تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كتابان جديدان يتناولان: هايدغر في الفكر العربي وحفريات سيبويه المعتزلي

*
2015-09-14

صدر كتابان جديدان ضمن منشورات المركز العربي، يغوص كلاهما على نحو معمق في أفكار علمين كبيرين أحدهما في الفكر الغربي والثاني في الفكر العربي. يدخل الكتاب الأول في سلسلة "ترجمان" التي تشرف عليها وحدة ترجمة الكتب في المركز، وهو كتاب "هايدغر والفكر العربي" للكاتب مشير عون، وقد ترجمه إلى العربية إيلي أنيس نجم. والكتاب الثاني بعنوان: "سيبويه معتزليا: حفريات في ميتافيزيقا النحو العربي" للكاتب إدريس مقبول.

هايدغر والفكر العربي

في كتاب هايدغر والفكر العربي (190 صفحةً من القطع الكبير)، للباحث في قضايا الفكر وأستاذ الفلسفة مشير عون، وترجمة الكتاب إيلي أنيس نجم، يمعن الكاتب النظر في المساهمة الإيجابيّة لمشروع مارتن هايدغر (1889 - 1976)، بغضّ النظر عن توتّرات هذا الفكر الداخليّة العديدة، بخاصة أن فكر هايدغر، بحسب المؤلف، لم يُثِرْ في العالم العربيّ على الإطلاق أيّ شغف عقليّ، كما أنه لم يمارس البتّة أيّ إغواء أيديولوجيّ. ويعود السبب، في رأي بعضهم، إلى ما اقتضاه مسعاه الفلسفيّ، فهو مقتضًى نقديّ مغاير للرأي الفلسفيّ السائد. وإنّ التعقيد الذي طبع فكره بطابعه الخاصّ، والراديكاليّة التي لازمت هذا الفكر، جعلَا هايدغر مؤلِّفًا تصعب إحاطته في حدود ما يستطيع العقل العربيّ الحاليّ أن يتفكّر فيه. ويتيح إمعان النظر في فكر هايدغر للفكر العربيّ، تعميق أبعاد التفكّر في الكون، وأن يسعى هذا الفكر إلى الوقوف على إمكانات محتملة يستلهمها لتُمكّنه من بلوغ الاختبار الخاصّ بالثقافة العربيّة في عمق مسعاها التاريخيّ الخصوصيّ.

يقارن المؤلّف بين البنى الخاصّة بالفكرين الهايدغريّ والعربيّ، ثمّ يقيم مواجهةً بين النظرتين الأنثروبولوجيّتين اللتين يوصي بهما الفضاءان الفكريّان. وبالنسبة إلى الأنثروبولوجيا العربيّة، يقصر المؤلّف البحث على الأنثروبولوجيا التي تنتسب إلى الإسلام؛ ذلك أنّها تكوّن، في رأيه، العنصر الذي تمثّل أغلبية الشعوب العربيّة في الوقت الراهن. ثمّ يقابل بين التسليم لمشيئة الله في الإسلام والتسليم لمشيئة الكون عند هايدغر.

يتضمّن الكتاب قسمين: الأول "مارتن هايدغر وإشكاليّة اقتباله العربيّ"، ويضم هذا القسم من الكتاب أربعة فصول وخاتمة، وينعقد على تحليل مقارن للبنى الخاصّة بالفكرين الهايدغريّ والعربيّ. في حين يحاول القسم الثاني "المواجهة بين الأنثروبولوجيتين الرؤية الهايدغريّة للإنسان في وجه الرؤية العربيّة للإنسان"، وهو يضم أربعة فصول وخاتمة أيضًا، أن يقيم مواجهةً بين النظرتين الأنثروبولوجيّتين اللتين يوصي بهما الفضاءان الفكريّان.

المؤلف مشير باسيل عون حائز الدكتوراه في الفلسفة (فرنسا وألمانيا)، والدراسات العليا في العلوم الدينية (لبنان)، وهو أستاذ تاريخ الفلسفة الألمانية والهيرميونطيقيا في الجامعة اللبنانية – بيروت، له العديد من المؤلفات بالفرنسية في الفكر الفلسفي والعلوم الدينية، منها: أسس الفكر المسيحي (1997)، والفلسفة والدين: دراسات في الإلحاد المعاصر (2003)، وأسس الحوار الإسلامي المسيحي (2003)، والهيرمينوطيقيا الفلسفية: تأريخ غربي لنظريات التأويل (2004).

والمترجم إيلي نجم حاز شهادة الماجستير في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، وقد ترجم، مع باحثين آخرين، قاموس الفلسفة (1992) وألّف عدّة كتب، منها مقاربات فلسفية.

سيبويه معتزليا: حفريات في ميتافيزيقا النحو العربي

يحاول إدريس مقبول في كتابه "سيبويه معتزليا: حفريات في ميتافيزيقا النحو العربي" (304 صفحات، من القطع الكبير) البرهنة على أنّ اللغة لم تنفصل في أيّ يوم من الأيام عن العقيدة، وأنّ العقيدة ليس لها وجود فعلي إلّا باللغة، لأنّها مضمرة ولا تظهر إلّا باللسان. ويرى الكاتب على طريقة ابن جنّي، أنّ أأكثر من ضلّ من أهل العقيدة وحاد عن القصد هو من كان في لغته ضعف.

وينطلق المؤلف في هذا العمل من دعوى انبناء النظر النحوي عند سيبويه على الأصول الكلامية للفكر المعتزلي، بما دعا الكات إلى أن يستجمع مستويات الاستدلال الممكنة كلّها للدفاع عن هذه الدعوى، محاولًا في النسق التحليلي نفسه الدفاع عن أصولية النحو العربي وتجذّرها في الثقافة العربية - الإسلامية. إذ افترض أنّ كلّ علم كائنًا ما كان، يدخل فيه قدر من التفلسف، ليس على أساس أنّ الفلسفة تتولّى النظر في مناهجه ونتائجه كما تنهض بذلك فلسفة العلم، وإنّما انطلاقًا من أنّ لكلّ علم رؤية فلسفية تخصّه، وتكون هذه الرؤية جملة من القيم والتصورات والمعتقدات التي تبنى عليها بعض مسلّماته. وانتهى الكتاب في هذا الإطار إلى بيان طبيعة العلاقة التي انتسجت بين مختلف المعارف الأصيلة في ثقافتنا، محاولًا رسم الحدود الوهمية الاعتبارية للتداخل والتأثير، وجاعلًا علم الكلام هو الفلسفة الأصيلة للنظر النحوي عند سيبويه.

والهدف من هذا الكتاب فحص الأثر المعتزلي في نصوص سيبويه. ولهذه الغاية عمد الكاتب إلى إنشاء حفريات في المدونة النحوية لسيبويه الموسومة بعنوان "الكتاب"، وإلى تتبّع "خيوط اللاهوت" المعتزلي في الفكر النحوي لسيبويه. وقاده هذا المسار إلى قضايا التأويل النحوي للقراءات القرآنية، وإلى الردّ على بعض التيارات الاستشراقية التي تأبى إلّا أن تردّ أيّ جهد فكري عربي إلى أصول غير عربية كاليونانية مثلًا؛ فقد سعى كثيرون إلى إقامة البرهان على أنّ النظر النحوي عند العرب مدين للفلسفة اليونانية في نشأته وبنائه. واستعانوا في هذا السبيل بالمناظرة المشهورة بين أبي سعيد السيرافي ومتّى بن يونس. أمّا الكاتب، فينتصر لسيبويه الذي تأثّر بالثقافة الفقهية وبالمنهج الفقهي، إلا أنّه كان أحد بنّائي منهج النظر النحوي.

والكاتب إدريس مقبول من مواليد مدينة فاس عام 1975. حاز الدكتوراه في اللسانيات من جامعة محمد بن عبد الله في فاس عام 2005. عمل في حقل التدريس. ونشر مجموعة من الكتب، منها: "الأسس الإبيستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه" (2005)، و"منهج سيبويه في الاحتجاج بالقراءات ولها" (2010)، و"سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين" ( 2014). وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومدير مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث الإستراتيجية. وهو أستاذ اللغويات وتحليل الخطاب في المركز الجهوي لمهن التربية في مدينة مكناس.

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات