تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المفكر عزمي بشارة ونهج الثورة

2011-05-25

بختي البشير

    شاهدته أول مرة في البرلمان الإسرائيلي " الكنيست "  يطلقون على مجموعته البرلمانية " عرب إسرائيل" , كنت حينها لا زلت يافعا لا أعرف ما معنى عرب إسرائيل؟

  كان هذا الرجل محط اهتمامي لأنه كان يثير لدي سؤالا كبيرا ـ كثيرا ما تردد على فكري ــ وهو: كيف يسمح لنفسه أن يشارك الصهاينة في برلمانهم؟
مضت الأيام, وتسارعت الأحداث لكنه لم يغب عن الساحة الفلسطينية .

لكن تدخلات " عزمي بشارة" في الإعلام, و طلاته الإعلامية المتنوعة من حين لآخر , ساهمت في إبرازه على الساحة العربية.

غير أن زيارته للبنان وظهوره في قناة المنار بعد الحرب الإسرائيلية  في 2006 على لبنان بدت لي اللحظة الفارقة  بين زمنين: زمن مسايرته للسياسة الإسرائيلية لتجنب غضبها , وزمن يلوح بتحولاته لصالح أمتنا.

هذه الخرجة الجديدة لعزمي بشارة استفزت إسرائيل إلى درجة أنها وجهت له اتهامات شديدة اللهجة.

قرر مفكرنا المكوث خارج الوطن الذي نشأ فيه بعدما قدم له زهرة عمره وبذر ما رأى أنه يستمر ويثمر كما أراد,
غير أن الأحداث جرت على غير ما أراد.

    اتخذ من سوريا ولبنان والأردن وقطر مكانا لعمله, شاهدته خلال الأعوام السابقة من خلال الحصص الحوارية في القنوات العربية الذائعة الصيت, لكن فرصته الذهبية كانت مع الدكتور: على الظفيري في قناة الجزيرة حيث قدم أجمل ما عنده تكلم عن الديمقراطية وعن تركيا وعن التعليم في أوطاننا العربية.

أعادت هذه الحصص للرجل  مكانته وتفرد تحليله وفكره, وفي هذه المحاورات أبان الرجل عن ثقافة واسعة وفهم عميق للأحداث العربية , ترى فيه الرجل المتمرس على معالجة كل المشكلات العويصة, عالم بخبايا ودهاليز السياسات العربية والغربية.

وهذا الفهم تؤكده البحوث والدراسات الأكاديمية العالية المستوى, وعشرات المحاضرات والندوات التي عقدها.
لكن فرصته الثانية كانت عندما تفجرت الثورات العربية

وهنا يحقق عزمي بشارة رغبة  قناة الجزيرة في أن يكون بطلها وفارسها وكأني بقناة الجزيرة الكبيرة سفينة فارغة وتائهة في خضم الثورات العربية  بدونه , لقد كانت الجزيرة بحاجة إلى مفكر من طراز عزمي بشارة .

رجل هادئ يقدم مادته الفكرية في روية , ووضوح من دون إثارة للعواطف الإنسانية .

كانت تحليلاته عن الثورة المصرية المندلعة باكورة إبداعه استطاع أن يستوعب ما يحدث , وان يستشرف المستقبل المصري , تمكن من وضع مسار للثورة بعيدا عن التشنجات والعنف.لقد كان بمثابة الموجه والمخطط عن بعد, وأيضا العزاء والسلوان لمن قضى في هذه الثورة.
أبدع الرجل من حيث يدري أو لا يدري .

أما الثورة الليبية المختلفة في كل شيء في طابعها القبلي وفي جغرافيتها وفي غيابها لجيش موحد, وخلوها من مجتمع مدني منظم كما في مصر وتونس.
    قدم المفكر "عزمي بشارة" للمعارضة تصورا للحالة الليبية بعد قراءتها قراءة صحيحة , حثهم على إنشاء مجلس يضم القبائل تحت لوائها حتى لا ينفرط عقد ليبيا المعقد . أرادها أن تكون موحدة ليقود ليبيا إلى الحل النهائي.

سارت ليبيا سيره , غير أن عسكرة الانتفاضة الليبية ودخولها أتون الحرب. هيأ ليبيا لمواجهة مشكلة كبيرة وهي التدخل الأجنبي وهنا وقف عزمي بشارة موقف الشعب العربي, نعم لمساعدة الشعب الليبي بفرض حظر طيران غير أنه بدا غير مقتنع بهذا الحل خاصة بعد أن اكتوت  بلادنا العربية  بنار التدخلات الأجنبية .

لطالما أسعدنا عزمي بشارة كأفراد وشعوب لأنه فقط يمثل إحساسنا وفرحنا وتطلعاتنا, لم نشعر يوما أنه مسيحي وأنه مختلف عنا, يكلمك كما لو أنه إسلامي أو مسيحي أو عربي , هذا هو عزمي بشارة هو الكل اجتمعت فيه قوة البصر والبصيرة النافذة إلى عمق الأحداث.

عزمي بشارة بعد البرلمان الإسرائيلي رجل مختلف وهو في بحث  متلهف لقضية أجبرته أن يتكيف مع كل الأوضاع المؤلمة والحزينة والمنكسرة وأن يستوعب الجميع في إنسانيته .

متمسك بقضيته وفكره مشغول بها .

هذا الإصرار والحضور المتواصل والجهد الكبير يفسره أمر واحد هو فلسطين وإلا  أي نفع لكل هذه الأحداث العربية ؟ أليست حرية أوطاننا العربية هو السبيل لخلاص فلسطين .

عزمي بشارة يعود إلى الخلفية التي تحتضن فلسطين ليحاول أن يزرع أجمل ما عنده, الأمل, والوعي ,والإدراك, والفهم كل هذا لعيون حبيبتنا فلسطين.
فبورك غرسك وأينع زرعا طيبا وزهرا  فواحا .

*كاتب جزائري