تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عزمي بشارة مشخصًا حال الخيار الديمقراطي العربي

عزمي بشارة مشخصًا حال الخيار الديمقراطي العربي
2017-01-27

عزمي بشارة مشخصًا حال الخيار الديمقراطي العربي

كانون الثاني 27, 2017

 

في الذكرى السادسة للثورتين التونسيّة والمصريّة، قدم المفكر العربي عزمي بشارة، محاضرة عامة حملت عنوان "حال الخيار الديمقراطي عربيًا" لطلاب معهد الدوحة للدراسات العليا، والتي حملت مواضيع بحثيّة عديدة من صميم انشغال العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، والذي يستحق كل منها تخصصًا بشكل عيني، بحسب بشارة، إذ ما مرّت به المنطقة العربيّة من منعطفات في الست سنوات الماضية، على حد توصيفه سيحدد بشكل كبير مسار العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في الفترة القادمة، وهو ما جعله يركز على طرح ثلاث خلاصات يمكن للباحثين والأكاديميين والمثقفين الانطلاق منها لفهم طبيعة التغيرات التي مرت بها المنطقة وما تزال.

أولاً: انطلاقاً من حقيقة أن المنطقة العربية لم تربح المعركة الماضية، أو على الأقل لم يكن الخيار الديمقراطي هو المنتصر، يرى بشارة أن ذلك ليس معناه باي حال أن الشباب العربي لم تكن لديه تطلعات ديمقراطية ليبرالية، فعلى الرغم من انحدار سوريا لحرب أهلية، كان المزاج العام للثورات العربية ديمقراطيًا، وكانت مطالب الناس وهتافاتهم وآمالهم وتطلعاتهم تصب كلها في اتجاه الديمقراطية. أرادوا انتخابات حرة ونزيهة وعيش كريم وحرية للتعبير والتنظيم، كل هذه المفردات ترجمتها هي "الديمقراطية الليبرالية".

كما أن فشل الخيار الديمقراطي ليس معناه أن الشعوب العربية ليست مستعدة بعد للديمقراطية، كما يحاول أنصار النظم الديكتاتورية أن يوهموا الناس، الوهم الذي ينمسخ إلى نبوءةٍ سيئة وحقيقةٍ ماثلة في حالة واحدة فقط، هي حالة استمرار الديكتاتور في الحكم؛ لأن الناس لا تصبح ديمقراطية تحت الاستبداد ولو مضى عليها مائة عام، لذلك يبدو هامش الحرية تحت النظم الاستبدادية بمثابة امكانية لميلاد خيار ديمقراطي.

إلى جملة هذه الحقائق يضيف بشارة أن الديمقراطية في بداياتها لم تكن ليبرالية، ففي فرنسا انتجت الديمقراطية اليعاقبة، وفي إيطاليا وألمانيا انتجت الفاشية والنازية، وهي من غير ليبرالية تأتي بالقوى الشعبوية والقادة الديماغوغيين، وحتى الديمقراطية الليبرالية نفسها في أمريكا جلبت أخيرًا للحكم رئيس غير ليبرالي، لأنها كانت ولا تزال منقوصة وعرضة للتطوير والإصلاح، وهذا ما جعل الغرب يحتاج إلى قرن ونصف ليبني ديمقراطيات راسخة. إذاً فالمعضلة بحسب بشارة ليست في الاستثناء العربي أو غيره من بروباغاندا النظم الاستبدادية، المعضلة ببساطة يجسدها قدر العرب أنفسهم، ذلك الذي يحتم عليهم أن ينتجوا دفعة واحدة، ما انتجه العالم طوال قرن ونصف.

يرى عزمي بشارة أن ما توافر في تونس من ظروف وملابسات يجب أن يتوافر في البلدان العربية حتى تنتج خياراتها الديمقراطية، ومن الصعوبة بمكان انتاج ديمقراطية من دون هذه الظروف، فمن خلال تجربة تونس تسطع حقيقة لا مِراء حولها، وهي أنه ليس بالضرورة أن تكون ثقافة العموم ديمقراطية، ولكن يجب أن تكون ثقافة قسم كبير من النخبة ديمقراطية، وفوق ذلك أن لا يلجا جزءً من النخبة تدبير أو دعم انقلاب عسكر، أو يعمد إلى الاضرار بالاقتصاد، وأن يكون جزءً كبيراً من هذه النخبة مستعداً لإجراء مساومات مع بقية الأطراف السياسية، ففي تونس وظفت سياسة المساومات بشكل جيد؛ لسنا قادرين على الاتفاق فيما بيننا بشكل كامل، لكن دعنا نعيش مع بعضنا، ومع مرور الوقت سيعتاد الناس على الانتخابات والحكم الديمقراطي، وهو ما يفسر نجاح التجربة في تونس.

يلاحظ الدكتور عزمي بشارة أن تجربة تونس تميزت أيضاً بتجذر الوعي بدور الدولة، فهي حاضرة في التعليم الرسمي، كما وكانت الهوية في تونس متجانسة. بالمقابل في مصر على الرغم من وجود وعي قوي بدور الدولة، وهوية قومية متجانسة، إلا انه توجد مشكلة طائفية أكبر مما يصوره الاعلام، وطموح اقتصادي قوي لدى الجيش. مع ذلك كان الزخم الثوري في مصر وحده كافياً لتحييد الجيش، لكن غفلة النخب المصرية واختلافها هو ما مكن الجيش من اعتلاء السلطة. فقد كانت كل القوى السياسة المصرية التي خلفت الشباب في الميادين واعلت منصاتها، على استعداد للتحالف مع النظام القديم لمنع الطرف الاخر من الوصول للسلطة، ولم تبد تلك القوى أي استعداد للمساومة، فكل قوى الثورة تعاملت مع مسالة الحكم والدولة كأنها صراع حزبي حول انتخابات لاتحادات طلابية ونقابات، لأنها أحزاب غير مدربة ولا تمتلك رؤية لخوض حكم دولي. لذلك انتصرت الثورة المضادة في مصر، لأنها أخطر من النظام القديم وتستخدم نفس أدوات الثورة، ولديها حس انتقامي لاجتثاث أي بادرة ثورية، فهي أشرس من النظام القديم؛ اسواء من مبارك.

القضية الثانية: التي ستشغل العلوم الاجتماعية والإنسانية، على حد وصف الدكتور بشارة هي علاقة الدولة بالمجتمع، أو ما نسمه بالطائفية، وتظهر بالمغرب العربي في حالة جماعات الهويات الفرعية، التي توجد في البلدان التي انشأها الاستعمار، ولم تبلور أنظمتها مشاريع وطنية، فحينما يستنفد النظام الاستبدادي طاقته مخزونه (تحرير فلسطين والقومية العربية والعيش الكريم) يلجأ للاعتماد على هذه الهوية الفرعية للاستمرار في الحكم.

وتمثل حالة الأسد في سوريا هذا النموذج من انحدار الأيديولوجيات ولجؤها للانتماءات الجهوية والقبلية بعد أن انفرط عقد النظام الديكتاتوري وفقد هيبته وشرعيته، وهو ما جعل الأكثرية بأن هذه التي تحكم أقلية (طائفة)، فبدأت الاكثرية في اعتبار نفسها (طائفة) أغلبية محكومة، وهكذا ببساطة تنشا ديناميات توليد الطوائف.

القضية الثالثة: يرى الدكتور عزمي بشارة أنها نابعة من قناعته الشخصية، وهي دمقرطة البدائل ولاسيما التيار الإسلامي؛ فمن الصعب أن يحدث تحول ديمقراطي في المنطقة العربية على المدى القصير بإقصاء الإسلاميين، وكذلك العلمانيين، فيجب ادماجهم جميعاً، إذ لم يثبت طرف منهم أنه أكثر ديمقراطية من الاخر، لكن جزء من هذه التيارات بداء يتحول تحول ديمقراطيا، والاخوان منذ الثمانينات وهم يعالجون مسألة المشاركة في الانتخابات، فدخلوا البرلمانات، وصارت أصوات وسطهم ترى نفسها ديمقراطية.

لكن المشكلة بحسب بشارة هي أن جزءً كبيراً من المجتمع العربي المعاصر، يخشى على حريته ونمط حياته، وليس لديه أدنى رغبة في المخاطرة بتسليم حريته لنظام حكم استبدادي، فالناس تخشى من القوى السياسية التي ترى أن جزءً من برنامجها مصادرة الحريات الشخصية وفرض قيود على المرأة وغيرها من الخصوصيات، لذلك تقتضي الضرورة على الاسلاميين تطمين الناس، بأنهم تركوا الموضوع الاخلاقي للمجال الدعوي، ولن يقوموا بإقحامه في السياسة، لأن ذلك هو مغزى فصل الدعوي عن السياسي. هذا الموضوع يمثل طرف مدخل لدراسات فلسفية جادة، فحال الإنتاج العربي في مجال الخلاق جد محزن، وكان الواجب أن يصير موضوعاً لانشغالٍ فلسفيٍ عربيٍ اصيل، لأنه معضلة مجتمعاتنا العربية، السؤال الأخلاقي الذي انعكس غيابه في الموقف المخزي لنخب عربية عجزت عن استنكار قصف الحاكم لمواطنيه بالطائرات، بل كانت تتسأل عن الضحايا هل هم معنا أم إسلاميين؟ وهو ما شرعن دخول للطرف الاخر المتطرف والغريب عن روح الثورات في سوريا.

الترا صوت