تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مع الزمن

2010-05-23

عزمي بشارة والدولة العربية

د. هتون أجواد الفاسي*
جريدة الرياض


 د.عزمي بشارة مفكر وناشط وكاتب سياسي فلسطيني من عرب 48 من مدينة الناصرة، نائب سابق في برلمان الكيان الصهيوني وكان الأبرز بين الأعضاء العرب في الكنيست. بدأ حياته السياسية والنضالية طالباً ثانوياً في الناصرة من خلال مشاركته في تأسيس اتحاد الطلاب الثانويين العرب، وبعد التحاقه في الجامعة شارك في قيادة الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية لسنوات عدة حتى مغادرته إلى ألمانيا لدراسة الفلسفة. ترشح لمنصب رئاسة الوزراء كتحد للديمقراطية الإسرائيلية، وهو من أبرز المنتقدين لسياسة إسرائيل التي يصفها ب"العنصرية". درس في الجامعة العبرية في القدس ثم في برلين حيث حصل على الدكتوراه من جامعة ومبولون في الفلسفة. عضو في الكنيست من عام 1996 إلى 2007 حيث قدم استقالته على إثر اشتباه في نيةٍ لدى الحكومة الصهيونية لمحاكمته على تهم بالتآمر ضدها فلم يعد إلى فلسطين المحتلة بعدها، ويقيم حالياً في عمان بالأردن. وقد نشر العديد من الكتب بالعربية والعبرية. وهو سياسي وناشط وأكاديمي يعد في مقدمة المفكرين العرب.

كان المتحدث الافتتاحي في ندوة "الدولة العربية: آفاق وإشكالات" التي عقدها قسم الشؤون الدولية في جامعة قطر الأسبوع الماضي. وكانت مداخلته حول الدولة العربية والديمقراطية تحمل تحليلاً عميقاً وتشخيصاً للواقع يحمل في تضاعيفه حلولا شتى تعتمد في النهاية على الفروق الفردية بين كل دولة وأخرى. وقد لخص إشكالية الديمقراطية في العالم العربي بثلاثة مظاهر رئيسة، الأول حلول العشائرية السياسية بكل أشكالها القبلية والحزبية والعرقية والمذهبية منافسة الدولة في الوصول إلى الفرد فتحل محل الدولة في تقديم خدماتها وحمايتها مشوهة مفهوم التعددية مما يؤدي إلى أن يفقد الفرد حريته التي يمكن للدولة الحديثة أن تضمنها له، إلى القبيلة وما يوازيها التي تقدم هذه الحماية مقابل تخلي الإنسان عن فرديته وتحوله إلى متلمس لرضاها بكل الأشكال لحفظ مصالحه وحمايته مما يحول دون تكوّن علاقة الفرد بالمجتمع والدولة كمواطن. فيستعاض عن الديمقراطية بالتوازن بين الجماعات العضوية والطوائف والقبائل ويستعاض عن المواطَنة بالعضوية في جماعة تتوسط بين الفرد والدولة فيجري إنكار الجماعة القومية حتى داخل الدولة القطرية ويرتبط الفرد بجماعة ما تعيق الانسجام داخل المجتمع مشددا على أن هذا المشهد ليس تعددية ديمقراطية بل مجرد توازن وتعايش ربما يتحول في أي لحظة إلى احتراب أهلي.

والمظهر الثاني حالة الدول الريعية التي تعتمد على مصادر دخل غير إنتاجية وتوفر لمواطنيها جل الخدمات مما يُفقد المواطنين القدرة على مناقشة حقوقهم. وصلة ذلك بقضايا الهوية والتحول الاجتماعي في مجتمعات حديثة.

أما المظهر الثالث فهو ضعف الثقافة السياسية وغيابها من الخطاب الرسمي والشعبي بشكلها المعروف في الدول الديمقراطية. وغياب الفرق الواضح بين الحيز الخاص والعام لدى الدولة مما يؤدي إلى ما يعرف بالفساد والذي ينال من قدرة المواطن على التمتع بالخدمات والحماية المطلوبة من الدولة. وفي حين أن الثقافة السياسية تمنح الشعب القدرة على المبادرة للتغيير والتطوير فإن الحال في الدول العربية مختلف إذ تعمد الدولة إلى تمديد صلاحياتها إلى حيث يمكنها تبني المبادرات الفردية وتمثلها ومن ثم تجميدها بعد أن أصبحت مِلْكية مرتبطة بالدولة كنظريات الإصلاح على سبيل المثال. فيقول إن النظام السياسي العربي يتبع آليات "لإفراغ الإصلاح من محتواه... إصلاح البرلمان في نظام غير برلماني لا يعني الكثير" مستشهدا بما يعتبره إحدى زوايا النموذج السياسي المصري. ويتداخل الإصلاح السياسي بالتدخل الأجنبي والأجندة الاستعمارية في العديد من الدول العربية وذلك من دون مشروع سياسي ديمقراطي وطني مقابله" مضيفا أن هذا الاختلاط يمنح هامش مناورة واسعا لقوى غير ديمقراطية معادية للاستعمار في مقابل موقف توفيقي للأنظمة العربية القائمة التي تناور بين تخيير حليفها الأمريكي بقبولها كما هي أو مع إصلاح محدود ، وبين صعود قوى معادية للولايات المتحدة. وقد فصل الحديث حول هذا الموضوع في كتابه (في المسألة العربية.. مقدمة لبيان ديمقراطي عربي) عن دار دراسات الوحدة العربية.

وتثير هذه الأفكار الكثير من التساؤلات حول الحل المفترض وقد توسع في ذلك وفي إضافة أبعاد أخرى إلى حالة الدولة العربية الدكتور إبراهيم عرفات، المستشار في الديوان الأميري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، وسوف أترك ذلك إلى الأسبوع القادم.