تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الحملة الإسرائيلية على عزمي بشارة تروّج لعزمه على الاستقالة

2007-05-12

حلمي موسى

خرجت المعركة الدائرة منذ سنوات بين الاستخبارات الإسرائيلية وحزب «التجمع الوطني الديموقراطي» بقيادة الدكتور عزمي بشارة عن قواعدها المعروفة، لتدخل في الأيام الأخيرة سياقاً أمنياً جديداً.

فقد نشرت صحيفة «فصل المقال» التابعة للحزب تهديدات تلقتها من جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بأنه لن يسمح حتى لمن يلتزم القانون، بتعريض أمن إسرائيل للخطر. ودفعت هذه التهديدات عدداً من قادة الأقلية العربية في إسرائيل إلى التفكير بعرض مظالم المواطنين العرب على الأمم المتحدة.

غير أن هذه المعركة اتخذت منحى آخر في اليومين الأخيرين، بإقدام الموقع الألكتروني لصحيفة «الصنارة»، التي تصدر في الناصرة، على نشر خبر عن استعداد بشارة لتقديم استقالته من الكنيست اليوم. وبرغم أن موقع الصحيفة ذكر في البداية أن بشارة سيعلن هذه الاستقالة من التلفزيون الأردني، إلا أنه عاد، يوم أمس، لـ«يؤكد« النبأ وليقول أن الإعلان سيتم عبر قناة «الجزيرة».

وبدا لافتاً التقاط المواقع الإخبارية الإسرائيلية، «معاريف» و«يديعوت احرونوت» والإذاعات والتلفزيون، لخبر «الصنارة» وإشباعه تحليلاً وتمحيصاً من دون تقديم أي جديد فعلي. فقد كررت وسائل الإعلام هذه خبر «الصنارة» من دون أن تضيف إليه أي معلومة تتعلق بموقف بشارة أو بموقف المقربين منه. واكتفت بالإعراب عن رؤية أوساط قالت إنها مقربة من بشارة، بأنها لا تعلم عن الأمر شيئاً موحية بأن وراء الأكمة ما وراءها وأن الأمور ستظهر في فترة وجيزة.

وبرغم أن «الصنارة» كانت بين من خاضوا معارك إعلامية ضد بشارة و«التجمع الوطني الديموقراطي»، فإن نشر الخبر يرتكز إلى ما يمكن تسميته «معلومات رمادية». وتكررت إشارات بشارة إلى ضجره من الحياة البرلمانية الإسرائيلية وردد أكثر من مرة، حتى في مقابلة مع «السفير» قبل أعوام، أن قبوله العمل في الكنيست هو نوع من «التنازل» من جانبه لخدمة شعبه. ولكنه في الآونة الأخيرة، ولأسباب مختلفة، بات يتطلع إلى مسار عمل جديد للتعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية للمواطنين العرب في الدولة العبرية.

وتكفي هنا الإشارة إلى ما تحقق مؤخراً على صعيد الوثائق الوطنية التي تبلورت في لجنة المتابعة العليا وفي مراكز المجتمع المدني لفلسطينيي الـ,48 والتي لا يشك أحد بدور بشارة والتجمع فيها، لملاحظة أن رؤية بشارة تحقق تقدماً على الصعيد الأهلي. وكان بشارة في طليعة من طرحوا أفكاراً أثارت الاستغراب في البداية، لكنها سرعان ما تحولت إلى تعابير يومية في الحياة العامة للعرب في إسرائيل وبينها، الحكم الذاتي، ودولة المواطنين ومحاولة الصدام الشامل مع بنية الدولة العبرية، كما حاول دفع الموقف من تأييد المقاومة إلى الحد الأقصى لدرجة اتهمه البعض فيها بانتهاج سياسة السير على شفير الهاوية.

وحاول بشارة أيضاً التشجيع على استخدام اللعبة الديموقراطية وإخراج العرب من جيب أحد التيارين المركزيين في الحركة الصهيونية، التيار العمالي، والقول إن هذا التيار واليمين الإسرائيلي شركاء في العداء للمواطن العربي. وضمن هذه الرؤية رشح نفسه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية.

ولكن هذه الرؤية تصطدم بأفق التسوية التاريخية التي تبدو وكأنها تتباعد يوماً بعد يوم بين إسرائيل والفلسطينيين عموماً. وهذا ما يخلق نوعاً من الإحباط في نفوس العاملين في هذا الميدان. وإذا أضيف لذلك نوع الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها بشارة وحزبه، يمكن فهم تلك الرغبة الجامحة لديه بالبحث عن مسار آخر. غير أن الفارق كبير بين رغبة بشارة في الاستقالة من الكنيست وبين إيحاء «الصنارة» والمواقع الإسرائيلية برغبة زعيم التجمع في «الفرار» من الوطن. وهي هنا تريد التوضيح بأنه يفر من مواجهة الواقع مما يتنافى مع الطبيعة التي دأب بشارة طوال سنوات عمله العام على إشاعتها.

والواقع أن صحيفة «فصل المقال» الناطقة باسم التجمع أوحت في افتتاحية عددها ما قبل الأخير برغبة بشارة بتكريس وقت إضافي للعمل الفكري والأدبي إضافة للعمل العام. وسبق لبشارة أن أعلن قبل عام أن الدورة البرلمانية الحالية سوف تكون دورته الأخيرة، لأنه استنفد الأدوات البرلمانية القائمة واستنزفته.

وتطور الصراع بين بشارة وحزبه والمؤسسة الصهيونية وأذنابها مع مرور الأيام وشهد الكثير من الملاحقات الأمنية والقضائية. وتقدّمت مؤخراً إحدى المؤسسات الصهيونية بدعوى تطالب بإسقاط الجنسية عن بشارة وأعضاء الكنيست من حزبه. كما أن الشاباك أوحى بأنه يعمل على ملاحقة قادة حزب التجمع مما دفع رئيسة حركة ميرتس السابقة شولاميت ألوني إلى تحذير بشارة من الملف الذي يعده الشاباك له.

من جهته، طالب النائب ايفي ايتام من حزب «الاتحاد القومي» اليميني المتطرف بعقد اجتماع طارئ للجنة الخارجية والأمن لبحث قضية بشارة، فيما قال المحلل الأمني والعسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ألون بن دافيد إنه «في حال عدم عودة بشارة إلى البلاد، فإن هذا يعني أن لديه سبباً ليخشى من أنه قد تجاوز حدوداً معينة».

وفي كل حال فإن صمت بشارة وتصريحات بعض قادة التجمع المتلعثمة، يشيران إلى أن وراء الأكمة ما وراءها بخصوص بشارة. ومن غير المستبعد أن بشارة الذي يجيد التعامل مع وسائل الإعلام، يسعى لاختيار الوقت والأسلوب الأفضل لتظهير موقفه. ولكن ليس من المستبعد أنه، وهو يحدد خياراته المستقبلية ضد المشروع الإسرائيلي، لا ينسى أن كل خطوة يقدم عليها ستكون ذات أثر كبير ليس على حزبه وإنما أيضاً على وضعية السياسة العربية في إسرائيل.

السفير