تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النية لشن الحرب لم تتغير

2002-05-05

يبدو أن الولايات المتحدة أو محور اللاعقلانية والتعصب الذي يحكمها، من ريتشارد بيرل الى فولفوفيتس مرورا بتشيني ورامسفيلد والرئيس بوش الذي قرر أن "يًركِز" في جيل متأخر وأن يدخل معترك الحياة السياسية، والذي لا تخلو أحاديثه مع الزعماء من الصراخ والعصبية، يبدو أن هذا المحور الذي لا نود ان نسميه محور الشر لأننا لسنا أصوليي العقلية، قد قرر ان يشن الحرب على العراق. ورغم أنه قد اضطر الى التوجه الى الأمم المتحدة بناء على نصيحة الاوروبيين، إلا أنه لا يجهد نفس كثيرا ولا حتى بتصنع الاحترام لما يسمى بالإرادة الدولية تيمنا.
 

لقد قبل العراق عودة فريق المفتشين الدولي الى العراق بدون شروط، وقد فعل ذلك بالحاح من كافة القوى المعارضة للحرب والتي تظن ان هذا القبول قد يحرج الامريكان، ويبدو أنه لم يحرجهم كثيرا. فالمحور الأمريكي الصقري المذكور أعلاه يعلن على الملأ أنه لن يهدأ له بال قبل أن يسقط النظام في العراق، وأنه اذا لم تتخذ الولايات المتحدة القرارات الصحيحة فسوف يتحرك حربيا مع حلفائه من دونها. ولن يذهب المفتشون الى العراق بموجب المزاج الأمريكي الرسمي قبل ان يتضح ان القبول العراقي غير مشروط فعلا. فما المقصود ب"غير مشروط"؟ ليس المقصود بتقديري امكانية تفتيش غرفة نوم الرئيس العراقي، مع أن الخيال الهوليوودي المشوه بطبقات تاريخية متراكمة من صور الشر قد يصل الى هناك، ولكن المقصود باعتقادي هو ان يجمع الفريق معلومات غير متعلقة بأسلحة الدمار الشامل وانما ايضا بالجيش العراقي والدفاعات العراقية وغيرها، وهذا كله عشية حرب، لكي لا تكون حربا فحسب بل حربا سهلة أيضا. وقد سبق في العام 1998 ان قصفت مواقع محددة جدا، بل غرف بعينها في مبانٍ حكومية بعد ان تم فحصها من قبل فريق المفتشين.
 

وكان من المفترض ان تتوقع ذلك الدول العربية والاوروبية ذات المصلحة بقبول العراق هذه العودة بدون قيد او شرط  واتي سعت لاقناعه بالقبول، وأن تقترح مخارج لحل هذا الاشكال. لأنه اذا ارسل الفريق دون تغيير النية بشن الحرب فسوف تفتعل الازمة تلو الاخرى بغرض سحبه من العراق ومباشرة العدوان. وسوف يكون هنالك من يجمع التقارير المخابراتية عن خطو الدفاع العراقية تمهيدا لشن الحرب. ولا بد في هذه الحالة ان يرافق الفريق موفدون رسميون عن دول عربية واوروبية لا يشكلون فريقا رسميا، ولكنهم كأفراد عبارة عن  موفدين رسميين عن حكوماتهم لمراقبة نوع الأزمات التي قد تحصل او تفتعل.

 

يقول سكوت ريتر في مقابلة مع صحيفة جارديان من يوم 19 سبتمبر، أيلول،  أنه لا يوجد لدى الولايات المتحدة او الأمم المتحدة مبررا لمهاجمة العراق في أي قضية متعلقة بالتسلح. والرجل المذكور هو ضابط سابق في المخابرات العسكرية الأمريكية شارك في مراقبة نزع السلاح في الاتحاد السوفييتي السابق في نهاية الثمانينات، ثم في تعقب صواريخ السكاد العراقية ابان حرب الخليج، وقد مثل الولايات المتحدة عمليا في فريق المراقبة الدولي الذي مارس مهامه في العراق حتى العام 1998، برئاسة الاسترالي ريتشارد بتلر. وبعد سبع سنوات من العمل المحبط في كشف اكاذيب العراقيين المستمرة حول قدراتهم مثل اعترافهم بتملك اسلحة بيولوجية بعد أربع سنوات من التهرب وبانتاج غاز الاعصاب في. أكس فقط في العام 1995، وبعد ان اتضح له ان الولايات المتحدة حاولت استخدام فريق التفتيش للتجسس على العراق استقال من الفريق مدعيا "أننا"، أي الولايات المتحدة، تدفع باتجاه تغيير النظام في العراق وليس باتجاه نزع التسلح او مراقبته، وان هذا كان عمل فريق التفتيش الحقيقي بنظر الولايات المتحدة. وهو يرى ان الخطر قائم في ان تنجز العراق اعادة بناء قدرتها على التسلح دون فرق تفتيش ورقابة، وهو يعتبر عودتها المهمة الرئيسية حاليا ومن المفضل ان يتم تركيز الانتباه عليها.
 

 يقدر هذا المخابراتي الأمريكي الذي يصوت كما يقول للحزب الجمهوري، ان الفريق قد اكتشف ودمر حتى العام 1998 90 –95% من اسلحة الدمار الشامل وأنه دمر كافة المصانع وأدوات انتاج هذه الأسلحة. وأن ما تبقى من الاسلحة الكيماوية يصبح غير صالحا للاستعمال بمرور خمس سنوات، وأن الاسلحة البيولوجية تتعطل بعد ثلاث سنوات. أما بالنسبة للسلاح النووي فيسخر ريتر من ادعاء نائب الرئيس الأمريكي ان العراق قادر على انتاجه خلال عامين. فقد دمرت قدراته الملموسة التي كانت قائمة، وليس بامكانه اعادة بنائها في ظل الحصار، كما ليس بامكانه اجراء تجارب دون اكتشاف الاشعة من قبل نظام الرقابة والتجسس المفروض على العراق، كما يمنع هذا النظام اجراء تجارب صاروخية. لا يمكن ان يتسلح العراق بالصواريخ البعيدة المدى وبالسلاح النووي في مختبر في قبو.
 

ولكن يبدو ان خيال الرأي العام قد ذهب الى مدرسة هوليوود قبل ان يتعامل مع الحقائق. في امريكا يتخيلون صدام حسين يجري تجارب نووية في عالم قائم بذاته تحت الأرض، وبعض العرب يناقشونك سرا قائلين، "أكيد صدام محضرلهم شي، أكيد عنده شيء". كلام يذكر بهراء حرب الخليج الثانية،  التي ظهر فيها صدام على وجه القمر في بعض الأحياء العربية الفقيرة، ولكنه احتجب مؤخرا بعد ان تعبت الناس من الكلام عن المفاجأة التي يحضرها للغرب.
 

ولولا اننا  نواجه حالة خطيرة لما تعاملنا بهذا الاسهاب مع كلام خبير عسكري مخابراتي شاب من الولايات المتحدة لا نعرف عنه شيئا وليس لدينا حب الاستطلاع لنعرف. هنالك حاجة ماسة ان يتم التعامل  بكل الدقة الممكنة مع الحقائق لتفنيد ادعاءات الولايات المتحدة ولإحباط محاولتها شن حرب شاملة على العراق.
 

ورغم ان المسؤولين العراقيين لم يصدقوا فيما يعلق بقدرتهم على انتاج الاسلحة ونوع الاسلحة المتوفر، وذلك عندما تعاملوا مع طاقم اعتبروه طاقما عدائيا، إن لم يكن معاديا للعراق، وكما أنهم لم يصدقوا في يوم من الايام في قضايا اساسية متعلقة بحقوق المواطن والانسان العراقي، إلا انهم يصدقون الآن عندما يتحدثون عن مخطط أمريكي يستهدف المنطقة بأسرها، وليس العراق وحده. والموضوع لا يحتاج الى معلومات سرية بل الى تقدير سليم للمعطيات العلنية. يقول الرئيس الأمريكي ان مجرد وجود قوة عظمى واحدة عالمية، امبراطورية، معرضة في عقر دارها لهجمات بطائرات مدنية حوِّلت سلاحا تدميريا، يضاف اليها مجرد سهولة انتاج الأسلحة الكيماوية، هذه "المجردات" وحدها تبرر ان تقوم هذه الدولة العظمى بضربات وقائية مانعة خارج حدودها. هذه أصول اللعبة الجديدة. والسؤال هو ما الذي يدخل في نطاق الخطر والوقاية منه،وما هو نوع الوقاية المتاح؟ هكذا نطق جورج بوش بالعقيدة الاستراتيجية الجديدة يوم 20 أيلول. وهي عقيدة خطيرة لأنها تعطي الحق غير المحدود للولايات المتحدة للتحرك خارج الحدود في خطوات وقائية قبل ان يصل الضرر الى البيت كما حصل في ذلك اليوم في نيويورك وواشنطن.
 

هذه الأفكار وحدها تغني عن السؤال عن المشترك بين اسرائيل وأمريكا، لان فكرة الضربة الوقائية المانعة خارج الحدود لتجنب نشاط معاد داخل الحدود هي فكرة اسرائيلية قلبا وقالبا، جسدا وروحا. ليس هنالك ما يثير الاستغراب باحتضان ادارة بوش غير المشروط لاسرائيل. ورغم كل ما نعرفه عن العلاقة الاسرائيلية الامريكية فما زلنا نفاجأ. فقد أبلغني احد افراد الشرطة الامريكيين الذي سمع محاضرتي في ولاية كليفورنيا أن رئيس الشرة في منطقته قد سافر مؤخرا الى اسرائيل للاشتراك في دورة لمكافحة الارهاب. لنكن واضحين: من يدرب من؟ اسرائيل تدرب الولايات المتحدة. من الدولة العظمى في العالم؟ الولايات المتحدة التي يتلقى افراد شرطتها تدريبا على مكافحة الارهاب في اسرائيل.
 

وتدعي الولايات المتحدة ان وجود النظام العراقي بحد ذاته هو خطر. كما قد تدعي في المستقبل أن وجود حزب الله هو كذلك، وان التخلص نهائيا من وجود حركات مثله يتطلب تغييرا جذريا في لبنان، وهذا يتطلب بدوره تغييرا جذريا في سوريا. وقد ادعت الولايات المتحدة أمرا مشابها بالنسبة لياسر عرفات شخصيا، وهي تقوم في هذا الأثناء بتنفيذ التغييرات اللازمة على مستوى القيادة الفلسطينية للبدء بمفاوضات اسرائيلية فلسطينية، بعد تنفيذ المخططات العدوانية الآنفة الذكر او جزء منها، لإقامة دولة فلسطينية كما تتصورها أمريكا.
 

في هذا الاثناء، تبتز الولايات المتحدة انظمة صديقة لها مثل مصر والمملكة العربية السعودية بإثارة موضوع اوضاعها الداخلية المطلوب اصلاحها كجزء من هذه الوقاية المطلوبة للدولة العظمى ضد "خطر الارهاب". وقد يتبين ان هذا التكتيك الابتزازي هو جزء من استراتيجية شاملة، او قد تضطر الولايات المتحدة للتعامل معه بجدية ازاء ديناميكية الاحداث، ومحاولات الأنظمة الصديقة ارضاء الولايات المتحدة بشكل ينم عن ضعف يفسح المجال لتغيير فعلي. ويتساءل العديدون لماذا ترغب الولايات المتحدة بموجب خطاب بوش امام الامم المتحدة بإقامة أنظمة ديموقراطية في العراق وفلسطين، ولا تعمل على اقامتها حيث لا يتطلب الموضوع حربا، وحيث بالامكان ان يتم الانتقال الى  الديموقراطية بالتعاون التدريجي مع حلفائها لإصلاح الأوضاع القرسطوية في المملكة العربية السعودية مثل. ولا مثيل لهذه الأوضاع الاجتماعية لا في ايران، ولا في غيرها. والحقيقة أن الولايات المتحدة بدأت ترى تناقضا بين سياسات المملكة الخارجية "المعتدلة" وبين ايديولوجية النظام الأصولية الموجهة نحو الداخل والتي تساهم بانشاء أصوليات وحركات انفصالية على مستوى العالم اجمع بنشاط من مؤسسات المجتمع السعودي والدولة التي ما زات تتحرك على مستوى الدعاية الايديولوجية كأن خطر الشيوعية ما زال قائما.
 

ومن غير الممكن في سياق هذه الاستراتيجيات غير المفصلة ان نهمل دور السيطرة على النفط. اذا سيطرت الولايات المتحدة بواسطة "نظام صديق" يسدد ديونا للولايات المتحدة على مصادر النفط في العراق تكون الولايات المتحدة قد أحكمت السيطرة على معظم ينابيع النفط في العالم.فاحيتاطي النفط العراقي هو الثاني في العالم بعد المملكة العربية السعودية. والولايات المتحدة تستهلك سنويا ربع الاستهلاك العالمي للنفط، وهي في الوقت ذاته لا تنتج الا نصف ما تستهلك، هذا عدا الطاقة الهائلة الكامنة في السيطرة على هذه المقدرات فيما يتعلق باقتصاديات العالم اجمع. هذه الحقائق دعت الايكونومست البريطانية المؤيدة للحرب والتي اتخذت هي أيضا موقفا صقريا بعد 11 أيلول الى تقرير ما يلي: "تنطلق مصلحة امرييكا الاسترايتجية في ملاحقة صدام حسين من ضرورة انقاذ العالم من اسلحة الدمار الشامل القائمة والممكنة، ولكن هنال اعتبار ضخم آخر مهما كان ثانويا، الا أنه لم يحظ بالاهتمام الذي يستحق، والمقصود هو الاثر الهائل الذي سيتركه فتح احتياط هذا البلد الهائل من النفط." (الإيكونوميست 14 ايلول).  واذا احكمت الولايات المتحدة قبضتها على احتياطي النفط العالمي فلن يبق بالتأكيد استقلالية ولو نسبية لتتمتع بها منظمة اوبك فيما يتعلق بكمية النفط التي تضخ وأسعاره.

 

 هنالك مصلحة عربية مشتركة لمنع الحرب على العراق والتصدي لها. وهنالك مصلحة ان يتحرك الشارع العربي دفاعا عن العراق وفلسطين. ولكن قبل ذلك كله علينا ان نؤكد ان قدرة الولايات المتحدة على ابتزاز الدول الحليفة ومعاداة الدول غير الحليفة لها بات يتوقف ايضا على بنية هذه الدول السياسية والاجتماعية. وهذا يعني أن الاصلاح الديموقراطي يجب ان يبدأ فيى هذه الدول ايضا لقطع الطريق أمام الولايات المتحدة لاستخدام الاوضاع للابتزاز واضعاف الدول والمجتمعات على حد سواء. 

لقد ثبت ايضا ان تحرك الدول العربية كل على حدة في الحوار مع الولايات المتحدة يجعلها أكثر تعرضا للضغط مما لتوجيه الضغط، فالمتوجه الى واشنطن بغرض التأثير عليها يجد بانتظاره ادارة تحمل بيدها ملفاته وتضغط عليه في المكان الذي يؤلمه، "حيث يوجع". قد يكون ما نقوله أضغاث احلام وكلام تمني ولكن على العرب أن يحاورا الولايات المتحدة سوية بالحد الادنى من الاتفاق.