تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فخ .. عزمي بشارة

2010-04-30

سميح شبيب

ما حدث مع قضية عزمي بشارة، كان بمثابة فخ إسرائيلي مُرتب مسبقاً، هدفه الإيقاع بالمفكر والمناضل الفذ عزمي بشارة، وإبعاده عن دائرة الفعل السياسي داخل الأوساط الفلسطينية في إسرائيل.

ما قام به عزمي بشارة، ومنذ أن كان مناضلاً في الصفوف الطلابية، كان كبيراً ومشرقاً ومميزاً. تناول بشارة قضية الديمقراطية في إسرائيل، ليشرحها ويبرز زيف جوهرها، فالديمقراطية هنا، هي ديمقراطية اليهود داخل دولتهم إسرائيل، أما العرب فهم أقلية مستلبة الحقوق، تُمارس عليها قوانين التمييز العنصري بكل أشكاله وألوانه. من هنا طرح بشارة شعار اسرائيل دولة كل مواطنيها، وهو ما رفضته الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة، الأمر الذي أظهر الديمقراطية الإسرائيلية على حقيقتها وزيفها الحقيقي. طرح بشارة الملف العربي ـ الفلسطيني داخل المجتمع الإسرائيلي، وبأبعاده كافة القانونية والسياسية والإدارية والسكانية، الأمر الذي استنهض الهمم العربية الفلسطينية داخل اسرائيل، من جهة، وبالتالي أبرز الترابط الحقيقي العضوي بين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وبين محيطهم العربي ببعده القومي.

ما قام به بشارة ومنذ تأسيس التجمع، وعلى صعد مقاومة النزعات الصهيونية الشوفينية ضد الفلسطينيين وحقوقهم السياسية والاجتماعية في إسرائيل، غالباً ما أحرج السلطات الإسرائيلية، التي وجدت نفسها في سلسلة مآزق حقيقية، فهي غير قادرة على إسكات هذا الصوت المناضل بوسائل يبيحها القانون، ولا هي قادرة على الالتفاف عليها، بتلك الوسيلة أو غيرها. هنالك ملفات معقدة، دارت كلها حول معاقبة بشارة أو التخلص من نشاطه وصوته، وانتهت تلك الملفات كلها إلى الإغلاق، ومن ثم تراكمها على رف واحد، هو ضرورة التخلص من صوت بشارة!.

حاول بعض تلك الملفات، تشويه علاقة بشارة مع دول عربية محيطة مثل سورية وحزب الله، وحاول تصوير تلك العلاقة على غير حقيقتها، وكأنها علاقة سرية مع عدو متربص، وسبق أن أحيلت تلك الملفات إلى الكنيست، الذي وجد نفسه مقيداً بقيود قانونية لا تبيح لها اتخاذ أي قرار ضد بشارة.

ما حدث مؤخراً كان بمثابة فخ قامت بإعداده لجان مشتركة، أمنية وسياسية وقانونية في آن، ووضع بشارة في موضع صعب. بعد أن تم إعداد هذا الفخ اعداداً دقيقاً ومرتباً، وهدفه الأساسي الإيقاع بهذا السياسي والمفكر، لإبعاده عن ساحة فعله الأساسي، وهي ساحة الكفاح الوطني الفلسطيني في إسرائيل.

لعل قراءة ملامح هذا الفخ بخطوطه العريضة التي قامت إسرائيل بالافصاح عنها، وهي التعامل مع دول عدوة في حالة الحرب ونقل معلومات وتبييض أموال، من شأنها أن تؤشر الى خطورة هذا الفخ، ووصوله إلى درجة كسر العظم، أو محاولة الاغتيال السياسي لشخصية بارزة وإبعاده عن وسطه السياسي ـ الاجتماعي في آن، وبالتالي تحويله الى شخصية منفية، غير قادرة على التأثير المباشر في وسطها الحقيقي.

نجح هذا الفخ المحكم في دفع بشارة الى تقديم استقالته من الكنيست أولاً، ومن ثم اتخاذ قرار ذاتي بعدم العودة إلى إسرائيل في الأفق الراهن.. ولعله من نافلة القول إن اسرائيل ستستمر في تصعيدها ضد بشارة، وصولاً لإرغامه على اتخاذ احد خيارين، فإما أنه سيؤثر العودة، ليدخل السجن فوراً، وليعامل معاملة الجاسوس الذي خان دولته.. وإما أن يبقى في المنفى، وبهذا يتلاشى دوره رويداً رويداً، وهو ما ترغب فيه إسرائيل.

بشارة في موضع لا يحسد عليه، وعلينا جميعاً مراعاة حيثياته المعقدة، ولعل أسلم المواقف، هو الوقوف دفاعاً عن عروبته وفلسطينيته، والمبادئ التي ناضل وضحى من أجلها، وباختصار، الوقوف ضد التوجه الإسرائيلي، ازاء بشارة وكفاحه.

لا شك أن هنالك ملاحظات جدية، ازاء بعض الخيارات والتصريحات اضافة "لثارات" سابقة مع هذه الجهة أو تلك.. لكن مناقشة تلك الملاحظات والاحتكام لروح "الثارات"السابقة، هي أمور داخلية، وبالتالي لا يصلح استخدامها في معركة كبيرة، كتلك المعركة التي نعيش فصولها وتبعاتها على الجميع.