تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ثورتا تونس ومصر شكّلتا وعياً ديمقراطياً عربياً

2011-05-10

في افتتاح مؤتمر الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي: من خلال الثورة التونسية، قال د. عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في مداخلة عنوانها "العربي والتونسي في الثورة التونسية": إنّ الحالة التونسية تمثّل حالة مخبرية لفهم تطوّرات الأحداث في الوطن العربي، وفهم أسباب قيام الثورات في الوطن العربي رغم صعوبة التأريخ لأحداث مرّ عليها وقت قصير، موضّحا أن التحليل والفهم النّخبوي والأكاديمي الملقى على عاتق التونسيين في هذه المرحلة، يمكن أن يتمحور حول ضرورة استيعاب التحول الكبير في المنطقة، حيث ساد في بداية الثورة التونسية، اعتقادٌ مغلوط بأنّ ما جرى خصوصية تونسية وليس عربية مردّها نزعة تربط تونس بأوروبا وبتطور المجتمع المدني في ذلك البلد. لكن ما جرى في تونس متّصل موضوعيا بالوطن العربي عموما، وأن هناك  نهاية مرحلة في المنطقة كانت قد تمّت وبدأنا مرحلة جديدة من دون استيضاح عناصرها، ولم يكن هناك تنبّؤ علمي واضح بما سيحدث بعد انسداد الأفق الذي ميز النظم السياسية العربية.

وأكّد بشارة أنّ ما جرى في تونس ومصر ودول عربية أخرى، يدلّ على القاسم المشترَك في الوطن العربي بنشوب الثورات، أمّا الاختلاف فيكمن في التفاصيل الثانوية؛ فحالة تونس توصف بأنها تلك الدولة المركزية الممتدة رغم تغيرات في تطابق تاريخها مع الجغرافيا، والتحديث الذي خضعت له في عهديْ بورقيبة وبن علي، وفصل مؤسسات المجتمع الأهلي عن مؤسسات الدولة الحكومية، ووضوح الأشكال والأدوار، سمح بالفصل بين الدولة ونظام الحكم، خاصّة عندما يتصرف الجيش باعتباره ممثلا للدولة وليس للنظام أو لسلطة الفرد أو للأسرة الحاكمة، وهذه تعدّ خصوصية تونسية بامتياز وفي مصر أيضا، حيث هناك فصل بين الدولة والنظام؛ ما سرّع في إنجاز الإطاحة برأسيْ النظام في البلدين.

لذلك رفض بشارة استنساخ تجربتيْ البلدين في باقي الدول العربية، وقال: "ليس هناك تجانسٌ مجتمعي يسمح بتكرار حالتيْ تونس ومصر، لأنه ليس هناك فصل مؤسّسي واضح في كل دولة عربية". مشيرا إلى أنّ الاعتماد على العصبيات وروابط الدم لضمان الولاءات في الجمهوريات العربية، كان سببه الاستبداد، وأضاف بشارة أنّ صفة أخرى مشتركة بين الأنظمة العربية، تتمثّل في قيام قادة الأمن بأدوار سياسية، وهذه من صفات الانحلال السياسي الذي كان مشتركا بين عدد من الأنظمة العربية، موضِّحا أنّ "ما كان يجري في الظلام بدأ يجري في العلن ويُفاخر به. وقد ترافق ذلك مع فساد علني أصبح يوصف بأنه نجاح". ولفت إلى أنه من الصفات المشتركة بين الأنظمة العربية صعود طبقة رجال أعمال جدد لم يأتوا من رحم الطبقة البرجوازية، بل عبْر التقرب إلى الحاكم والارتباط العضوي به. واسترشد بشارة في ذلك بظاهرة قديمة، فسّرها ابن خلدون بأنها "تحوّل المراءاة إلى جاه والجاه إلى مال".

وقال بشارة: إن المواطن العربي في العقدين الماضيين، وبوجود ظاهرة الفضاءات المفتوحة، تشكّل لديه وعي مشترك يرفض الفساد والتزاوج بين رجال الأعمال والحكم؛ ما وحّد الحالة العربية الرافضة لهذه النُظم. منبها إلى أن عفوية الثورات العربية وشعبيتها بلا قيادة واضحة سببها نشوء ظاهرة تأبيد المعارضة وإضعافها، أي أن القوى المعارضة التقليدية ، بسبب ملاحقتها الأمنية والتضييق وفصلها عن المجتمع، أصبحت جزءًا من النظام الحاكم أو مكمّلا للشكل العام للنظام السياسي. وهذا أثار سؤالا عمّن سيقود التغيير أو من البديل للحاكم الحالي؟ وهذه الحالة كانت في معظم البلدان العربية.

والتشابه بين تونس ومصر في ما بعد الثورة، من ناحية التحول إلى الديمقراطية تدريجيا، يعود إلى أن الثورات لا تقود إلى ديمقراطية جاهزة، مشِيدا بالثورتين ودورهما في تشكيل وعي ديمقراطي سيقرر مصير دول عربية عدة، لأنّ نجاح الديمقراطية في البلدين سيؤثر في عدة دول عربية أخرى وفي توجهات أنظمة عربية قائمة.

وشدد بشارة على أن الاعتصام في الساحات لا يؤدي إلى إسقاط النظام دائماً، محذّراً من استنساخ تجربتيْ مصر وتونس بشكل غير واعٍ؛ ما يؤدي إلى كوارث وخيبات، لأن هناك اختلافات بين البلدان العربية، خاصة في مسألة التجانس، حيث إنّ المشرق العربي متنوّع طائفيا وغير متجانس، والاستعمار كان له دورٌ كبير في تكوين الأقليات، بعكس المغرب العربي الذي يبدو أكثر تجانسا رغم وجود العرب والأمازيغ.

وقال بشارة: إنّ الصدام مع النظام يخلق شرخا في المجتمع إذا ما كان جزءٌ من المجتمع مرتبطاً مصلحيا أو بنيويا مع النظام. وأكّد أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التمايزات داخل كل مجتمع عربي؛ بهدف فهم الثورات العربية وفرص التغيير في كل بلد على حِدة. وأشار إلى أنّ الثورة لا تنقل الشعب - دائما - من الحالة المجازية إلى المادية الفعلية كحالة مصر، كما أن الثورة الشعبية قوّة لا يمكن ردّها كما حصل في تونس ومصر، رافضا اعتبار أنّ ما جرى لاحقا في ليبيا واليمن وسوريا من التخويف بنشوب حرب أهلية سيكون كافياً لإقناع الشّعوب بقبول البقاء تحت ظلّ الحكم الاستبدادي.

وعن الخيارات المطروحة رأى بشارة أنّ أمام الأنظمة العربية خيارين: إمّا أن تبدأ في الإصلاح، أو تجبَر عليه. مشيرا أنّ الحالة الثورية في المشرق العربي لا يمكن أن تقبل في الأنظمة الحالية رغم أنها مهدّدة بالفتنة العشائرية أو الطائفية، واعتبر أنّ البديل الحقيقي في المشرق العربي هو ضرورة الإصلاح وحتميته.