تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بشارة: النضال المسلح ليس مفضلا لدى عرب 48

2009-03-08

في الجزء الثاني من الحوار المفتوح مع جمهور إسلام أونلاين

حاوره: مطيع الله تائب

شدد المفكر الفلسطيني البارز الدكتور عزمي بشارة، في الجزء الثاني من حواره المفتوح مع قراء شبكة "إسلام أون لاين.نت"، على أن النضال المسلح لم يصبح بعد خيارا شعبيا لدى الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، معتبرا أن معركتهم الرئيسية هي مواجهة الأسرلة والحفاظ على الهوية الوطنية والقومية.

كما رأى د. بشارة أن إسرائيل يجب أن تدفع ثمن الادعاء بأنها ديمقراطية، لافتا إلى أن مشاركة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يتزعمه، في انتخابات الكنيست في إطار خطاب وطني يرفض الصهيونية، ويعتبر يهودية الدولة عائقا أمام المساواة "شكل مشكلة كبيرة لإسرائيل، تجد صعوبة في هضمها".

التعامل مع فلسطينيي 48 ككتلة واحدة اعتبره "بشارة" أمرًا محبطًا لعزيمة القوى الوطنية في الداخل؛ لأنه لا يميز بينها وبين "من يسارع إلى استنكار أي عملية مقاومة؛ لغرض إثارة إعجاب الإسرائيليين".

وتحفظ على الاقتراح الخاص بتخلي فلسطينيي 48 عن الجنسية الإسرائيلية، موضحًا أن ذلك أمر "غير واقعي ولن يحدث ولن يقتنع به أحد"؛ لأن العربي الذي يتخلى عن الجنسية يصبح مثل أي سائح عليه أن يغادر البلد.

وإلى تفاصيل الجزء الثاني من الحوار:

- بالنسبة لفلسطينيي الخط الأخضر، ما هو سقف دعمهم لأهلهم في الضفة وغزة؟

لا أفهم هذه الأسئلة التي تشربت اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية الضفة وغزة. ماذا بالنسبة لدعم الفلسطينيين في مخيمات لبنان مثلا؟ وفي العراق؟ وماذا بالنسبة لدعم فلسطينيي 48 أنفسهم، بحيث ندعم القوى الوطنية بينهم والقوى التي تحاول الحفاظ على الهوية الوطنية في ظروف إسرائيلية؟ فظروفهم إسرائيلية فعلا من كوب الحليب الذي تنتجه شركة "تنوفا" وحتى التعليم الجامعي والوظيفة، كلها إسرائيلية، أليس الحفاظ على الهوية الوطنية في هذه الظروف تحديا، أليس النضال ضد الأسرلة تحديا كبيرا يحتاج إلى دعم؟

يجب أن ندع جانبا التفكير الذي يجعل من عرب الخارج متضامنين مع الداخل، والداخل متضامن مع الضفة وغزة، والضفة متضامنة مع غزة. هذا النوع من التفكير يقزِّم القضية الفلسطينية، بينما هي تشمل الجميع.

التعامل مع عرب الداخل على أنهم إما جميعا إسرائيليون لا فائدة منهم، أو كلهم جيش احتياط للتضامن مع الضفة وغزة، هو تعامل خاطئ، لا يدخل إلى عمق الأمور ويخلط الحابل بالنابل، ويحبط عزيمة القوى الوطنية فعلا في الداخل؛ لأنه لا يحسن التمييز بينها وبين غيرها.

فما الفائدة من صراع طويل يدفع المرء ثمنه عشرات المرات (إن كان ذلك ضد نهج التسوية غير العادلة، وإن كان ذلك ضد القوى الإسرائيلية والعربية في الداخل، التي تؤيد أي تسوية ولو كانت غير عادلة، أو تعتبر المساواة مسألة اندماج) إذا كان هذا كله سوف يرمي في سلة واحدة تحت أسماء مثل "أعضاء الكنيست العرب" أو "العرب في إسرائيل" أو "عرب إسرائيل".

هنالك بين القوى العربية في الداخل مثلا من يؤيد نهج التسوية منذ أوسلو (1993) حتى اليوم، ومنهم من يؤيد المقاومة ويتمسك بمبادئ العدالة.. منهم من لا يرى ضيرا في الجلوس  في لجنة الخارجية والأمن وحتى في الحكومة، ومنهم من يضع حدودا لا يتجاوزها لكي يبقى هنالك حاجز نفسي وثقافي مع المؤسسة الإسرائيلية.. منهم من يتضامن مع المقاومة ويدفع ثمن ذلك، ومنهم من يسارع لاستنكار أي عملية مقاومة لغرض إثارة إعجاب الإسرائيليين، منهم من يقول بالعبرية شيئا وبالعربية شيئا آخر، فيبدو معتدلا بالعبرية ومزايدا بالعربية...

وبالمجمل معركة عرب الداخل للحفاظ على هويتهم الوطنية والقومية تشمل تفاعلا مع النضال ضد احتلال عام 1967، وضد سياسات إسرائيل العدوانية التوسعية، أما النقاش حول رفع السقف فهو نقاش قائم ومستمر.

خيار غير جماهيري

- ما مدى إمكانية تأسيس مقاومة مسلحة في أراضي 48 ما دام قد تبين أن العدو لا يعرف سوى القوة؟

التجربة تثبت أنها لم تنجح، فحتى عام 1967 كانت هنالك محاولات معدودة ذات علاقة بدول عربية، كالجمهورية العربية المتحدة (مصر سوريا)، وانتهى الناشطون إلى السجن أو المنفى بتهم شبكات تجسس، وبعد هذا العام انتشر التأثر بفصائل المقاومة الفلسطينية، مثل فتح والشعبية، وغيرها، وخاصة في فترات المد الشعبي كما في الانتفاضات الفلسطينية، وقد دخل مئات الشباب الفلسطيني من الداخل السجن بتهم أمنية، وبعضهم ما زال يمضي عقوبة منذ أكثر من عشرين عاما.

ولكن هذا الخيار لم يصبح شعبيا جماهيريا؛ لأسباب عديدة متعلقة بطبيعة ظروف عرب الداخل، وأيضا الخيار العام للعمل السياسي الشعبي الجماهيري، وفيه الانتخابات البرلمانية. فمن الخيارات السياسية ما جاء على وزن "مرغم أخوك لا بطل"، ومنه ما تطور نتيجة لدينامكية توفر منزلة مواطن ومواطنة وأفق حقوقي للعمل.

علينا أن نتذكر أن الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة بشكلها المنظم في منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) لم تنطلق من الأرض المحتلة عام 48، بل من أوساط اللاجئين في الكويت ولبنان وسوريا وغزة، وأن عرب الداخل كانوا عام 1949 عبارة عن بقايا المجتمع الفلسطيني، 150 ألف نسمة محاصرين وخائفين داخل حدود عداء وحرب بين الدول العربية وإسرائيل، وضعهم السياسي اتخذ بداية شكل مسايرة دولة الاحتلال، ثم انتقل إلى آفاق عمل سياسي في إطار المواطنة وضد الحكم العسكري.

لقد تعاملت الدولة بقسوة وبشدة مع مظاهر المعارضة الوطنية، فجرى مثلا حل "حركة الأرض"، لقد منع العرب من إقامة أحزاب، وإلى أن سمح للعرب بإقامة أحزاب في بداية ثمانينيات القرن الماضي كان الحزب الوحيد الذي تمكن من العمل في أوساط العرب هو الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ضم في صفوفه عربا ومنهم عرب وطنيون، وقد مثل بالمجمل الموقف السوفيتي، ولكنه كان حزبا إسرائيليا كاسمه يفاخر بأنه حزب الأممية البروليتارية والوطنية الإسرائيلية.

"لهذا دخلت الكنيست.."

- ما هو تبريرك لمن يسأل عن السنوات التي أمضيتها في الكنيست كعضو؟ كيف استطعت فعل ذلك؟ وماذا حققت؟

لا أبرر، ولست بحاجة لأن أبرر.. لقد انتخبت كنائب أربع مرات متتالية، ويمكنني أن اعتبر هذه التجربة خلفي الآن، كان الثمن النفسي مرتفعا جدا، والتوتر عاليا وكذلك درجة التحريض المستمر على موقف مثل جديدا في المضمون والأسلوب. وانتهت التجربة الشخصية إلى ما انتهت إليه، ولم يحن الوقت بعد لتلخيصها.

لم يكن قرار خوض الانتخابات فرديا، بل قرار حزب، وهنالك مسئولية تجاه من يمثلون نفس التيار في الكنيست حاليا، وما دام السؤال مطروحا فلا بأس أن ألخص للقارئ الذي وجه السؤال دوافع التجمع الوطني الديمقراطي الذي وحد الحركة الوطنية في حينه، ولماذا قرر أخيرا خوض الانتخابات عام 1996، وطبعا كان قسم كبير من أعضائه حتى ذلك الحين يقاطع الانتخابات أو لا يشارك فيها، فالقرار كان حزبيا لحركة أقيمت حديثا، ولم يكن قرار شخصيا:

أ‌.- كانت الحركة الوطنية في الماضي تحاول خوض الانتخابات، وكانت إسرائيل تمنعها، وحركة الأرض في بداية ستينيات القرن الماضي هي مثال على ذلك، وإذا كانت إسرائيل تروج مدعية أنها دولة ديمقراطية فمن حيث المبدأ يجب المحاولة، ويجب أن تدفع إسرائيل ثمن الادعاء أنها ديمقراطية أو لتقم هي بمنع التجمع من خوض الانتخابات، لا يمكنك المقاطعة والادعاء أن هذا حق غير قائم، فسيأتيك الجواب: إن الحق قائم وأنك ترفض استخدامه.

ب‌. بعد اتفاقيات أوسلو بدا أن عملية الأسرلة تهيمن على أوساط واسعة من العرب، والمقصود بالأسرلة هو تحول عرب الداخل إلى هوية إسرائيلية ونصف عربية بقبول فكرة الاندماج في دولة تعتبر دولة اليهود، باعتبار أن الشعب الفلسطيني عبر (م. ت. ف) بات يعترف بإسرائيل ويفاوض من أجل قضيته في الضفة وغزة، وما على العرب في الداخل إلا أن يهتموا بشئونهم كـ"إسرائيليين".

كان علينا مواجهة هذه الثقافة الجارفة، لقد استشعرت الحركة خطرا كبيرا في هذا الواقع، ولكن توحيد الحركة الوطنية في تلك الفترة والتحول إلى حركة جماهيرية واسعة ترفض الأسرلة يجري من خلال فرض الخطاب السياسي المتمسك بالعروبة والثوابت (برغم موافقة قيادة م. ت. ف. على أوسلو) وذلك عبر التنافس، "فالمزايدة الانتخابية" تفرض هذا الخطاب على القوى العربية الأخرى المؤيدة لأوسلو والضالعة في الأسرلة وذلك لغرض التنافس.

ت‌. لا يمكن لأي حركة وطنية أن تتحول إلى حركة جماهيرية واسعة في ظروف المواطنة الإسرائيلية دون أن تتعامل مع قضايا الناس، ويجري التعامل مع هذه القضايا في إطار النظام السياسي والحقوقي الإسرائيلي ضمن إطار برلماني وبلديات وغيرها، ويكمن التحدي في ربطها مع القضايا السياسية والتحدي الوطني والقومي. حياة الناس اليومية تفرض عليهم التعامل مع هذه القضايا، وإن لم تمثلها في ذلك القوى الوطنية فسوف تمثلها القوى العربية الانتهازية أو القوى الصهيونية.

ث‌. يكمن التحدي في طرح هذه القضايا في إطار خطاب وطني يرفض الصهيونية ويعتبر يهودية الدولة عائقا أمام المساواة؛ وبالتالي تدخل هذه المطالب في تناقض مع طبيعة الدولة، لقد شكل ذلك وما زال يشكل مشكلة كبيرة لإسرائيل، وهي التي تجد صعوبة في هضمها وليس نحن؛ ولذلك حاولت المؤسسة الحاكمة عموما ليس منع التجمع من خوض الانتخابات فحسب، بل أيضا فرض قيود جديدة بسن قوانين جديدة تقيد العمل السياسي والتواصل مع العالم العربي.

ج‌. لا شك أن التناقض ليس فقط من طرف واحد، وإذا دخل قومي عربي ديمقراطي الكنيست فلا بد أن يجد نفسه في تناقضات، والتناقضات تؤدي إلى معاناة، هناك عدد كبير من النواب العرب الذين يرون في النيابة تشريفا كبيرا، ومجالا للاندماج، وهم مرتاحون لوجودهم في البرلمان وقد يفعل بعضهم أي شيء للوصول إلى هناك... ولكن هنالك من ناحية أخرى من يعتبر وجوده ثمنا يدفعه، وطبعا هنالك أمور لا بد من القيام بها، ولكن نحن وضعنا خطوطا حمراء وميزانا بين ما يضطر النائب لفعله مثل القسم، وبين الخطوات الطوعية التي تزيل الحاجز النفسي تماما والنائب ليس مضطرا أن يقوم بها.

فنواب التجمع كما لاحظتم مؤخرا لم يقفوا للنشيد الوطني الإسرائيلي في جلسة الافتتاح، رغم الغضب الذي أثاره موقفهم، ويرفضون المشاركة في لجنة الخارجية والأمن، ولا يشاركون في طقوس ومراسيم، فهم هنالك في مهمة سياسية وطنية وليس للاحتفال.

ح‌.  لقد فرض التجمع خطابه السياسي فيما يتعلق ببنية إسرائيل العنصرية وعلاقة عرب الداخل بهذه البنية وبالشعب الفلسطيني، وأصبح هذا الخطاب موضوع النقاش المحوري في الداخل، والمشروع السياسي المتكامل الوحيد المطروح بعبارات مثل المساواة تعني أن تكون الدولة لجميع المواطنين، العرب في الداخل جماعة قومية هي جزء من الأمة العربية والشعب الفلسطيني، ولهم حقوق جماعية وليس فقط فردية، سكان البلاد الأصليون لا يقايضون الحقوق بالواجبات أو نحن وطنيون فلسطينيون ولسنا وطنيين إسرائيليين، وهكذا.

كما أنه طرح النضال المطلبي في إطار وطني لا تناقض فيه بين المواقف والهوية الوطنية وبين المطالب المدنية الطابع، ولا مجال لتعداد الإنجازات في هذا السياق لكثرتها وليس لقلتها: من سن القوانين التي تؤكد حقوقا مدنية للعرب، ومعالجة قضايا مواطنين، وإمكانية معالجة القضايا المطلبية بشكل مهني دون التنازل عن الكرامة الوطنية، وطرح خطاب سياسي يمثل حقوق الشعب الفلسطيني.. وإلى ما أصبح مسلما به من ناحية الهوية مثل إحياء ذكرى النكبة، وغيرها.

خ‌. طبعا هنالك ثمن يدفع لهذا كله... من هجوم اليمين واليسار الصهيوني وتحريضهما المستمر على هذا التيار، وحتى تسابق القوى العربية التقليدية لوأد هذا الخط الجديد الذي غير الصورة تماما، فقد خاض نواب التجمع الانتخابات في غيابي لأول مرة مؤخرا (الشهر الماضي) في حالة حصار شامل من قبل اليسار واليمين الصهيوني، في حين كانت الأحزاب العربية الأخرى مدعومة من السلطة الفلسطينية.. هنالك ثمن لهذا كله.

د‌. تبقى المقاطعة خيارا قائما، استخدمناه مؤخرا حين تنافس (إيهود) باراك و(إريل) شارون في بداية الانتفاضة الثانية (2000)، كما فكر التجمع باستخدامه لو منع من خوض الانتخابات بدعوة الجماهير إلى عدم التصويت، ولكن يجب أن يدرس في كل حالة.

ذ‌. لا يتعارض هذا الموقف مع كون التجمع هو القوة السياسية التي دعت في ورقة عمل منذ عام 1998 لكي ينتخب المواطنون العرب مباشرة هيئة عربية تمثلهم جماعيا كجماعة قومية في الداخل والخارج، وتجرى محاولات لنشر هذا البرنامج حاليا بالتعاون مع الحركة الإسلامية (التيار الشمالي)، ويحتاج هذا كله إلى فهم الفروق الدقيقة والتفهم والتضامن وليس إلى البحث عن تبرير.

جنسية اضطرارية

-  هناك سؤال افتراضي: ماذا سيحدث لو تخليت عن جنسية "الكيان الصهيوني" وقدت حملة لإقناع العرب في الأراضي المحتلة بالتخلي عن تلك الجنسية التي تسهم -في رأيي- في تكريس شرعية الكيان الصهيوني الغاصب؟

التخلي عن الجنسية من قبل من هو موجود في بلده يعني التخلي عن الإطار الحقوقي الإسرائيلي لوجوده، وهذا أمر غير واقعي ولن يحدث ولن يقتنع به أحد. ثم إن العربي الذي يتخلى عن الجنسية يصبح مثل أي سائح عليه أن يغادر البلد.

انظر ما يحصل لسكان القدس العرب الذين إذا غابوا عن المدينة لفترة محددة يخسرون حق الإقامة فيها بموجب القانون الإسرائيلي الغاصب؛ لأنه ليست لديهم جنسية إسرائيلية بل إقامة. أما في حالتي في المنفى فدعهم هم يسحبون الجنسية إذا شاءوا. التخلي عنها من قبلي سوف يعني التهاون بها بنظر المواطنين العرب، وهذا يعني التهاون بهم وبحقوقهم بعد خروجي، أو كأنه تخلي عن حقي في العودة.

- ما هي نقاط الضعف لدى الكيان الصهيوني التي يمكن للمواطن العربي المساهمة في تكريسها واستثمارها للمساهمة في نصرة أهله بفلسطين؟ وهل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية مفيدة في هذا الشأن؟

لا يمكن للمواطن العربي في إسرائيل أن يقاطع المنتجات الإسرائيلية، فلا يمكن العيش داخل إسرائيل ذاتها والعيش خارج دائرة الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت ذاته. وحتى إذا توجه المرء للبضائع المستوردة بدل الإسرائيلية، فإن المستورد يكون إسرائيليا والضريبة إسرائيلية والبنك إسرائيلي، لا توجد حياة اقتصادية في إسرائيل خارج الاقتصاد الإسرائيلي، ولا بد من ناحية أخرى من تطوير اقتصاد عربي وسوق عربية حتى في الداخل، وذلك دون علاقة بهذه المسألة بالضرورة.

أما إذا كان المقصود هو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في البلدان العربية فهذا أمر طبيعي ومفروغ منه، ويجب أن يكون وجود مثل هذه البضائع في الدول العربية مستغربا. كما أن مقاطعتها من قبل العرب وأصدقائهم الذين يعيشون في الغرب أمر مهم ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن أيضا لتعويد الرأي العام على معاملة إسرائيل كدولة مرفوضة.

في الخارج المقاطعة ضرورية، مقاطعة البضائع والمقاطعة الأكاديمية ومقاطعة الأبحاث والمشاريع المشتركة ورفض التطبيع، ويجب أن تشن حملة عالمية بهذا الاتجاه أيضا. والأهم من هذا كله مقاطعة المفاهيم الإسرائيلية في التعامل مع الصراع، وهي مفاهيم فرضت مؤخرا على الخطاب السياسي العربي وتسربت إليه عبر النخب ووسائل الإعلام التي تترجم بحرية تامة ودون رقابة كل ما ينشره الإعلام الإسرائيلي، وهذه كلها عناصر ضرورية لإعادة إسرائيل إلى حجمها الطبيعي.

وطبعا تنزعج إسرائيل جدا من التعامل معها كنظام فصل عنصري أو ككيان استعماري، وهي ترغب ليس فقط في أن يتم التعامل معها دوليا كدولة عادية، بل ترغب أن يجري التعامل معها كالديمقراطية الوحيدة في المنطقة. لقد ساعد نهج التسوية إسرائيل كثيرا أن تُقبَل كدولة عادية بل مدللة على المستوى العالمي. وذلك ليس فقط في أوروبا والولايات المتحدة. ولذلك ليس لدي شك أن كل ما قيل أعلاه مرتبط بمراجعة نهج التسوية.

- هل تتوقع حربا جديدة يشنها اليمين الإسرائيلي ليحقق الأهداف التي لم تتحقق خلال حرب غزة الأخيرة؟

هذا أمر وارد، وإن كان اليمين وحده أقل قدرة على القيام بما قامت به حكومة الوسط واليسار على الساحة الدولية، وعلى مستوى التفاهم مع أعداء المقاومة من العرب. تلزمه للأمرين، الحرب والتسوية، حكومة أوسع.