تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الدولة الفلسطينية كمطلب إسرائيلي

2005-08-16

لا فائدة من التساؤل لماذا لم يقم بلير بزيارة فلسطين حين كان عرفات حياً، ولا لماذا لم يشرفها رئيس البنك الدولي بالزيارة، فلن يجيب أحد عن هذا التساؤل. وكان جورج بوش في خطابه يوم 20 كانون الاول/ديسمبر 2004، عاد إلى تأكيد كونه أول رئيس أميركي يعلن قبول مبدأ الدولة الفلسطينية علناً، والحقيقة فكرة الدولة الفلسطينية كانت متضمنة في أفكار كلينتون في كامب ديفيد، وأن شارون سبقه الى إعلان قبوله الدولة الفلسطينية.

 

وما يميز الحملة الحالية على الشأن الفلسطيني ضماً وتقبيلاً واحتضاناً هو طرح المسألة الفلسطينية كقضية دولة، "دولة حاف"... من دون حدود وعاصمة وقضية وطنية. ويصمم هذا الانطباع بشكل شمولي حالياً، حتى إذا عرضت الدولة على الفلسطينيين، هكذا وحدها، سيصعب عليهم الرفض، لأن العالم كله يعتبر نضالهم من أجل دولة، وها هي الدولة تُعرض عليهم فماذا يريدون أكثر من ذلك؟

 

ومن دون تحليل، هكذا بالحواس وحدها، أول ما تلاحظه العين، إذا صح التعبير، ويلفت النظر ويشد الأذن، هو أن التفاؤل الشاروني يرافقه تفاؤل عربي من نوع معين جداً، مما يزعج العين والأذن، غريزياً، إذ لا بد أن يكون أحدهما مخطئاً، أو أن أحدهما انضم إلى الآخر في تعريف أسباب التفاؤل.

 

يحاول الإسرائيليون زرع عناصر تغيّر كبير وتفاؤل في خطاب شارون في هرتلسيا يوم الخميس 16 كانون الأول 2004، والواقع أن الخطاب متفائل باللغة والمضمون الإسرائيليين، ولذلك استحق تسميته إسرائيلياً بـ"خطاب الفرص التاريخية". ولا يمكن من وجهة النظر العربية إلا التساؤل عن أسباب هذا التفاؤل الشاروني. كما لا يمكن الانضمام إليه من دون تقبل عناصره المكونة.

 

لا يعني التفاؤل الإسرائيلي الذي ينسب إلى خطاب شارون بتسميته "خطاب الفرص التاريخية" إلا "تحسن حال إسرائيل الاستراتيجية"، كما يقول شارون نفسه في الخطاب، بما في ذلك "أهم إنجازات خطة فك الارتباط برأيه، ألا وهي رسالة الضمانات والتفاهمات مع بوش". ويدعو شارون القيادة الفلسطينية للمساهمة في تفاؤله عبر "اتخاذ قرار تاريخي بوقف العناصر الداعمة للإرهاب"، فهذا القرار يؤهلها لتكون شريكة... شريكة بماذا؟ يقول شارون لتكون شريكة في التنسيق على خطة فك الارتباط... من اعتبارها خطة فك ارتباك نرفض الرد عليها أو التعاطي معها إلا من ناحية إدارة السلطة لشؤون المجتمع، إلى القناعة بأن علينا كي نتفاءل أن نقبل أن المشاركة الفلسطينية في حفظ الأمن في المناطق التي تخليها إسرائيل في قطاع غزة، هو تنازل إسرائيلي يدعو الى الرضا. وثانياً يقول شارون في خطابه أن نجاح السلطة الفلسطينية في هذه المهمة هو التمهيد لمفاوضات سلام شاملة تحت سقف تفاهم إسرائيل مع بوش... تفاهم إسرائيل مع بوش على طبيعة الحل الدائم وهو الإنجاز السياسي الأساس لخطة فك الارتباط، على حد تعبير شارون، وعلينا أن نرى بالانضمام الى التفاوض على أساسها انجازا... وذلك لكي نتفاءل.

 

هذه أسس تفاؤل شارون، وغني عن القول أنها لا يفترض أن تكون أسساً لتفاؤل العربي أو الفلسطيني، فتفاهمات بوش وشارون لا تعني إلا ضم القدس وكتل استيطانية لإسرائيل وإلغاء حق العودة في إطار الحل الدائم. وبدل أن يجد العرب الأسس والعناصر اللازمة لتفاؤل عربي حقيقي من نوع إصلاح البيت الداخلي والإصرار على الحق الفلسطيني والتنسيق العربي والفلسطيني في مواجهة سياسة شارون وتحريضه في الخطاب نفسه على سورية وعلى المقاومة الفلسطينية وإصراره على ضم أكبر جزء ممكن من المناطق المحتلة لإسرائيل، ينجر بعض العرب والفلسطينيون وراء غطاء تفاؤلي زائف للاستبشار بإنجازات إسرائيلية يفترض أن تكون سبباً للقلق لو كان هنالك موقف، بل زاوية نظر عربية وفلسطينية.

 

وطبعاً، يمكن أن يعزي البعض أنفسهم أو يسوغون المهمة بالقول أن فك الارتباط الإسرائيلي هو جزء من خريطة الطريق، ومن هنا يجوز الانضمام إليها. هذا المسوغ هو في الواقع خداع للذات. فصاحب خريطة الطريق قد فسرها برسالة منه إلى شارون يطرح فيها تصوره لنهايتها. وكما يعلم صناع القرار العرب لا تحتوي الخطة على تصور للحل الدائم. والتصور الوحيد المتوافر هو التصور الأميركي في رسالة الضمانات من بوش إلى شارون. والدلالة الأهم على عقم الحديث عن فك الارتباط الشاروني كجزء من الخريطة لتكون شاهد زور على جواز الانضمام الى تفاؤل شارون هو: أولا، ما ادعته الحكومة الإسرائيلية أخيراً في محكمة إسرائيلية، ففي مسألة نزاع بين مستوطنتين إسرائيليتين واحدة داخل الخط الأخضر والثانية خارجه. حيث ادعت المستوطنة الواقعة داخل الخط الأخضر أن مستوطنة "ألفي منشي" توسع نفوذها على حسابها ببناء حي يقع على بعد كيلومترين منها، وهو في الواقع مستوطنة جديدة، ولكنه يسمى حياً، وأن بناؤه يخالف خريطة الطريق التي ادعت إسرائيل أنها وافقت عليها. بالمقابل طرحت الحكومة الإسرائيلية في المحكمة عبر المدعي العام أنها لا تعترف بفاعلية أو نفاذ قانوني لخريطة الطريق!! وثانيا: محاضرة مدير مكتب شارون، دوف فايسغلاس، في المؤتمر نفسه قبل شارون بيوم واحد، والتي قال فيها أن الخريطة لا تتضمن تصوراً لحل دائم بل هي دليل ومرشد لمراحل التفاوض لا أكثر ولا أقل. حسناً فليعتبر العرب فك الارتباط في قطاع غزة جزء منها... هذا لا يضير إسرائيل.

 

قد يتساءل البعض مستغرباً كلامنا: ولكن الدولة الفلسطينية... ماذا بالنسبة الى الدولة الفلسطينية؟ وله نقول أن شارون وافق عليها قبل أن تعلن خريطة الطريق... دولة فلسطينية لغرض الانفصال الديموغرافي، دولة فلسطينية على أصغر رقعة ممكنة من الأرض بأكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين، دولة بنفس منطق خطة ألون التاريخية، وبنفس منطق الأوتونوميا من مرحلة مناحم بيغن. وأكثر من ذلك هو يعتبر وجودها شرطاً لاستمرار التفاوض على الحل الدائم... شرط؟ نعم شرط. كانت الدولة في التصور الإسرائيلي منذ رابين جزءاً من الحل الدائم في أفضل الحالات. ولكنها تحولت إلى مطلب إسرائيلي في عهد شارون، ويمكن أن تقوم قبل الحل الدائم، وفي الواقع بدلاً منه. فبرأي شارون يجب أن تقوم الدولة في إطار مرحلة انتقالية طويلة المدى. ويجب أن تقوم، هذه ضرورة بالنسبة لشارون. دولة على أربعين في المئة من الأرض، أو أكثر قليلاً، كمرحلة انتقالية. الأمر الأساسي هو أن تتم المفاوضات على الحل الدائم بعد مرحلة طويلة مع دولة قائمة أثبتت نفسها كدولة، بمعنى احتكار العنف، وبمعنى ترتيب أوضاعها القانونية والاجتماعية. وتفاوض هذه الدولة إسرائيل من دون عجلة إلى ما لا نهاية حول الحل الدائم في صراع يتحول في الواقع إلى صراع حدود على أراض متنازع عليها بين دولتين. أي حل مسألة الحدود بين دولتين. لا قضية وطنية، ولا حق عودة ولا يحزنون. علام تتفاوض الدول؟ ما الممكن أن يكون عالقاً بين دولتين؟ مسائل حدودية، وبالتأكيد ليس مسائل تحرر وطني. طبعا سيكون من حق الدولة الفلسطينية المقامة على غزة وجزء من الضفة أن تمنح الاجئين الفلسطينيين جواز سفر إذا شاءت، أو أن تسمح للاجئين بالعودة الى حدودها هي. فهذا حقها الذي لن يتدخل به شارون بكرمه أو ربما يعارض ثم يتنازل مرة أخرى «تنازلاً مؤلماً».

 

هذا هو مفهوم شارون للدولة، إنها بديل عن القدس وحق العودة وبديل عن الأرض أيضا، ولا يناقضه في فهمه هذا حرف واحد في خريطة الطريق. وهذا هو الفرق بين التفاوض مع حركة تحرر وطني والتفاوض مع دولة. تفضل إسرائيل أن تتفاوض على الحل الدائم مع دولة وليس مع حركة تحرر وطني. هنالك عشرات الدول التي تعيش صراعات حدودية. وهي شأن غير ملح عموماً خلافا للمسألة الوطنية. وهذه ما قد يحصل إذا قبل الفلسطينيون دولة خارج إطار الحل الدائم والشامل والعادل، فقد تتحول هي إلى الحل الدائم.