تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لا تقل "لم أعرف"!!

2005-07-27

في لجة الإنشغال بتفاصيل تفاصيل السياسة اللبنانية الذي يحول كل زيارة بيتية واحتساء فنجان قهوة إلى خبر، لم يتم التوقف بشكل كاف عند ما كتبه يوم 26/7، المعلق السياسي في صحيفة يديعوت احرونوت. كتب شمعون شيفر، وهو الصحافي المقرب من مكتب رئيس الحكومة، مستنداً إلى مصادر مطلعة، أن التقارب المخابراتي الإسرائيلي الفرنسي في لبنان كان أحد عوامل تحسن العلاقات الإسرائيلية الفرنسية إلى درجة الإعلان أن زيارة شارون إلى باريس ستكون زيارة تاريخية، وأن هنالك إتفاقاً على كافة القضايا. لقد عقب مراسل صحيفة هأرتس أدار بريمر في إطار مقابلته المطولة والحميمة بشكل خاص (الجمعة 22/7/05) مع الرئيس شيراك أن شارون الرجل غير المرغوب في فرنسا أصبح هو أمل شيراك لتحسين وضعه الداخلي المهتز. 
 

تمت الإشارة حتى الآن إلى تلاقي المصالح الفرنسية والأمريكية في لبنان، رغم أن محاولة فرنسا اتباع سياسة دولة عظمى، على المستوى اللفظي والثقافي وعلى مستوى تجارة السلاح، يدفعها الى صدام مع سياسة الولايات المتحدة في بعض المناطق مثل أفريقيا، أو يؤدي الى تفاوت بين السياستين كما في حالة التفاوت السابق والتلاقي الحالي في العراق. ولكن حالة لبنان هي حالة كلاسيكية لتلاق على نفس مصالح الدولة العظمى مع فرق ما زال قائماً يتلخص بتفاوت التأكيد على الأجندات، فالولايات المتحدة أكثر تأكيداً على مسألة نزع سلاح المقاومة دون أخذ آثارها على الإستقرار الداخلي اللبناني بعين الإعتبار، في حين تتخذ فرنسا موقفاً مماثلاً ولكنه أقل تشدداً بهذا الشأن. فهي تخضع موقفها لتحالفاتها اللبنانية وأولويات حلفائها هي. ومع ازدياد دور فرنسا والولايات المتحدة في لبنان سوف تستمر في مناقشة هذه القضايا، ولكن التقارب الفرنسي الإسرائيلي الحالي القائم على التنسيق المخابراتي بين فرنسا وإسرائيل في لبنان ينبه من لم ينتبه حتى الآن من حلفاء فرنسا وأمريكا في لبنان من سباته أو يفضح من كان على علم ولكن يتظاهر أنه لا يعلم. 
 

يفترض ان يملأ الفراغ السياسي والأمني الذي تركته سوريا في لبنان بالسيادة اللبنانية الممثلة بالدولة اللبنانية، ولا بأس في التنسيق مع سوريا إذا لزم الأمر وبالدرجة التي تتوافق فيها سيادتان في نفس الفضاء الاستراتيجي. بدل ذلك يتم ملء الفراغ السياسي مع سبق الإصرار والترصد بالتدخل الفرنسي والأمريكي وبالضغط السياسي المباشر الذي لا يتوقف عند حدود الأحزاب والتيارات ذاتها. ولكن يتضح تدريجياً أنه يتم ملء الفراغ الأمني أيضاً بنفس الطريقة. وأخيراً تبين أن ملء الفراغ الأمني فرنسياً وأمريكياً لا يتم في حالة لبنان دون تنسيق مخابراتي إسرائيلي. هل يعلم أولئك الذين يشجعون فرنسا وأمريكا على التدخل في الشأن اللبناني الداخلي أن إسرائيل نفسها تعترف أنها الراكب الثالث، الشخص الثالث، الحاضر غير الغائب على المركبة الفرنسية الأمريكية في لبنان. 
 

من يقول ذلك هو إسرائيل ذاتها وصحافتها تتفاخر بذلك ( وليس نظرية المؤامرة). ولن نستغرب إذا اتضح أن إسرائيل ليست مجرد راكب بل إنها في بعض الحالات تقود المركبة كصاحبة خبرة. لن يجاهر أو يفاخر أحد سوى إسرائيل بهذه الحقيقة، ولن تضعها لا فرنسا ولا أمريكا في شباك عرض سياستها الخارجية، فكل عاقل في لبنان يخجل بالعلاقة الإسرائيلية، ولكن بعد النشر الذي رافق زيارة شارون إلى باريس لا أحد يستطيع أن يدعي أنه لا يعرف.