تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خواطر في زمن كورونا ولأزمنة أخرى (13)

2020-04-11

1. إذا اجتمع الخوف من المجهول، ولا سيما المتعلق بالموت ونسج الأساطير حوله، مع التعصب الأهلي المحلوي للجماعة الصغيرة فإنه يصل أحيانا حد العبث. فالجماعة المحلية المهمشة عرضة دائمة لأن تكون الضحية التي تتقمص دور الفاعل. الجهل والتضامن ضد المجهول يحوّل الخوف إلى غضب ضد أي عنوان عيني متاح و"معروف". قرأت اليوم خبرا غريبا وغير مفاجئ (وهو بذاته تزامن معتاد في هذه الأصقاع)عن اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن في قرية شبرا البهو في محافظة الدقهلية في مصر، إذ حاول أهالي القرية منع دفن جثمان طبيبة توفيت في مستشفى العزل في الإسماعيلية، بعد إصابتها بالفيروس، في قريتهم.
2. لا تتوقف بعض وسائل الإعلام عن الدجل والتدجيل والهرج والتهريج بشأن الوباء وفعله، وأصله، وعلاجه ب"المرجلة والمراجل" الفولكلورية، مثل شعبوية الوصفات من المأكولات الشعبية. ثمة ابتسامة مميزة ترتسم على وجوه المذيعين الذين يعتقدون أن بلادهم وحدها تمتلك مأكولات شعبية. ولكني أشتم رائحة خبث وتواطؤ مع تقصير السياسات الصحية العامة. فالتهوين من الأمر وحله بالوصفات الفولكلورية قد يريح الدولة وجهازها الصحي من جماهير غفيرة قد تقتنع به.
3. تُذكّرك مجتمعات محلية تتطيّر حتى من دفن الميت، ومذيعون في وسائل إعلام غير محلية يشنون حربا قروسطية عليه بقائمة من المأكولات والمشروبات الشعبية، بالمكان والزمان والسياق الذي يمكن فيه أن يهمش العلم والعقل إلى هذه الدرجة.
4. لا أساس لوجود مقابر جماعية لدفن ضحايا وباء كورونا في جزيرة هارت قرب نيويورك. صورة صف التوابيت في حفرة طويلة، ليست جديدة. فهناك درجت سلطات المدينة على دفن مشردين "مجهولي الهوية" أو "بلا أهل وأقارب" معروفين. الظاهرة فظيعة بحد ذاتها. ولكن الإعلام مُصر أن ينشر الصور على أنها مقابر جماعية لضحايا كورونا يليها التكذيب، لكي لا يفوّت الإثارة في الصورة في زمن الوباء.
5. حتى الإعلام الجدي يسقط في فضيحة التظاهر المسف بالموضوعية حين ينشر خبرًا يعرف ناشره حق المعرفة أنه كاذب ويتيح التكذيب لصاحب الشأن. وأحيانا يتضمن الأمر تحريضا حقيقيا على شخص ما، فيلصق بالذاكرة أكثر مما يعلق بها التكذيب. إذا كان الخبر كاذبًا من أساسه أو مختلقًا والمحرر يعرف ذلك، فإنه ليس خبرا أصلا، ولا يجوز نشره حتى لو تلاه تكذيب. ونشره فعل مغرض. الخبر المرجّح الذي يصعب التأكد من صحته رغم بذل الجهد، هو الذي ينشر مع تكذيب أو تشكيك غيره؛ أما الادعاء الكاذب والمختلق فليس خبرًا بل افتراء حتى لو أتيح لصاحب الشأن التعليق للتغطية على فرية النشر.
6. لم يعد ممكنا تجاهل مسألة الاقتصاد. ماذا يمكن أن يحصل إذا استمرت الإغلاقات أكثر مما ينبغي؟ ما لدينا الآن ليس أزمة اقتصادية بل "اقتصاد متوقف" يصح أن نسميه مع بعض الإبداع economy on hold (لا أعتقد ان التسمية مستخدمة). ولكن هذه تصح كحالة مؤقتة فقط، وإذا لم تعالج بسرعة، ومن خلال مشاورات عالمية وليس خطوات منفردة، يمكن أن تتحول إلى depression كساد اقتصادي ذي تداعيات اجتماعية وسياسية مدمرة لن أطيل في شرحها.