تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

د.عزمي بشارة: المصالحة السعودية-الليبية نِتَاجٌ إيجابِيٌّ لقمة الدوحة

2009-04-13

الدوحة/ عمرو محمد

هل تعتقد أن القمة العربية في الدوحة حققتْ قَدْرًا من التوافق بين الدول العربية، في ظل التوتر الذي يشهده العالم العربي؟

أعتقد أن القمة العربية في الدوحة، توصَّلَتْ إلى قَدْرٍ من الاتفاق، بما يمكن أنْ يقودَ إلى وَحْدَةٍ عربية، بالشكل الذي يمكن معه مواجهة التكتلات الدولية ، والرغبة في إقامة مشاريع وطنية حقيقية بالعالم العربي، مثل المشاريع التركية والإيرانية، وتَحَوُّل الصين إلى دولة حقيقية، بالإضافة إلى التَّقَدُّم الذي وصلت إليه كلٌّ من الهند والصين والبرازيل.

ومن هنا، فإن قمة الدوحة استطاعَتْ أنْ تُحَقِّقَ قدرًا من مستوى المصالحة، كما حدث الحال في المصالحة السعودية – الليبية، وهو ما يمكن أن يكون مستوى متقدمًا من مسيرة العمل العربي- العربي ، ولذلك تُعْتَبَرُ من أفضل القمم العربية التي انعقدتْ في السنوات الأخيرة، وخاصةً من حيث الحضور والتمثيل السياسي للدول العربية.

وكيف يمكن للوحدة العربية أن تتحقق في ظل حالة الانقسام العربي الواضح قبل وأثناء انعقاد القمة؟

بالفعل، وحدة الصف لا يمكن لها أن تتحقق في قمةٍ واحدةٍ أو قِمَّتَيْنِ، ما لم يتغير التوجه العربي، وتتغيّر طريقة التعامل البَيْنِيَّة بين الدول العربية، بحيث لا يصبح العرب دول "مماليك "، وليكون للدول العربية أدوارٌ حقيقية، تُعَبِّرُ عن تطلعات شعوبها .
ولكنّ أَضْعَفَ الإيمان هو الحفاظُ على هذه العلاقة "الواهية" من الحد الأدنى الذي يُحَافِظُ على الوجود العربي، ويُؤَكِّدُ في الوقت نفسه أن هناك أمةً عربية.

وهل تعتقد أن مستوى التمثيل في القمة العربية بالدوحة كان على المستوى المطلوب؟

نعم .. المشهد العام من مستوى تمثيل الزعماء في قمة الدوحة كان واضحًا، ومَنْ تخلف عن الحضور تَخَلَّفَ لسببٍ اضطراريٍّ، إلا أنّ الغائب الذي لفت الانتباه في ضعف تَمْثِيلِهِ هو مِصْرُ، ولكنّ مصر كانت حاضرة، والذي غاب هو شخص الرئيس، وليس مصر الدولة.

وبتقديرك، إلام تُرْجِعُ ضعف التمثيل المصري في القمة، على الرغم من الاستحقاقات التي ينبغي أن تكون مطلوبةً من مصر؟

ضعف التمثيل المصري في القمة أمرٌ يَخُصُّ مصر وحدها، وليستْ له علاقةٌ مُطْلَقًا بالدول العربية، خاصةً وأن قمة الدوحة هي قمة عربية، وليست قمةً قطرية – مصريةً، فضلًا عن أن هذا التمثيل يُحْرِجُ الذاتَ المصريةَ بالدرجة الأولى .

وغياب التمثيل الرئاسي المصري عن القمة يُعِيدُ إلى الأذهان ما كانت تتعرض له مصر في السابق من مقاطعة عربية، وذلك على مدار عَقْدٍ كامل.

وحقيقةً، أندهش من ضعف مستوى التمثيل المصري في قمة الدوحة، خاصةً في هذا التوقيت، على الرغم من أن مصر كانت بحاجة إلى تأكيد دَوْرِهَا وتعزِيزِهِ ، بعد الضعف الذي ظهر عليه هذا الدور أخيرًا ، وخاصةً في الحرب الإسرائيلية التي تعرضت لها غزة.

وما كان ينبغي لمصر أن تتعامل مع القمة على أنها قمة مصرية ثنائية مع أي دولة عربية بعينها، فهي على المستوى العام قِمَّةٌ عَرَبِيَّة .

هل تقصد أن مصر كانت لها شروطٌ تَوَدُّ فَرْضَهَا على القمة ، ولذلك ظهر تمثيلُها ضعيفًا؟

بالفعل .. ولكن ليس من الضروري أن تفرض أيُّ دولةٍ شروطَهَا على الدولة الْمُضِيفة لتشارك في القمة، فالقمة ليست ثنائية، وليس من الضروري أيضًا أن تفرض شروطَهَا على غيرها من الدول، فينبغي أن تكون القمةُ لقاًء لتجميع الدول العربية.

وأتساءل: إذا كان الضعف المصري على مستوى التمثيل بهذا الشكل، فَمَنِ الدولة التي تقاطعها مصر لكي تُشَارِكَ فيها بتمثيل غير رئاسي، وتُوَجِّهَ لها رسالةً بضعف التمثيل، على الرغم من التأكيد المصري وحرصه على تحقيق وحدة الصف؟!

وأعتقد أن مصر هي التي كانت بحاجة إلى المشاركة بتمثيل رئاسي في ظل ظروف السودان وغزة الحالية ، وحاجةُ القاهرة ذاتها إلى الجلوس مع الدول العربية، إلا أن همومها الداخلية هي التي شَغَلَتْهَا عن القيام بذلك، خاصةً وأن السودان وغزة يُمَثِّلَان لها أمنًا قوميًّا بالدرجة الأولى، ولذلك فينبغي لها أن تكون حاضرة في مثل هذه المؤتمرات الجماعية ، وفي ظل طرح مَوْضُوعَيِ السودان وغزة على جدول أعمال القمة.

تقييم الخطاب العربي

في إشارتك إلى ضرورة عدم تعامل الدول العربية مع القمم العربية على أنها قمم ثنائية، هل يعتبر ذلك تحوُّلًا في الخطاب العربي المشترك؟

من المهم فعلا أن تتعامل الدول العربية مع بعضها البعض كمجموعةٍ من الدول العربية، وليستْ كأنظمة سياسية، ولذلك من الأهمية بمكان تنحيةُ الخلافات العربية البَيْنِيَّة جانبًا؛ للخروج بنتائج إيجابية .

ويبدو لي أن الأنظمة العربية لو تَصَرَّفَتْ كدولٍ، وليس حتى كشعوب، فإنها يُمْكِنُ أن تُعَبِّرَ عن تطلعات المواطن العربي كحَدٍّ أدنى للطموح العربي، خاصةً في الوقت الحالي، في ظل صدور أَمْرٍ باعتقالِ رئيس دولة عربية ، ورئيس آخر سبق إعدامه قبل سنوات!

كل ذلك ينبغي أن يكون دافعًا لتجميع كلمة الدول العربية، خاصَّةً وأن سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا" فشلتْ، واندثرتْ بالفعل، وأَفْشَلَهَا العرب بذاتهم ، عندما اندلعت المقاومة في فلسطين ولبنان، فأفشلتْ هذه الشعارات.

وبالمؤكد أنه إذا كان هناك جَهْدٌ عَرَبِيّ حقيقيٌّ لسماع الدور العربي تجاه إيران ، وتَبَنِّي موقف عروبي معها، وليس ضِدَّها كقوة جارة، فإن ذلك يمكن أن يُشَكِّلَ موقفًا عَرَبِيًّا إيرانِيًّا في مواجهة التحديات الدولية.

ظَهَر قُبَيْلَ انعقاد القمة بعضُ الدعوات الراميةِ إلى إنشاء اتحاد عربيّ، على غرار الاتحاد الأفريقي، وهو الْمَطْلَبُ اليمنيُّ الذي قدمته صنعاء إلى جدول أعمال القمة.

برأيك هل يمكن أن يتحقق هذا المطلب، ولو لاحقا، على الرغم من عدم إدراجِ البيان الختامي له؟

هذا حُلُمٌ عَرَبِيٌّ كبير، وهذا الطريق لن يتحَقَّقَ إلا بالديمقراطية عبر اتحادِ دولٍّ عَرَبِيٍّ طَوْعِيّ، بحيث تفرض الشعوب ذلك عبر انتخاب مُمَثِّلِيها.

ولكن من المهم أن تكون هناك خطواتٌ إيجابِيَّةٌ لتحقيق ذلك، بإلغاء التأشيرات بين الدول العربية، وتوحيدِ سياسة التعليم العالي، وتوحيد مناهج الدراسة، وهو ما يُمْكِنُ أن يبني وَحْدَةً عربيَّةً على المستوى البعيد.