تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المؤسسة الإسرائيلية تهدد عزمي بشارة: يختزل خطر الداخل الفلسطيني

2007-05-12

حلمي موسى

يبدو أن المعركة بين النائب في الكنيست عزمي بشارة والمؤسسة الإسرائيلية الأمنية والإعلامية دخلت منعطفا جديدا يغير قواعد اللعبة. فبشارة وحزب «التجمع الوطني الديموقراطي» الذي يرأسه يعلن أنها معركة ضد «الاضطهاد السياسي» الذي يترجم إسرائيليا بدعاوى أمنية، بينما تعتبر الأدوات الإسرائيلية الإعلامية والأمنية أن المعركة ضد بشارة ليست حربا ضد المواطنين العرب وإنما هي حرب ضد منكري حق إسرائيل في الوجود ومشجعي الإرهاب ضدها.

ويبدو أن هناك شيئا ما لا يزال يختبئ تحت عباءة السرية في هذه المعركة، وأن أوراقا سوف تكشف قريبا يصعب تقدير طبيعتها. ولكن حجم الاهتمام بالأمر في وسائل الإعلام الإسرائيلية يشهد على طبيعة الحملة المطلوب التسويق لها، وهذا ما يدفع بعض المعنيين في مناطق فلسطينيي الـ48 إلى التخوف من أن المطلوب ليس رأس بشارة، وإنما رأس كل الحركة الوطنية الفلسطينية في تلك المناطق.

ويشير هؤلاء إلى عدد من الملاحظات التي لا يمكن تجاهلها والتي ظهرت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. فقد أقدمت جهات فلسطينية مهمة في مناطق الـ48 على إصدار أربع وثائق، باتت ثلاث منها علنية والرابعة قيد الإعداد لتحديد العلاقة بين الأقلية العربية والدولة اليهودية. وكانت الوثيقة الأولى وثيقة النقاط العشر التي أعدتها جمعية «مساواة» لحقوق الإنسان، والثانية هي «الرؤية المستقبلية» التي أعدتها لجنة المتابعة العربية العليا، والثالثة هي «الدستور الديموقراطي» الذي أعدته جمعية «عدالة»، وأخيرا «ميثاق حيفا» الذي لم ينشر بعد عن مركز مدى ـ الكرمل.

وقد دقت هذه الوثائق نواقيس الخطر في المؤسسة الإسرائيلية التي رأت أن المارد الذي يطل برأسه في هذه الوثائق بحاجة إلى من يعيده إلى القمقم، وأن ذلك لن يتم إلا بانتهاج سياسة العصا والجزرة عبر ضرب «محور الشر» ورأسه بشارة والتجمع الوطني الديموقراطي، وتعزيز «محور الاعتدال».

وليس صدفة أن هناك من حاول وضع المسألة في إطار إقليمي يتصل بالدور الإسرائيلي في ما تشهده المنطقة العربية عموما. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة «هآرتس» أمس عزمي بشارة «أحد أبرز (تتمة المنشور ص 1)

القادة العرب في إسرائيل»، الذي أنشأ «التجمع الوطني الديموقراطي، الذي يقود خطا قوميا يقاوم الهيمنة الإسرائيلية ـ الأميركية».

وفي هذا الإطار أعرب قادة «الشاباك»، وفق تقرير نشرته «معاريف» عن أن هذا المنهج في الوسط العربي يشكل «خطرا استراتيجيا» على الدولة اليهودية. بل أن «الشاباك» أرسل وثيقة رسمية لصحيفة «فصل المقال» التابعة لحزب التجمع يهدد فيها بأنه لن يسمح حتى لمن يستخدمون القانون بالمساس بأمن إسرائيل. وجاء في تهديد الشاباك، «بحكم مسؤوليته هذه، فإن الشاباك مطالب بإحباط نشاطات تآمرية من قبل عناصر معنية بالمس بطابع دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية، حتى لو كان نشاطهم يتمّ بوسائل تتيحها الديموقراطية»، وهذا بحكم مبدأ «الديموقراطية الدفاعية».

وفي نهاية آذار الماضي، رفع المحامي حسن جبارين شكوى، باسم مؤسسة «عدالة»، إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ميني مازوز ضد «التدخل غير القانوني» من جانب جهاز الشاباك. وكان المقصود موقف الشاباك من الوثائق التي يصدرها العرب في إسرائيل. وجاء في شكوى جبارين إن «من نافل القول إن الوثائق العربية التي صاغتها هيئات سياسية ومؤسسات حقوق إنسان، هي جزء من حقّ المواطنين العرب الشرعيّ في العمل بالوسائل الدستورية لغرض تغيير وضعهم في دولة إسرائيل».

وطلبت الشكوى من المستشار القضائي العمل بسرعة لتطويق فعل الشاباك ضد الهيئات والمؤسسات العربية، وأن «يقوم بإصدار تعليمات واضحة وخطيّة توضّح حدّ المحظور والمسموح بخصوص تدخّل الشاباك. يجب على هذه التعليمات أن تكون لصيقة بالتفسير التشديدي لأوامر التشريع الأساسي من جهة، وتمنح كذلك وزنا حاسما للحريات الأساسية، وفي مقدّمها حرية التنظّم والتعبير. إنّ غياب هذه التّعليمات الواضحة سيؤدّي إلى مواصلة الشاباك ممارساته غير القانونيّة والمفتقرة إلى الصلاحية. وتكتسب الأمور أهمية مضاعفة في ضوء محاولات الماضي، وهذه الحالة الراهنة». وطالب المحامي جبارين بفتح تحقيق جنائي ضد الشاباك.

ويبدو أن الرد باستهداف بشارة يقع في إطار الفهم الذي عبرت عنه «هآرتس» أيضا عندما أشارت إلى أن «للشخصية الكارزمية لبشارة تأثيرا حاسما على شبكة العلاقات بين الجمهور العربي والغالبية اليهودية ودولة إسرائيل، وهذا ما برز بوضوح أثناء حرب لبنان الثانية: ففي خطاباته أثناء الحرب حمل بشارة بشدة على سلوك الحكومة الإسرائيلية، كما أنه في زياراته إلى لبنان أظهر تعاطفه مع المتضررين في الجانب اللبناني من الحدود».

ويمكن لمقالة «تجاوز الحدود» التي كتبها بن دروري في «معاريف»، حول أن عزمي بشارة يشكل «ظاهرة فريدة»، أن تشرح الرؤية الإسرائيلية في هذا الجانب. والقاعدة عند بن دروري، الذي حاول تلخيص ظاهرة بشارة والعلاقة مع الدولة العبرية، هي أن «الهدف كان جديرا. نسمح لعضو الكنيست عزمي بشارة بالعمل من الداخل. نوفر له الحصانة. ندفع له الراتب. نثبت للعالم أننا ديموقراطية لا مثيل لها. لأننا إذا منعناه، لن يكف عن العمل. وسيواصل العمل ضدنا. وإذا كان الأمر يتعلق بمتآمر، فإن من الأفضل أن يفعل ذلك علنا، وليس سرا».

ويعتبر بن دروري أن فرادة بشارة تتعاظم لأن «القانون واضح. لا مكان لمرشح يرفض حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية وديموقراطية، ضمنا أو صراحة، و/أو يؤيد منظمة إرهابية. وسبق للجنة الانتخابات للكنيست أن رفضت ترشيح بشارة، غير أن المحكمة العليا الحنونة والرحيمة، قررت مرة تلو المرة، تفسير القانون بشكل يدوس القوانين. وعلى أقل من ذلك بكثير وافقت المحكمة العليا لحقوق الإنسان في أوروبا على حظر حزب في تركيا. ولكننا، كما هو معلوم، أشد تقدمية. نحن تقدميون لدرجة أن مؤيدين للإرهاب ولزوال الدولة يتلقون الرواتب من أولئك الذين يرغبون في زوالهم، غير أن شيئا طيبا لم ينتج عن ذلك. أولا تم تفسير قرار المحكمة العليا من بشارة وأمثاله على أنه تسويغ لاستمرار التطرف. وثانيا، زاد من نالوا هذا التسويغ من نشر الأضاليل حول أن دولة إسرائيل هي دولة عنصرية، بالتأكيد غير ديموقراطية، ولا حق لها في الوجود. وثالثا قام بشارة بتسويق هذه الفرية وهو يحمل لقب عضو كنيست، براتب وحصانة. وتجول هذا الرجل الشرير بين (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله و(الرئيس السوري بشار) الأسد، ناشرا بشرى «المقاومة» (أي الإرهاب). ورابعا تحول إلى رمز».

وأثارت قضية بشارة ردود فعل عاصفة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وأعلن عضو الكنيست عن «الليكود» جلعاد أردان أنه ينوي التقدم بمشروع قانون يحرم بشارة من العودة للكنيست قبل أن يعلن إقراره بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية.

وأشارت أصوات إسرائيلية عديدة إلى وجوب عمل وزير الداخلية على حرمان بشارة من الجنسية الإسرائيلية بسبب خيانته أمانة الدولة العبرية، إلا أن أصواتا أخرى قالت انه برغم سماح القانون الإسرائيلي بحرمان بشارة من الجنسية فإن القانون الدولي يحظر بقاء شخص من دون جنسية. ودعت هيئة دينية إلى القصاص من بشارة باختطافه ومحاكمته وفق الشريعة اليهودية كخائن، فيما دعا حاخام كبير آخر إلى مطالبة الأردن بتسليمه.

وأشار تحليل قانوني في «هآرتس» إلى أن الإعلان عن الاستقالة لا يكفي لأن تغدو الاستقالة سارية، فالقانون يلزم بتسليم كتاب استقالة شخصيا لرئيس الكنيست أو من ينوب عنه، أو لدبلوماسي إسرائيلي إن كان عضو الكنيست المستقيل يعيش في الخارج.

إلى ذلك، (وفا) نقلت «معاريف» عن بشارة قوله انه لم يقرر المغادرة أو الاستقالة، وأن الإسرائيليين يطاردونه ولا يستطيعون القبول به.

السفير