تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تحية إلى المفكر العربي عزمي بشارة

2010-04-26

أسامة أبو ديكار

يمكن للمرء التوقف عند عدة قراءات من خلال الاستقبال الشعبي والرسمي الذي حظي به المفكر العربي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة، في مدينة السويداء السورية، الأسبوع الماضي.

أولى هذه القراءات تتعلق بالدكتور عزمي نفسه، إذ قلّ أن يحظى مفكر عربي بهذه الكاريزما الشخصية التي انعكست من خلال احتفالية الناس بحضوره ورغبتهم العارمة في رؤيته والاستماع إليه، رغم أن الناس، على وجه العموم، فقدت الكثير من شغف السياسة والفكر.. وعزفت عن الاهتمام بالقضايا "العربية" والعامة، لأسباب أصبحت معروفة للجميع، وهي الملاحظة التي تقودنا إلى القراءة الثانية والمتعلقة بالجمهور.

إذ تبين أن عدم اهتمام الجمهور بمحاضرة أو بندوة فكرية أو سياسية لا يتعلق فقط بحالة تشبه اليأس، وإنما تتعلق بالمحاضر نفسه أيضاً. ففي حين كره الناس لغة الخطابة والتجييش والشعارات المستهلكة تجدهم توّاقين إلى لغة الواقع بمفرداته البسيطة والواضحة التي لا تحمل أيّة أوهام أيديولوجية.. وهي لغة الدكتور بشارة بامتياز.

القراءة الثالثة، تتعلق بالنظام الرسمي العربي، الذي لم يدرك درس الجماهير ومتغيراتها جيداً، إذ أن نصف قرن مضى، كان "بالغ" الشعارات، ومليئاً حد التخمة بالأهداف والأيديولوجيات المختلفة والمتخالفة، وجميعها فشلت في تحقيق حد أدنى مما تطمح إليه الشعوب والجماهير.. وبالتالي فإن هذا الخطاب، الرسمي وغير الرسمي، قد فقد مفاعيله الشعبية، وآن لهذا الخطاب الاستقالة والانسحاب عن خشبة المسرح، ليحل محله خطاب واقعي يحترم عقول الناس أكثر من عواطفها وغرائزها.

ويبدو للمراقب أن الخطاب الذي دأب عليه الدكتور بشارة منذ أن كان داخل الأراضي المحتلة، وعضواً في الكنيست الإسرائيلي، هو الخطاب الذي كان يلاقي النجاح والإقبال الشعبيين، وتحمل همه الحكومات والأنظمة.

وربما كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أكثر الجهات التي فهمت هذا الدرس جيداً في خطاب بشارة، من حيث عمق تأثيره على الناس.. وبالتالي خطورته. ومعروفة اليوم الإجراءات القمعية التي اتخذت بحق الدكتور بشارة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. مما دفعه أخيراً للخروج من الأراضي المحتلة شأنه شأن كبار المناضلين العرب الفلسطينيين، الذين كتبت عليهم المنافي والهجرة، وعلى رأسهم الراحل الكبير محمود درويش.

فتحية إلى الدكتور عزمي بشارة الذي استطاع أن يثبت على خطابه الواقعي والحقيقي.

وإن كان قد خرج ذات يوم من الأراضي الفلسطينية المقدسة، ومازالت دعاوى الاحتلال الإسرائيلي تلاحقه.. لكنه وجد أن جميع مدن العرب هي مدنه.. وجميع المنازل العربية هي منازله.. بحق.

افتتاحية العدد 55 من صحيفة الحقيقة الذي سيصدر في 26 - 4 - 2010