تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"يرحمونا بس شوي"

2017-05-07

ميشيل كيلو

لن أكتب تعليقا هذا الأسبوع. سأنقل بدلا منه أقوال سيدة سورية من قرية حزّه في الغوطة الشرقية، تصف الأهوال التي تعيشها قريتها، بسبب "قتال الإخوة" المتجدّد منذ نيفٍ وأسبوع بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وفصائل صغيرة أخرى متحالفه مع الفيلق أو محتمية به، من جهة أخرى.

تقول السيدة لأختها:

ـ"السلام عليكم، شلونك، والله يا أختي الوضع ما حدا فهمان شي نهائيا نهائيا. يعني مبارح وضعنا كان سيئ كتير كتير، واليوم لأسوأ، لأنو اليوم جيش الإسلام أجا لعنا، وطلعوا عالبناية وعملو طلاقيات نظامي، وحطوا قناصة وعالأربعة وعشرين. المشكلة إنو القناص اللي حطوه كاشف بنايتنا، وكاشف كل شي حوالينا. امبارح أم سلطان الله سترها، الله لطفها، لسه عم تتناوأ ونازلة عالسلم لطش عليها، الله سترها. أجينا اليوم على بكره إلنالو لبراء ماما خود هالمفتاح بس وصللو إياه لصهرك، لأنو بدو يفوت على بيتنا. ورحت وقف عالدرج ميشان شوفو، يعني تضل عيني عليه، لسه ما مديت راسي لطش عليي، ما عم يميزو أختي لا مدني، لا بطيخ ولا يأطين. امبارح والله لو تشوفي العالم بالأرض، بالأراضي بالأراضي، يعني مناظر الله أكبر على هيك مناظر. اقسم بالله طأ ألبنا، يعني كمان تطلعي عليهن، والله وجوهن، الوجوه صغيرة ولك أختي. ولك بالأول طعموهن واكفوهن بعدين ابعتوهن. ولك والله يا دوب جلدهم مملي لحمهن ومغطي عضمهن. اكفوهن بالأول بعدين ابعتوهن يعملوا هالعمايل.

والله يا اختي مناظر، لو تشوفي هي، إنتي بتعرفيها، ناحية المنشرة، الفيلق وأفاه شفتي ناح بيوت اللبن جيش الإسلام، وإيمي أختي من الأرض جثث واركدي، إيمي جثث واركدي. يا أختي استعملو الدوشكايات، الدبابات، شو بدي قلك ما رح تسدئي. هلكنا بكي والله. شغله تانية العالم ما فيه مي عندا، لا فيه حطبه، لا فيه خبزة (تبدأ البكاء من هنا وإلى نهاية الفيديو)، يعني لإيمته. والله يا اختي شي بيطقق، وحياة الله شي ما بينحمل، ولك يعملوا حساب إنو فيه بني آدمين وفيه أطفال. ولك شوصايرلن، حرام عليهن، ولك والله حرام، ولك كل الليل ما وقفوا، ما بيكفينا النظام اللي نازل فينا كل النهار خبط، وما مخلي سلاح، ما خلى شي، يعني هني ما شايفين بعينن. ولك أختي إنو حزّه صارت أد الكمشة. ولك والله هيك رح يكمل علينا، والله ما عم نسترجي نحوص فيا، من مبارح يا أختي، لأ من أولت مبارح، ما حدا داق رغيف الخبز، ما فيه أختي ما فيه، لا محل يرفع غلؤا ولا ضراب السخن ولا شي. تاني يوم فئنا أختي، العالم فائت الساعة ستة، طلع جيش الإسلام منتشر بحزّه، ما حدا متهيئ لهيك شغلة، واللي عنده شوية أمح لا زم يطحنو، بس وين بدو يطحنو، ولك يرحمونا بس شوي، أختي، الله لا يرحمن".

هذا ما تقوله سيدة مجهولة الاسم في شهادةٍ لا تحتاج إلى تعليق. طالب الدفاع المدني في ريف دمشق المتقاتلين من "إخوة المنهج" بتحييد المدنيين، ومراعاة ظروف العالقين ضمن مناطق الاشتباكات، إضافة إلى عدم استهداف منازل المواطنين والمنشآت العامة. بينما تخرج مظاهرات عارمة تندّد باقتتال هؤلاء، وتطالبهم بإيقافه. وتحلم "محافظة دمشق" بتشكيل "جيش وطني ثوري" لوقف اقتتال الغوطة الشرقية الذي تحاكي فظاعاته فظاعات حصار جيش الأسد بلداتهم، وقصفه المتواصل مساكنهم، ووضعتهم في مواجهةٍ سبق للمتنبي أن وصفها بقوله:

وسوى الروم خلف ظهرك روم/ فعلى أي جانبيك تميل

أخيرا، أعلن، في الرابع من شهر مايو/ أيار الحالي، أنه سيتم وقف القتال في ريف حماة بوساطة روسية. إلى أية وساطة، وممن يحتاج الإخوة الأعداء كي يوقفوا اقتتالهم، ويسحبوا القناصة من حزّه؛ كي تستطيع السيدة الملتاعة مد رأسها من نافذة بيتها، ومتابعة ابنها وهو في الشارع، ذاهبا إلى بيت صهره بالمفتاح، كي يدخل إلى بيتهم؟

إذا كان التقاتل يودي بالمذنب والبريء، بماذا يبرّره ضحاياه المتقاتلون؟ وماذا يقول هؤلاء لمن يؤكد أن اقتتالهم من علامات هزيمة الثورة أخلاقيا وعسكريا، وأنه لا عائد له غير الإجهاز على البقية التي نجت من جرائم النظام ضد شعب الثورة المظلوم!.

صحيفة العربي الجديد