تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاتهامات لبشارة عقوبتها المؤبد أو... الإعدام!

2007-09-12

كتب محرر الشؤون الإسرائيلية:

بعد السماح بنشر جزئي للاتهامات الموجهة الى الدكتور عزمي بشارة، تبين أن السلطات الإسرائيلية بدأت معه من الحد الأقصى. فالتهمة الأولى الموجهة إليه، وهي مساعدة العدو في زمن الحرب، هي من نوع «المخالفات القصوى» التي ينص القانون الإسرائيلي على أن عقوبتها هي السجن مدى الحياة أو حتى الإعدام. ومن الواضح أن هذا المدخل يشكل أرضية للحملة الإسرائيلية الشاملة الرامية إلى إعادة المارد العربي إلى القمقم وإبقائه في دائرة «المتشائل» الذي يبقى طوع بنان المؤسسة حتى وهو يشتمها في سره.

وبرغم أن بداية الحملة انطلقت من جهاز الامن الداخلي (الشاباك) الذي اعتبر أن التطرف العربي بات يشكل خطرا استراتيجيا على الدولة العبرية، فإن الأحزاب الصهيونية، يمينية ويسارية، سرعان ما استغلتها لأغراض خاصة. وانبرى النائب السابق لرئيس «الشاباك» إسرائيل حسون، الذي انضم إلى الكنيست في قائمة «الفاشيين الجدد» برئاسة أفيغدور ليبرمان، ليطالب بإخضاع كل أعضاء كتلة «التجمع الوطني الديموقراطي» للتحقيق. وبذلك يكمل حسون دائرة الحملة التي بدأها رئيس «الشاباك» يوفال ديسكين في اجتماع الحكومة وواصله رئيس «الشاباك» الأسبق يعقوب بيري بإعلانه أن إسرائيل اتخذت قرارها إزاء بشارة.

وبدأت الشرطة الإسرائيلية بحملة ضد بشارة، محاولة صرف الأنظار عن التهم الأمنية الخطيرة، التي تجرد بشارة من كل احتمال للتعاطف معه في الوسط اليهودي، إلى التشكيك في ذمته المالية بهدف ضرب مكانته في الوسط العربي. وقال متحدث باسم الشرطة أن بشارة سيعتقل فور عودته «كونه لم يعد يتمتع بالحصانة البرلمانية». وأضاف «يحاول بشارة الظهور بمظهر الأيديولوجي، إلا أنه بعد أن يرفع حظر النشر نهائيا، وتتبين التفاصيل الكاملة للتحقيق، سيدرك أنصاره أنه اهتم بالأساس لجيبه».

غير أن معلقين قضائيين وسياسيين إسرائيليين أشاروا إلى أن الحملة ضد بشارة، والتي باتت تمس الأقلية العربية برمتها، تخفي أغراضا غير قليلة. وفي نظر البعض فإنه لو كانت مثل هذه الاتهامات صحيحة وأن الشرطة الإسرائيلية كانت على يقين منها، لما سمحت أصلا لبشارة بالخروج. بل أن رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين حذر من أن حمى ملاحقة بشارة قد تشكل سوابق تهدم أسس الحصانة البرلمانية.

وحاول الخبير القانوني في صحيفة «هآرتس» زئيف سيغال شرح الاتهامات الموجهة لبشارة، فأشار إلى أن تهمة «مساعدة العدو في زمن الحرب» تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد. ويفرض القانون إنزال إحدى هاتين العقوبتين في حال الإدانة، كما يشترط قانون العقوبات في البند المتصل بالموضوع أن تكون عملية مساعدة العدو قد تمت بشكل متعمد، أو بهدف مساعدة العدو.

وأوضح سيغال أن البند المتصل في قانون العقوبات يعرّف «المساعدة» بشكل جارف: «يشمل تسليم معلومات بشكل متعمد تصل إلى العدو أو بمعرفة المتهم أن هذه المعلومات سوف تصل إلى العدو»، بغض النظر عما إذا كان تسليم هذه المعلومات لم يجر في وقت الحرب.

وأشار سيغال إلى أن عقوبة التهمة الثانية وهي «تسليم معلومات للعدو»، تصل إلى 10 سنوات فيما أن عقوبة الاتصال بعميل أجنبي قد تصل إلى 15 سنة سجن. ومعروف أن هناك اتهامات أخرى لبشارة مثل مخالفة «قانون منع تبييض الأموال» تصل عقوبتها أيضا إلى عشر سنوات.

وربما لهذه الأسباب آثر بشارة التريث في اتخاذ الموقف من العودة لأنه، كما أبلغ «السفير»، يعرف أنه إذا عاد لن يستطيع الخروج من الوطن قبل مرور سنوات حتى لو أثبت براءته. وأشار مقربون من بشارة إلى أنه ينوي إتمام برنامجه المقرر سلفا في الخارج والذي يشمل نشاطات فكرية وسياسية إضافة إلى ترتيبات علاجية. وأوضح هؤلاء أن البرنامج لن ينتهي قبل مرور شهرين على أقل تقدير.

تجدر الإشارة إلى أن الحظر الجزئي لنشر كل المعلومات حول قضية بشارة سيرفع، على الأغلب، الأسبوع المقبل. وحينها ستتضح كذلك الاتهامات المالية وليس فقط السياسية والأمنية الموجهة لبشارة.

من جهته، أبلغ خليفة بشارة في الكنيست المحامي سعيد نفاع موقع «عرب 48» أن إلغاء حظر النشر جزئيا أثبت «ما ذهب إليه التجمع منذ اللحظة الأولى، بأن الأمر هو حلقة أولى في المعركة ضد العرب في الداخل بشكل عام، وفي مقدمهم التجمع ورئيسه الدكتور بشارة، من أجل الحد والتخويف من تبني الغالبية العظمى للعرب في الداخل لخطاب التجمع».

ووجه بشارة امس، رسالة إلى «أبناء شعبنا وأبناء التجمع والحركة الوطنية وأصدقائها» عرض فيها رؤيته الشاملة لدوره بعد عشر سنوات من العمل البرلماني «الذي استنفدتُ أدواتَه تحت السقف الحالي واستنزفني أيضا». واعتبر أن محاولة التجمع «صياغة الحركة الوطنية كممثل ليس فقط لرؤيا سياسية ومشروع وطني قومي ديموقراطي وإنما أيضا كعنوان لهموم الناس مع الحفاظ على الكرامة الوطنية» هو ما استفز المؤسسة الصهيونية. وشدد على أنه لم يفاجأ «عندما تبين لي أنهم يخططون لاعتقالي فور استقالتي من الكنيست لغرض محاكمتي».

وقال أن المؤسسة الإسرائيلية فقدت عقلها ولجأت «إلى التنصت على الهواتف وجلب الشهود من أجل تفصيل مثل هذه التهم الباطلة والتي لا أساس لها، لتدمير وضرب من لم يتمكنوا منه ومن فكره ونشاطه طيلة هذه الفترة. وخلافا للتهم السابقة، وبموجب هذه التهم سيكون علي أن أناقش وأبرر محادثات تلفونية تنصتوا عليها مع أصدقاء وصحافيين في فترة كانوا يدمرون فيها بلدا كاملا، أو أن أواجه تحويل أحاديث خاصة بين أصدقاء إلى مواضيع سياسية كأنها مقال أو منشور أو بيان نحاكم عليه... كل هذا أمام المحاكم وفي التحقيق وأمام رأي عام مسمم ومعادٍ».

وخلص إلى أن «هذه قواعد لعبة تحول القيادي والمثقف إلى مشتبه به مذل مهان في عرفهم يبرر تواصله الشخصي والعام وعلاقاته مع العالم العربي أمام الأسياد، ويبرر علاقاته مع الضحايا أمام المعتدي». وأعلن بشارة سأمه من هذه اللعبة. وختم رسالته قائلا أنه «بالإضافة لقرار الاستقالة، قررت حاليا تأجيل عودتي إلى البلاد للأسباب أعلاه نفسها إلى حين تتضح الأمور، فنحن لسنا فريسة سهلة، ولا نستدعى للمثول بهذا الشكل. وطبعا الخيار ليس بين المنفى والوطن، فالمنفى ليس خيارا».

ونقلت «اسوشييتد برس» عن بشارة قوله من الدوحة «بقائي في الخارج مؤقت» مضيفا «انا لا اسعى الى لجوء سياسي، وانما الى سبل للعودة». وتابع «انها اتهامات خطيرة في لغتهم... خصوصا لانها تشير الى زمن الحرب. لكنهم يواجهون عزمي بشارة، الذي لم يحارب مطلقا ايا كان، سوى بالكلمات والمقالات والكتب».

السفير