تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حول العنصرية ثانية

2005-08-16

قدم النائب في البرلمان الاسرائيلي عن "الاتحاد الوطني" المستوطن تسفي هندل اقتراح قانون يعزز منع العرب من الاستفادة مما يسمى "أراضي الدولة"، وهي التي تقوم عليها المدن والقرى اليهودية داخل الخط الاخضر.

 

ولا حاجة للاسهاب في شرح مصدر اراضي دولة قامت على احتلال ومصادرة الارض العربية. وحتى الآن كانت اللجان التأسيسية ولجان القبول في المستوطنات التعاونية والأهلية الطابع (يشوف كهيلاتي community yishuv ) تقرر قبول السكان في هذه القرى والبلدات قبل تأسيسها أو بعد التأسيس مباشرة. وكان مفروغا منه أن العربي لا يستطيع السكن فيها، فقد أقيمت أصلا بدوافع ولأهداف صهيونية على أرض العربي المصادره. وقد غيرت المحكمة العليا هذا الأمر مؤخرا إذ أجبرت إحداها على قبول عربي في حالة واحدة وصلت حتى المحكمة العليا. وكان هذا المواطن العربي قد عبر عن رغبة بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي وتحديدا في هذا النوع من المستوطنات داخل الخط الأخضر.

 

ومنذ تلك الفترة أدى تقدم عرب بطلبات للحصول على أرض للبناء في إطار توزيع اراض لدائرة اراضي إسرائيل الى إلغاء مشاريع أحياء في بلدات مثل كرميئيل وغيرها. وقد استخدم بعضها، وما زال يستخدم الادعاء أن أراضي دائرة أراضي إسرائيل التي خصصت للبناء أفرزت لها على حساب "الصندوق القومي اليهودي" (كيرن كييمت)، ومن أملاك هذا الصندوق. والأخير هو تنظيم مستقل ذو وضع قانوني، ولكن له دستور وأهداف داخلية. وهو يشتري الأرض بأموال تبرعات جمعت من اليهود لغرض خدمة اليهود فحسب. وهنالك ادعاءات مناقضة لهذا الإدعاء حتى من الناحية القانونية الشكلية.

 

من المفيد أن تشغل هذه النقاشات التفصيلية محامياً دستورياً إسرائيلياً، ولكن المهم بالنسبة لنا هو الانتباه الى حقيقة تاريخية هامة، أن إسرائيل كدولة ما زالت في مرحلة تاريخية تحدد فيها الاستفادة من "اراضي الدولة" ليس بموجب المواطنة بل بموجب الانتماء الى شعب -دين، أي إلى هوية جمعية محددة.

 

ومؤخراً حاول النائب عن "الاتحاد الوطني" اختصار هذا النقاش في قانون ينص صراحة: "لا يستطيع العربي السكن في مستوطنة أهلية يهودية". رفضت المستشارة القضائية للبرلمان طرح هذا النص على طاولة البرلمان باعتباره عنصرياً، وأصرت على تغيير نص القانون إلى: "لا يعتبر تخصيص أراض من دائرة اراضي اسرائيل لغرض اقامة مستوطنة أهلية صغيرة تمييزاً حتى لو اقتصرت اقامتها على اسكان أبناء قومية معينة". (هآرتس 12/10/2004) تفاعلت في تشكيل هذه الفضيحة الأخلاقية بالطبع عناصر عديدة منها تلبيس العنصرية الصريحة والمباشرة التي يقوم عليها نظام الحكم وايديولوجيته في اسرائيل بعمومية اللفظ القانوني وحياديته التي تجنبه اللغة العنصرية الواضحة. 

 

لقد صودرت غالبية اراضي العرب الساحقة بواسطة قوانين لا يرد فيها إطلاقا لفظ عرب او عربي، ولكن كان واضحاً ان هذه القوانين التي سنت في الخمسينات وبداية الستينات استهدفت إيجاد أدوات قانونية لمصادرة الأراضي العربية كما يليق بـ"دولة قانون". وهكذا من الواضح ايضاً ان المقصود بـ"ابناء قومية معينة" في القانون بعد أن أهِّل ليوضع على طاولة البرلمان هو اليهود، والمستثنى هو العرب، إذ لا تقام في اسرائيل بمبادرة الدولة مستوطنات عربية!! ولا تخصص دائرة اراضي اسرائيل أراضٍ لاقامة قرى ومدن عربية.

 

قامت اسرائيل بسن قوانين عنصرية بألفاظ عامة. ووجدت نفسها مؤخراً "مضطرة" لذكر العرب بشكل صريح في قانون يميز ضدهم، إذ ورد ذكر "سكان الضفة الغربية وقطاع غزة" عينيا في قانون سن لمنع منحهم اقامة داخل إسرائيل بواسطة الزواج او غيره. ولم تكن هنالك طريقة لسن القانون دون ذكرهم عينيا. ولذلك أيضاً طرح القانون العنصري كقانون لسنة واحدة، ويتم تجديده كل سنة، كأن لغة القانون الثابتة ترفض ان تحتضنه في كتبها. ومن هنا طابعه المؤقت الذي يجدد كل سنة. وهي اكروباتيكا برلمانية اخرى تتجنب الوقوع في لغة الابارتهايد دون حاجة ماسة. 
 

وينص اقتراح القانون المذكور أعلاه ان تخصيص أراض لمستوطنة مقتصرة على ابناء قومية معينة لا يعتبر تمييزاً لكي لا يستطيع مواطن الاستئناف ضد قرارات دائرة أراضي إسرائيل وضد المستوطنة نفسها بحجة التمييز، فالتمييز قانوني، بموجب هذا القانون. وهنا يتجلى برأينا في حالة عينية الأساس البنيوي للعنصرية الاسرائيلية. 

الوحشية في المناطق المحتلة هي وحشية كولونيالية في زمن المواجهات، وكل دولة محتلة تطور عنصرية لكي تمارس هذا الشكل من القمع الاحتلالي العسكري. ولكن العنصرية التي تهمنا هنا والمذكورة أعلاه ليست عنصرية المواجهة العسكرية بما فيها من قمع وعنف جسديين، بل هي عنصرية قائمة في زمن السلم وزمن الحرب، باحتلال وبدون مناطق محتلة، ويتعايش معها اليمين المتطرف ومدَّعو اللبرالية ومدعو اليسارية الذين قد يعارضون القمع الاحتلالي ومظاهره الوحشية. 
 

ويعود أساس هذا التميز الى قانون المواطنة ذاته الذي يؤسس المواطنة، وبالتالي مجمل العلاقة بين الفرد والدولة على قانون العودة الصهيوني الايديولوجي الطابع.

 

هذا بالنسبة للعنصرية البنيوية أما بالنسبة للثقافة العنصرية فقد نشرت "هآرتس" بعد يوم من هذا الخبر باسهاب وبجرأة على صفحتها الأولى قصصا وحكايا حول ما يجري لرجال الدين المسيحيين والرموز المسيحية في القدس. ولو نشرت صحيفة اجنبية هذا الكلام لقيل انها تبالغ وتحرض. فإذا ادعيت أن هنالك يهوداً عنصريين بالمعني الديني، فكأنك تحرض للعداء للسامية أو تبررها. فماذا نشرت "هآرتس"؟ يتلخص الموضوع ببساطة أن تلامذة المدارس الدينية اليهودية "يشيفوت" يقومون بشكل منهجي بالبصق على رجال الدين المسيحيين عندما يصادفونهم في اماكن عامة مثل الشارع، ويبصقون ايضاً على الصليب...والقصص طويلة وتحتاج الى صفحات لعرضها (هارتس 12/10/2004). وتتفاقم الظاهرة كل عام مع اقتراب عيد البوريم. ولا تذكر هآرتس ولا يعرف قراؤنا ربما أن لهذه العادة أصولا عميقة في تقاليد اواسط اوروبا في القرون الوسطى، إضافة الى قبائح أخرى من نوع تسمية مريم العذراء بمريم الزانية الخ، وقد عالج هذا الموضوع بتوسع مؤرخون يهود من قسم الدراسات اليهودية في الجامعة العبرية في القدس.

 

تخيلوا لو قام مسيحيون او مسلمون متدينون بشكل منهجي بحملة بصق على رجال الدين اليهود او رموزهم الدينية استمرارا لعادة متوارثة منذ القرون الوسطى، ولو اعتبروا هذه العادة فضيلة دينية ضد دين يعتبر بأكمله نبوة كاذبة تشوه وتناقض دياناتهم إلى درجة اللجوء الى البصق على جماليته وحضاريته كأنه عادة حميدة. كنا سوف نسمي ذلك عنصرية وعداء للسامية. ويجب فعلا إدانة أي مظهر عنصري ضد اليهودية. ولكن المنظمات الصهيوينة لا تكتفي بهذا، وكانت ستنظم مظاهرات وتطالب بمعاقبة الفاعلين. هذه العقلية القروسطية تعشش في دولة حديثة الى درجة دعت وزير داخليتها أبراهام بوراز أن يعتذر عنها (هآرتس 13/10/2004).

 

وباعتذار احد ممثليها تحاول المؤسسة مرة أخرى ان تتصرف كبيروقراطية عقلانية وان تحاقظ على الحصانة والكياسة في اللفظ ضد مظاهر العنصرية الفظة. مرة يغطي اللفظ القانوني على عنصرية البنية السياسية والقانونية، ومرة يغطي تأدب الوزير على ثقافة عنصرية من نوع قبيح ما زالت تجد لها تعبيرات بهذه الفظاظة في الشارع.