تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

آخر الليل أحلكه

2002-05-13

لا يمكن التعامل مع التحرك السياسي الاسرائيلي الأخير بما في ذلك استخدام وساطة الاتحاد الأوروبي لدعوة قيادات فلسطينية الى الاجتماع بشمعون بيريز، وإعلان شارون عن تنازله عن شرط الأيام السبعة من الهدوء، لا يمكن التعامل مع هذه الا كخدع سياسية وتضليل وذرّ للرماد في العيون. فالعملية السياسية الأساسية الجارية هي محاولة ضرب الحركة الوطنية بواسطة التنكيل بالشعب الفلسطيني بمجمله، اضافة الى تمشيط جيل كامل من الشباب والرجال بحثاً عمن قد يحملون خيار المقاومة.

 

لا يعمل شارون بناء على خطة بوليسية للتفتيش عن مطلوبين كما يدّعي. فما يواجه المجتمع الفلسطيني هو عملية عسكرية ثقيلة بالدبابات والدروع وليس عملية كوماندو خاطفة. وقد اختبأ من يُفترض به ان يختبئ؛ وشارون ورئيس أركانه يعرفان ذلك. هذه عملية عسكرية لاستعادة هيبة الجيش الاسرائيلي الذي يثبت من هو سيد المكان بقذائف الدبابات تطلق على من يطل من شباك بيته لرؤية ما يحدث، وبركل ودفع الشباب يجمعون في ساحات المدن وتعصيب عيونهم.

 

ما يقوم به جيش موفاز وشارون هو عملية عسكرية شاملة لقصم ظهر المقاومة الفلسطينية بمحاصرة الجيل القادر على حملها في المخيمات والمدن. ولا يمكن فصل هذه العملية العسكرية عن التحرك السياسي الاسرائيلي الأميركي.

 

وكما أن زيارة زيني لأغراض التسوية هي زينة زيارة تشيني لشن الحرب على العراق (زيني هو زينة أو زيني بالفلسطينية العامة) فكذلك لقاءات بيريز هي زينة العمليات العسكرية. وقد حدد لهذه الأخيرة هدف سياسي وليس هدفا نفسيا فقط، وهدفها السياسي هو التمهيد لمفاوضات وقف اطلاق النار، ثم مفاوضات سياسية بالشروط الاسرائيلية. ولكي يكون بالإمكان فرض الشروط الاسرائيلية والأجواء الاسرائيلية والمزاج الاسرائيلي لا بد من ضرب المجتمع الفلسطيني والتنكيل بالقواعد البشرية لمن يستطيع ان يقول لا لهذه الشروط.

 

لقد أخطأ من الفلسطينيين من اجتمع ببيريز ابان هذه الحملة، وباعتقادي أن على العرب ألا يستقبلوا زيني، أو أن يستقبلوه بشروط، فما يجري ليس خافياً عليه ولا على أحد: اسرائيل “تحارب الارهاب” كأنه لا توجد مفاوضات، والعرب يفاوضون كأن الجيش الاسرائيلي لم يقلب غرف نوم الفلسطينيين الى ساحة مواجهة، وكأن الجيش الاسرائيلي لا يقصف سيارات الاسعاف، وكأن الجيش الاسرائيلي لا يقتل الأسرى.

 

في مثل هذه الظروف يعتبر “السماح” أو “عدم السماح” لياسر عرفات بالمشاركة في مؤتمر القمة العربي قضية ثانوية. وهي قضية ثانوية لأنها لا ترتبط بتطور الأحداث على الأرض الفلسطينية. وكما أن الدبابات الاسرائيلية تجتاح رام الله ما عدا منطقة مكاتب الرئيس ياسر عرفات، كذلك لا علاقة “لمنح” الزعيم الفلسطيني بوقاحة اسرائيلية حرية الحركة في الضفة والقطاع باحتلال كل ما يحيط بمكتبه في الوقت ذاته. ماذا يعني “منح” الرئيس الفلسطيني حق حضور القمة العربية في مثل هذه الظروف؟ انه يعني حالة سياسية مستمرة بغض النظر عن تقلبات الواقع السياسي، وبالتالي ليست ذات علاقة به وبما هو مهم، مثل لقاء شمعون بيريز، كما يعني منح “القوى المعتدلة” في القمة العربية انجازاً يوفر عليها ضرورة البحث عن انجازات أخرى ملموسة، كما يغني عن بحث جدي في كيفية دعم خيار المقاومة.

 

ان تصريحات شارون الوقحة حول حرية الحركة للرئيس الفلسطيني في ظروف تتحرك فيها قوات الاحتلال فقط بحرية هي تجسيد لمحاولة اسرائيل وضع القيادة الفلسطينية خارج الزمان والمكان، وهذا توضيح اسرائيلي لأهمية السلطة والقيادة الفلسطينية في هذه الظروف وبيد القيادة الفلسطينية الأدوات ان توضح عكس ما تحاول ان توضحه القيادة الاسرائيلية، وهي ليست بحاجة لحرية حركة على أرض وطنها ممنوحة من محتل غاصب يجمع الشباب في الساحات.

 

وبعد أن تنتهي اسرائيل من حراثة وتمشيط الأرض الفلسطينية والتنكيل بجيل المقاومة الفلسطينية، سوف ترحب اسرائيل بمفاوضات وقف اطلاق النار، وقد تسمح للرئيس الفلسطيني بالسفر الى القمة وسوف تجد من العرب من يعرض ذلك ك”انجازات” سياسية. هكذا تسوّق نتائج الحملة العسكرية الاسرائيلية، كأنها انتصار، وكأن السؤال بأي شروط. وعلى هذا السؤال تجيب حملته العسكرية الجبانة ضد المخيمات والمدن الفلسطينية: مرحى لفاتح قرية، مرحى لسفاح الطفولة..

 

وبعد فضح السياسات اللاحقة للحملات العسكرية لا يوجد جواب آخر على محاولة شارون الأخيرة والبائسة هذه الا تعزيز خيار المقاومة والصمود هذا الخيار هو الكفيل بهزيمة شارون وموفاز. اذا وافق العرب على شروط شارون للعودة للمفاوضات، بعد هذه الحملة فسوف تسعد بذلك أوروبا ورأيها العام وسوف تهنّئ أميركا شارون على نجاحاته. أما اذا عزز العرب خيار المقاومة والصمود وتحدوا جنزير الدبابة الاسرائيلية فسوف تضطر أوروبا الى العودة للتأكيد على ضرورة البحث عن حل سياسي عادل، وسوف تلوم الولايات المتحدة اسرائيل على هذه الورطة وعلى “عدم نجاعة خيار الحرب وحده” وتطلب منها تقصير فترة احتلالها للمدن الفلسطينية.

 

آخر الليل أحلكه، فعلى ماذا يستيقظ العرب على المقاومة والتحدي أم على قبول نتائج الحملة العسكرية؟ آخر الليل أحلكه فعلى ماذا يستيقظ الاسرائيليون على فشل شارون في تركيع الفلسطينيين أم على المطالبة ب”وقف العنف من الطرفين”؟

 

اذا توقف الموضوع على الشعب الفلسطيني فإنه قادر على مواجهة استحقاق فجر تحرره الوطني.