تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إلى عزمي.. في عامنا السابع

2014-03-20

علي الظفيري

قلت أكثر من مرة: إن أكبر هدية قدمتها لنا دولة الاحتلال الصهيوني، ملاحقتها عزمي بشارة وطرده من فلسطين المحتلة، وأكبر هدية قدمتها لنا قطر، احتضانها لهذا المناضل العربي واستضافته في الدوحة، وهو أمر غير مستغرب على الجهتين، مع فارق التشبيه، فإسرائيل عدو لكل نبتة عروبية وطنية، وقد أصابها الدكتور عزمي بشارة بمقتل، وهو ما سأتحدث عنه في هذا المقال، ما دفعها لملاحقته ومحاكمته.

وقطر أيضا، ليس غريبا عليها هذا الفعل النبيل، لأنها كعبة المضيوم، التي أكد أمير قطر أنها ستظل بيتا لكل عربي، وهي كذلك، فالدوحة استضافت عزمي بشارة وخالد مشعل ورجال المقاومة الفلسطينية، وغيرهم العشرات ممن لم تحتملهم البلاد العربية الأخرى، ولم تستطع مساندتهم على الحق، بل عملت على التحريض ضدهم وشيطنتهم والهجوم عليهم، ومهاجمة قطر لأنها فعلت ذلك! هذه الأيام نعيش الذكرى السابعة لخروج أبوعمر، الدكتور عزمي بشارة، من فلسطين، واتساع دائرة النضال والمقاومة والعمل الوطني والعروبي من المساحة الصغيرة المحتلة، إلى الفضاء العربي الكبير، ولا شك أنها لحظة تحول مهمة أسهمت عوامل كثيرة في صناعتها، تاريخ الرجل السياسي داخل فلسطين المحتلة، فكره الديمقراطي المستنير، شخصيته وحضوره الكبير، قطر وقيادتها، التي يعيرها البعض مؤخرا باحتضانه والإفادة من وجوده لغرض في نفوسهم، والجزيرة، المنبر الذي أتاح لمثقف كبير مخاطبة الملايين من العرب، والأهم من هذا كله، حالة التفاعل الاستثنائية والكبيرة من قطاعات مثقفة واسعة تمتد على كامل مساحة الوطن العربي الكبير، من المغرب إلى عمان، وجدت –في حالة نادرة– مثقفا ملتزما مستنيرا متفاعلا بشكل واقعي مع قضايا أمته، لا يتوقف لحظة واحدة عن العمل والكتابة والتحليل في القضايا، حتى أن المرء معه يشعر بالإنهاك من كثرة التفكير والمتابعة، والطلبات التي ترد من القراء والمشاهدين لتناول موضوع بعينه، والبحث في قضية بذاتها، مثل هذا الرجل يحبه كثيرون ويخشى البعض من تأثيره.

وماذا بعد؟ في بدايات عام 2009 زرت الدكتور عزمي بشارة، ووجدته في حالة اكتئاب لا تطاق، اعتاد الرجل على العمل، السياسي والثقافي معا، والأول لم يعد متاحا في المنفى، لكن باب الثقافة والفكر فتح على مصراعيه، وقد انبثقت فكرة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي انطلق في نهاية عام 2010، وأصبح منارة فكرية يفخر بها العربي في كل مكان، لم تعد مراكز الأبحاث بعده نكتة كما كانت، ولا دكانة خلفية لأجهزة المخابرات والأمن، أصبح لدينا في ظرف 3 أعوام واحدا من أفضل مراكز الفكر والأبحاث في العالم العربي، عشرات الكتب والمجلات العلمية الرصينة، ومئات الأبحاث والدراسات المتنوعة في كافة المجالات، وقد تحقق ذلك بفضل جهود الرجل، ودعم أمير قطر المعلن للمركز، وأرجو أن لا يكون هذا الأمر «رجسا» من عمل الشيطان، في زمن التحريض والثورة المضادة.

ماذا يريدون من قطر أن تستثمر في كازينوهات بدلا من مراكز الأبحاث والجامعات مثلا؟! هل عزمي بشارة مستشار لأمير قطر؟ تردد مثل هذا الادعاء في غير مكان، وما أعرفه تمام المعرفة، أن الدكتور يدير المركز العربي للأبحاث، وهو مركز عربي أكاديمي مستقل، تدعمه قطر. وهذا عمله الوحيد، ولكن قبل ذلك، ما هي المشكلة في أن يُستشار رجل بمستوى ثقافة ووعي والتزام بشارة، وأن يُشير هو على البلاد التي اصطفت مع حاضنتها العربية وانحازت لقضايا أمتها، وما هي قوائم المستشارين لدى أنظمتنا العربية الفاضلة! ومع ذلك، فإن محاولات التحريض والتشويه لن تنجح إذا غمزت من هذه الناحية، الأمر واضح في هذه المسألة، وما يتم استهدافه أكثر وضوحا، جميعنا يدرك تماما ما هو المطلوب، وما سيتحقق، وما لن يتحقق على وجه التحديد. ألم يكن عزمي بشارة مواطنا إسرائيليا، وعضوا في الكنيست؟ نعم، مثل كل عرب فلسطين الذين بقوا على أرضهم، لكن ليس مثل بعض النواب العرب «المسلمين» الآخرين، الذين يعملون لدى أجهزة الموسادـ، ويمارسون دور همزة الوصل بين الحكومات الصهيونية وبعض الأنظمة العربية التي تهاجم عزمي بشارة بسبب موقفه من الثورات والديمقراطية، ولأنه ينتقد عملية السلام. خلق عزمي ورفاقه حالة التحول داخل الأوساط العربية في فلسطين منذ منتصف السبعينيات، عملوا على مسألة الهوية، وهي أصعب ما يمكن العمل عليه في حالة الاحتلال وذوبان الشعوب تحت ضغط الحاجة والتخويف، أعادوا للفلسطيني اعتباره وكينونته وتماسكه ووحدته أمام دولة الاحتلال، وكان خيار دخول الكنيست في منتصف التسعينيات الميلادية، وهو خيار يمكن الجدل حول صحته وفائدته وضرره، لكن أهلنا في الداخل وحدهم من يدرك أهمية هذا الأمر، ويقدره على النحو الصحيح.

ولكن ليس هذا ما ينتقده المغرضون. فالعضوية في الكنيست التي يتظاهرون بنقدها هي بالذات ما يعجبهم، ولهذا حاولوا الاتصال به وفاجأهم بمواقفه التي لا تساوم. وشكل بشارة حالة نضال مدني لا يعرفها الجهلة، ولا يدرك معناها الذين استيقظوا في العامين الماضيين، ولا من تستأجرهم الأنظمة للدعاية والتحريض والبلطجة، وهو اليوم يبتعد عن فلسطين سبعة أعوام، لكنه، ونحن، نقترب أكثر منها، بفضل هذه الانتفاضة العربية الشاملة، في الوعي والموقف والسلوك، في وجه من أحالوا أوطاننا إلى معاقل للجهل والتخلف والخوف والعمالة، وهذا عمل شاق ولا ينجح إلا بتكاتف الجهود، والصمود، وهي الكلمة المفتاحية في هذه المرحلة.

المصدر: صحيفة العرب القطرية