها مهددة، ولحماية ما بات ابعد من حياة رجل.

محاكمة عزمي بشارة هي الفرصة الذهبية امام البرلمانيين العرب لمحاكمة اسرائيل!

الشرق الأوسط