تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لقاء اليوم على الجزيرة: ترشح عزمي بشارة لرئاسة الوزراء

1999-09-01

عبد الله السعافين

عبد الله السعافين: تحية لكم أعزائي المشاهدين، وأهلاً بكم إلى هذه الحلقة من برنامج (لقاء اليوم) نحاور فيها العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي الدكتور عزمي بشارة الذي كان أول عربي في تاريخ الدولة العبرية يرشح نفسه لمنصب رئاسة الوزراء، وكان ذلك في الانتخابات الإسرائيلية العامة التي جرت في الآونة الأخيرة، دكتور عزمي بشارة أهلاً بك إلى قناة (الجزيرة).

د. عزمي بشارة: أهلاً وسهلاً.. أهلاً بيك.

أهداف الدكتور عزمي بشارة من ترشيح نفسه لرئاسة الوزراء

عبد الله السعافين: ترشيح نفسك لمنصب رئاسة الوزراء في إسرائيل كان -ولا شك- تكتيك انتخابي وسياسي، تُرى ما هي الأهداف التي توخيتها من وراء ذلك؟

د. عزمي بشارة: يعني بدون أي شك هذا الترشيح –الذي أثار عاصفة في حينه- كان له أهداف تكتيكية، ولكن أنا أعتقد إنه هي ليست الأساس كان له أيضاً أهداف استراتيجية بعيدة المدى ونبدأ بها أوًلا، بحث طويل تم في (التجمع الوطني الديمقراطي) استمر سنوات إلى أن أقدمنا على هذا الترشيح، وتم طرحه في وسائل الإعلام طيلة سنتين، وقُلِّب وبُحث، الهدف كان الأساسي هو التحدي الطبيعة الصهيونية الإسرائيلية.

لا يمكن تخيل رئيس حكومة عربي في دولة ذات طابع صهيوني، بالإمكان تخيل وزير، بالإمكان تخيل نائب وزير، ولكن لا يمكن تخيل رئيس حكومة عربي لدولة ذات بنية صهيونية هي دولة اليهود، وبالتالي طرح الترشيح لرئاسة الحكومة كان تحدي لكل الطبيعة الصهيونية لإسرائيل وعدم موافقة عبارة عن وضع علامة استفهام على هذه الطبيعة الصهيونية، استغلال المواطنة، ومدها حتى النهاية، توسيع مفهوم المواطنة حتى النهاية، لكي يناهض الطبيعة الصهيونية لإسرائيل.. ومن حقوق المواطنة الترشيح، وليس فقط التصويت، يعني إحنا جعلنا المواطنة تتناقض مع الصهيونية، هذا الأمر الاستراتيجي الأول.

الأمر الاستراتيجي الثاني -أيضاً قبل أن أدخل في الأمور التكتيكية- الأمر الاستراتيجي الثاني هو ضرورة تحدي مفهوم "الأسرلة" أو "الصهينة" لعرب الداخل باعتبار أن عليهم أن ينضموا إلى أحد معسكرين صهيونيين، إما معسكر (باراك) أو (نتنياهو)، نحن رفضنا ذلك.. قلنا نحن لسنا بشكل سبقي.. بشكل قبلي مع أحد المعسكرين، إذا كنا ضد نتنياهو هذا لا يعني أن ننضم بشكل فوري إلى معسكر (باراك) وبحماس.

وأعتقد إنه المزاج السياسي العربي أخطأ في هذا الموضوع عموماً، وتبين الآن أنه أخطأ ويعترف بخطئه، إنه يعني إذن مش نتنياهو إذاً نحن بحماس وراء باراك.. لأ باراك لا يمثل.. يعني إذا كان باراك يمثل قوى الحرب فهذا لا يعني.. إذا كان نتنياهو يمثل قوى الحرب هذا لا يعني أن باراك يمثل قوى السلام، إذا كان نتنياهو يمينياً هذا لا يعني أن باراك يسارياً، يعني هذه الازدواجيات والثنائيات في الفكر السياسي العربي يجب أن نتخلص منها يعني إما خير أم شر، إذا كان نتنياهو شر فباراك خيراً، هذا غير صحيح.

فنحن أردنا أن نستغل الحملة الانتخابية التي أصبحت عالمية حقيقة في مناقشة باراك، يعني هي الحملة الانتخابية منبر تسييسي للعالم للرأي العام، وباعتقادي كنا الطرف الوحيد اللي استغلها أفضل استغلال في مناقشة باراك نفسه، والآن العرب يدركون أهمية هذا ، بعد أن اتضح أن عليهم الآن أن يناقشوا باراك، وأن يهاجموا حتى باراك في بعض الحالات، بعد خيبة الأمل الكبيرة من باراك، يعني نحن أردنا أن نتميز عن باراك، وعن نتنياهو في هذه المواقف.

أبعاد وجود نائب وزير خارجية عربي في حكومة باراك

عبد الله السعافين: لكن لماذا خيبة الأمل من باراك لكم بالنسبة.. لكم يعني فلسطينيّ إسرائيل وهي المرة الأولى التي يصبح فيها نائب وزير خارجية عربي، هناك أعضاء عرب الآن في لجنة الخارجية والآن في الكنيست، وهذا لم يحدث في أي حكومة إسرائيلية سابقة؟

د. عزمي بشارة: هذا سؤال مركب يا عبد الله، هذا سؤال مركب، يعني أنا أوًلا: أقول هنالك خيبة أمل عند أولئك الذين كان عندهم أمل، أنا ليس لدي خيبة أمل، لأنه لم يكن لدي أمل.. هذا أوًلا، فأولئك الذين لديهم أمل وتأملوا أن باراك يعني سيتجه نحو المساواة في الداخل ونحو السلام في الخارج بدأ يخيب أملهم، هذا تعليق إذن يعني ليس موقف أنا أعلق على هذا، ثانياً: دعنا نأخذ فكرة نائب وزير، أو أمور من هذا النوع.

أوًلا: في حكومات إسرائيلية في السبعينات كان هنالك نواب وزراء عرب، بالسبعينات كان هنالك نائب وزير زراعة عربي، كان هنالك نائب وزير اتصال عربي في حكومات (مطاي) السابقة، كان هناك نائب وزير صحة عربي، في حكومات (بيريز-رابين) كان هنالك نائبان للوزراء، والآن يوجد نائب وزير خارجية هذا هو الجديد.. الجديد ليس نائب وزير، وإنما نائب وزير خارجية، ماذا يعني هذا؟ هل تغيرت السياسة الخارجية لإسرائيل؟ طبعاً لم تتغير السياسة الخارجية لإسرائيل، ولكنها أصبحت أكثر استعداداً على استيعاب (co-option) على استيعاب.. على احتضان عرب يمثلون هذا السياسة نحو الخارج، من.. من وجهة النظر الإسرائيلية هذا التوسع لمفهوم حقوق المواطن، وهو بدون شك تغير في المزاج السياسي الإسرائيلي، أن تقبل عربي في هذا المنصب، ولكن الأهم من ذلك من يتغير أكثر؟ ذلك الذي يستوعب عربي في نيابة وزارة الخارجية، أم ذلك العربي الذي سيشرح لإسرائيل سياسة إسرائيل الخارجية.. سيشرح للعالم سياسة إسرائيل الخارجية؟ العربي الذي سيكون في هذه المناصب حتى لو كان وزيراً ماذا سيشرح؟ ماذا سيفعل؟ هل سيغير سياسة الحكومة؟ لأ، سيندمج في سياسة الحكومة وسيشرح سياسة الحكومة نحو الخارج وليس صانع قرار.

وأنا باعتقادي هذه من نوع.. ما.. من ناحية باراك ضربة معلم، يعني هو الآن لديه نائب وزير خارجية عربي يشرح للعرب سياسة حكومة إسرائيل.. يعني هذا أفضل من هيك ما فيش بالنسبة لباراك، وبالتالي هذا ليس إنجازاً بأي معنى من المعاني، هذا تغيراً في المزاج السياسي الإسرائيلي جعله أكثر انفتاح، أكثر ليبرالية، أكثر قدرة على الاستيعاب والاحتضان، ولكن في نهاية المطاف –اعتقادي- إنه من ناحية المزاج السياسي العربي هذا يضر بالعرب ويضر بوعيهم الوطني والقومي.

الأسباب التي تحول دون تأثير الصوت العربي في السياسة الإسرائيلية

عبد الله السعافين: هذا يقودنا -دكتور- لصوت الناخب العربي داخل إسرائيل يشكل ثقل مهم في مجريات السياسة الإسرائيلية، لكنة غير مستغل بشكل كافٍ -كما يقال- ما هي الأسباب التي تحول دون تأثير الصوت العربي في مجريات الأحداث السياسية في إسرائيل؟

د. عزمي بشارة: هنالك أوًلا وقبل كل شيء سبب موضوعي–وغير مرتبط بالعرب وبخلافاتهم- أن إسرائيل دولة يهودية وهي دولة اليهود، وبالتالي آخر رئيس حكومة حاول أن يعتمد على أصوات العرب في حسم سياسي داخل البرلمان قُتِل.. اسمه رابين، يعني في نهاية المطاف الدولة دولة اليهود، وبالإمكان إقامة ائتلافات يهودية واسعة ضد العرب بشكل لا يسمح للعرب أن يتحولوا إلى لسان ميزان، يعني إذا ما وجد رئيس حكومة نفسه مضطر أن يغير سياسته لكي يرضي العرب لكي يكسب أصواتهم، أفضل له يأتلف مع اليمين، وهذا ما فعله باراك، لنراقب ما فعله باراك، وهذا قلناه –على فكرة- قبل الانتخابات عندكم في (الجزيرة) وفي محطات أخرى، قلناه قبل الانتخابات أن باراك بعد الانتخابات لن يعتمد على الأصوات العربية، وإذا ما أردنا ابتزازه يجب أن نبتزه قبل الانتخابات، ومن هنا فكرة رئاسة الحكومة، هذا الشيء التكتيكي اللي تحدثت عنه ولم تتح لي مجال أن أقوله، هذا السبب التكتيكي.. إذا أردنا ابتزازه يجب أن نبتزه قبل الانتخابات، بعد الانتخابات سيشكل حكومة بأكثرية يهودية دون الحاجة للأصوات العربية، ماذا فعل؟ توجه إلى (الليكود).. بدأ (بالمفدال) اللي هو حزب المستوطنين وضمه إلى حكومته وحاول أن يضم الليكود ولكن أزمة الليكود الداخلية منعته من أن ينضم.

ولكن إذا ما نظرت الآن، وأمعنت النظر ملياً في تركيبة الائتلاف الإسرائيلي تجد أنها أكثرية يهودية، والعرب خارجها، وهو ليس بحاجة إلى أصوات العرب يرتكز إلى أصوات أغلبية يهودية دون الحاجة إلى أصوات العرب، هنالك بحث عن إجماع قومي إسرائيلي، تحكم هذا الإجماع القومي في داخله لعبة تعددية ديمقراطية، ولكنه مدرك إلى ضرورة أن يكون الصمغ اللاصق هو الإجماع القومي اليهودي، ولذلك من.. في ضمن هذا الإجماع من الصعب أن تدخل مادمت خارج قواعد اللعبة، ولا أحد يريد أن يحسم المعركة بأصواتك وأصوات العرب، وبالتالي يتهم أنه مع العرب أو مؤيد للعرب!!

ولكن حتى بشروط هذه اللعبة الموضوعية والتي خارجة عن إرادتنا، وهنالك أيضاً

-بدون أي شك- إمكانيات للتأثير، إمكانيات للتأثير في أمور معينة متعلقة بالمواطنين العرب في الداخل في حل قضاياهم اليومية، وهم يعانون من قضايا يومية حياتية عديدة، مسؤوليتنا الأولى هي تمثيلها في البرلمان، نحن انتخبنا من ناس ونريد أن نمثل قضاياهم، هنالك إمكانية لحل بعض القضايا، ولكن الأهم من ذلك هنالك إمكانية لطرح قضايا غير محلولة، هنالك إمكانية لطرح اقتراحات قوانين، وهنالك إمكانية لطرح تمثيل سياسي وموقف سياسي متميز باسم الجماهير العربية بالداخل، ولكنه لصالح القضية الوطنية الفلسطينية، ولصالح الأمة العربية في نقاش مع، لذلك نحن نطرح أجندة جديدة على جدول الأعمال الإسرائيلي، ونحاول من هنا ومن هنا ومن هنا عبر العمل بقنوات عديدة، وبمجموعات ضغط عديدة، أن أغير... أن نغيِّر أولاً في الرأي العام الإسرائيلي، وثانياً ربما في عمليات صنع القرار، أعتقد أن هذا دور مهم، يجب عدم المبالغة في أهميته، ولكنه دور مهم.

موقف عرب الداخل من اتفاقية أوسلو

عبد الله السعافين: هناك شعور في أوساط فلسطيني إسرائيل بأن اتفاق (أوسلو) ومجمل العملية التي أفرزها كان بمثابة انتكاسة، أو لطمة لآمالهم وطموحاتهم القومية، أين تقف من هذا الرأي؟

د. عزمي بشارة: هذا يفترض –عزيزنا – هذا يفترض أن العرب بإسرائيل قبل اتفاق أوسلو كانوا ينتظرون أن تحررهم منظمة التحرير، وهم لم يكونوا ينتظرون ذلك، يعني هذه الأفتراضية تفترض أن العرب في إسرائيل كانوا في انتظار أن تطرح الحركة الوطنية الفلسطينية قضيتهم، لا أعتقد أنهم كانوا ينتظرون ذلك، في ظل موازين القوى الفلسطينية الإسرائيلية أنا أعتقد أنهم كانوا في وضع يخشون أن تدخل فيه موازين القوى الإسرائيلية الفلسطينية إلى قضاياهم، لأنهم في وضع أقوى لديهم مواطنة يحاولون استغلالها حتى النهاية في دولة تدعي نحو العالم –على الأقل- أنها ديمقراطية، وتخشى ألا تكون صورتها كذلك، لأن كل وزنها العالمي يعتمد على هذا، وبالتالي لديهم مواطنون يستطيعون استغلالها أكثر من فلسطيني الشتات أو فلسطيني الداخل أو غيرهم، ولذلك هذه الانتكاسة التي تحدثت عنها مصطنعة –إلى حد ما- ولكن أضيف وهذه مهمة الإضافة- أنا كنت من الناس الذين عارضوا أوسلو في حينها، ولكن هنالك تيار وطني قومي في الداخل انتقد أوسلو، وعارض أوسلو ليس لأسباب أنانية إنه والله أوسلو تركنا خارجاً، وإنما كان مفهومنا في حينه إنه أوسلو –بالشكل الذي وُقِّع فيه، والشكل الذي نُفِّذ فيه- هو خضوع الشروط.. إخضاع الشروط التاريخية لحل الصراع لموازين القوى مع إسرائيل، وبالتالي إمكانية إنشاء Apartheid إسرائيلي فلسطيني، وليس إفراز دولة قومية فلسطينية.

هذا كان انتقادنا الأساسي إنه نحن خشينا إنه هذا يؤدي إلى إقامة كيان فلسطيني في ظل system في ظل نظام هو نظام Apartheid بدون أن تكون كامل السيادة، وبدون أن تحل قضية اللاجئين والقدس..

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: نظام تمييز عنصري.

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: نظام.. نظام فصل عنصري، إنه إسرائيل تتحدث بشكل صريح عن الفصل الديموغرافي يعني نظام فصل عنصري فعلاً، هذه كانت خشيتنا ولذلك انتقدناه من منطلق المصلحة الوطنية، وليس فقط المصلحة الأنانية الداخلية، إنه والله أوسلو لم يشملنا، يعني لو شملنا أوسلو كان وضعنا أحسن!! ربما كان وضعنا أسوأ لو شملناه، الآن.. الأوسلو تم وأصبح واقع وأفرز بنى قائمة في الواقع، غالبية الناس الذين انتقدوا أوسلو من منطلقات وطنية وقومية يتعاملون معه كأنه واقع على الأقل في الداخل، لا تستطيع أن تتجاهل هذا الواقع على الأرض وألا تدير ظهرك إله، وأن تحاول قدر الإمكان أن تساهم في أن يتطور هذا الواقع أو يتخذ منحى أفضل مما هو عليه، بتناقضاته بآفاته بمصائبه إلى آخره، أن يتخذ منحى أفضل ويتجه بالاتجاه الصحيح.

بشكل عام، غالبية الأقلية العربية في إسرائيل.. يعني نحن الذين انتقدنا، كنا أقلية، غالبية العرب في إسرائيل أيدوا أوسلو، لأنه من منطلق المصلحة الآنية، بمعنى إنه والله مصلحة العرب في الداخل هي في استتباب السلام، لأنه داخلياً العلاقات مع الدولة تصبح أقل توتراً إذا كان هنالك سلام مع العرب، ولذلك تجد إنه عندما كنا مثقفين راديكاليين في حينه، محاضرين جامعات أو غيره في حينه انتقدنا أوسلو، غالبية العرب في إسرائيل كانوا مع أوسلو، وجميعهم في البرلمان صوَّتوا معه، وارتكز رابين إلى أصواتهم، غالبية العرب وممثلي العرب كانوا مع أوسلو، ولذلك الأصوات النقدية كانت أصوات ضميرية ثقافية وليست منطلقة من قضية أخرجنا خارجه وإنما من منطلق المصلحة الوطنية الشاملة.

مشروع الثنائية القومية في فلسطين

عبد الله السعافين: هناك طرح بدأت تتضح معالمه شيئاً فشيئاً، وكنت من أوائل المنادين به، يقوم على المناداة بأن تكون هناك دولة ثنائية القومية داخل فلسطين التاريخية يُلغى فيها قانون العودة أو يطبق على الفلسطينيين، هل ترى إمكانية لنجاح هذا الطرح في ظل التعقيدات الموجودة حالياً في مسيرة التسوية؟

د. عزمي بشارة: الحقيقة هذا الطرح يعني كتبت وطرحت ما يشابهه قبل التسوية، وبعد بداية أوسلو بشكل مكثف أكثر، ولكن لاحظت إنه غالباً في الندوات والنشاطات الأكاديمية ما أسيئ فهم هذا الطرح، وتفاجأت هنا في (لندن) أن هنالك كتاب صدر في مناقشتي في هذا الموضوع حول موضوع الثنائية في القومية، تعرف هنا سوق واسع للكتابة والصحافة وغيره، ويعني لفت نظري إنه الناس تتعامل مع طرحنا لفكرة ثنائية القومية بأنها برنامج سياسي، ويعني هذا برنامج سياسي للتطبيق، يعني نحن نطرحه كأنه برنامج سياسي، لا يوجد برنامج سياسي دون قوة سياسية وراءه، لا يمكن.. يعني هذا الفرق بين البرنامج السياسي والفكرة الأكاديمية، الفكرة الأكاديمية تطرحها في الجامعة، ندوة.. إلى آخره، مشروع ثقافي، مشروع حضاري، ولكن عندما يصبح برنامجاً سياسياً، هذا يعني أولاً: أن هنالك قطاعات اجتماعية واسعة تتبناه، وعندما تكون ثنائية القومية لدى الشعبين تتبناه، وثانياً: أن هذه القطاعات الاجتماعية نظمت حزباً سياسيّاً وحركة سياسية تطالب بهذا، وهذا غير قائم، إذاً نحن لا نتحدث حالياً عن برنامج سياسي نتحدث عن فكرة.. دعنا نتحدث عن الفكرة أيضاً، وليس برنامج سياسي والله للتطبيق..

عبد الله السعافين: لكن هذه الفكرة الأكاديمية ألا يمكن أن تتطابق على فكرة سياسية؟

د. عزمي بشارة: ممكن نعم، طبعاً، ممكن ولذلك أقول.. يعني دعنا نتحدث عن ديناميتها واشتراطها.. أولاً: تنطلق هذه الفكرة من قناعة وهنا النقاش مع الراديكاليين أكثر مع الرفضيين، ها الفكرة تنطلق من قناعة أن في بلاد فلسطين يوجد قوميتان هذا يعني مهم، من هنا الانطلاق –على فكرة- إنه في فلسطين يوجد قوميتين، السؤال وهذا السؤال ما لم يكن محسوماً في الحركة الوطنية ولا في الحركة القومية العربية لم يكن محسوماً حتى الآن، وبهذا يختلف عن موضوع الدولة الديمقراطية العلمانية هو الثنائية في القومية قد تكون ديمقراطية علمانية.

مثلاً (بلجيكا) هي دولة ثنائية القومية وديمقراطية وعلمانية، ولكن إضافة ثنائية القومية.. يعني لماذا تختلف بلجيكا الديمقراطية العلمانية عن (فرنسا) الديمقراطية العلمانية؟ أن بلجيكا ديمقراطية علمانية فيها قوميتان، في حين فرنسا ديمقراطية علمانية لا تعترف إلا بأمة واحدة هي أمة المواطنين، المواطنة أساس القومية، هذا الفرق، ولذلك نحن نتحدث عن دولة ديمقراطية علمانية، ولكن فيها قوميتان الآن لماذا؟

النخبة الوطنية الفلسطينية على مر العقدين الأخيرين عملياً انتقلت من فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية إلى فكرة التقسيم، وتجلى ذلك في إعلان الاستقلال 1988 في الجزائر عندما اقترحنا بفكرة.. اقتنعنا تاريخياً، وحسمنا أننا مع تقسيم فلسطين تقسيمها إلى ماذا؟ إلى دولتان، على أي أساس؟ على أساس يوجد قوميتان، إذاً قوميتان يعبر عنهما في دولتين، الأولى نخبتها بدأت نخبة إمبريالية استعمارية، ولكن طورت نوع من الهوية القومية في الداخل بعد عملية استعمار واستيطان لفلسطين.

والنخبة الصهيونية والشعب -باعتقادي أيضاً- مقتنع أنه يريد دولة يهودية في هذه المرحلة، النخبة الفلسطينية منذ عقدين تريد دولة وطنية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تريد ثنائية القومية، تريد دولة خاصة بها تحكمها هي، وإذا ما طرحت موضوع الثنائية القومية الآن كبرنامج سياسي تدخل في تناقض مع الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة فصائلها.. وهذا ما لا نريده، هذا ما يطرح كأنه برنامج أكاديمي للإقناع، كيف يطرح إذن؟

يطرح كالشكل التالي إذا ما ثبت في السنوات القادمة، ونحن معكم في موضوع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بدون استيطان، وبحدود الرابع من حزيران، وبعودة اللاجئين، ولكن إذا ثبت أن عملياً موازين القوة القائمة لا تسمح بذلك ولا تُفرز ذلك رغم كل مساندتنا وتعاضدنا، والآن نؤيد الحوار في هذا الاتجاه لكي يكون إجماع قومي فلسطيني على الدولة في حدود الـ67 وعاصمتها القدس، ولكن إذا تبين لنا أنه لا يوجد لقاء مع اللاءات الإسرائيلية وهي ليست لاءات باراك وحده، هي لاءات الإجماع القومي الإسرائيلي: لا للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، القدس عاصمة إسرائيل الأبدية كما يقول، 90% من المستوطنين –هذا خطابه الأول بعد الانتخابات- 90% من المستوطنين باقون في الضفة الغربية وقطاع غزة 90%، لا حل لقضية اللاجئين، لا يوجد جيش غربيِّ الأردن، ويقصد بذلك لا توجد سيادة، كيف نوفق بين هذا وهذا؟ إما أن تستسلم وتوافق على هذه الشروط الإسرائيلية أو ترفضها، في حالة رفضها باعتقادي تبقى المسألة الفلسطينية مفتوحة لفترة طويلة، وهذا ما أعتقد أنه سيحصل، إذاً بقيت المسألة الفلسطينية مفتوحة لفترة طويلة بعد وجود السلطة، ولا نهتم بوضعنا، وبمؤسساتنا، وبقضايانا، وإلى آخره.

ولكن المسألة الفلسطينية كمسألة وطنية مفتوحة.. مفتوحة.. كيف تبقى مفتوحة؟ شكل النظامي القائم هو شكل Apartheidفصل عنصري، استيطان، دولة يهودية مسيطرة على الماء والهواء والاقتصاد و.. و.. إلى آخره، إذاً هي تبقى مفتوحة، ولكنها تتخذ شكل نظام يشبه جنوب أفريقيا، هذا الشكل من أشكال النظام يخلق تشابكاً قومياً وليس انفصالاً...

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: جنوب أفريقيا في السابق.

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: نعم جنوب أفريقيا في السابق نعم طبعاً قبل انهيارApartheid، هذا النوع من الاشتباك القومي بين القوميتان بالاستيطان بكذا، بكذا، يُنشئ وضعاً لا رجعة فيه وانفصال إلى قوميتان بحدود الرابع من حزيران، هنا تنشأ دينامية قد تطور طرح الثنائية القومية، بهذا التعقيد الموضوع.. الموضوع ليس بسيطاً ويطرح كفكرة.. هو.. هي يعني هو خيار تاريخي، دعني أقول أن أمام إسرائيل خياران تاريخيان – لألخص- أمام إسرائيل خياران تاريخيان الـ Apartheid ليس أحدهما، الفصل العنصري ليس مقبولاً على الشعب الفلسطيني، إما أن تقوم دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضمن حل شامل لمسألة اللاجئين، وعاصمتها القدس، وإما.. وإما يفتح المجال لموضوع الثنائية القومية، أما بالنسبة لنا أن نكون شعباً مضطهداً بشكل طبيعي وتطبيعي فهو باعتقادي مرفوض.

إمكانية تحقيق باراك للسلام مدى التزامه بالاتفاقيات

عبد الله السعافين: الناخب الإسرائيلي صوت لـ..ضد نتنياهو وليس بالضرورة لصالح أو لإيصال باراك إلى السلطة، هل هناك إمكانية –من خلال الكنيست- لإرغام إيهود باراك على تطبيق الاتفاقات الموقعة على الأقل؟

د. عزمي بشارة: جيد، الناخب الإسرائيلي صوت ضد نتنياهو هذا.. وليس كله –على فكرة- دعنا نقول لأول مرة فوق 50% من اليهود الإسرائيليين صوتوا ضد اليمين منذ فترة طويلة، وهذا جيد. .هذا إنجاز باراك –على فكرة- إنه حوالي 51% من اليهود الإسرائيليين صوتوا ضد اليمين، ولكن أريد أن أضيف لهذه المقولة الهامة جملة جديدة وليس.. لم يصوتوا ضد نتنياهو بسبب عملية السلام فقط، إن غالبية الذين انتقلوا من معسكر نتنياهو إلى معسكر باراك انتقلوا بسبب أمرين أساسيين:

الأمر الأول: علاقة الدين بالدولة، وإملاءات الأحزاب الدينية في ائتلاف نتنياهو، وهم بالتالي علمانيون يمينيون اكتسبهم باراك دون أن تتغير يمينيتهم، وإنما كموقف من الأحزاب الدينية وقوتها الرهيبة في حكومة نتنياهو أولاً.

ثانياً: لاعتقادهم أن نتنياهو يعبث بالعلاقة الإسرائيلية الأميركية، وهذا مرتبط بالعملية السلمية، هذا الأمر التاني، وهذان عاملان أساسيان لانتصار باراك، العبث بالعلاقة الأميركية الإسرائيلية برأيهم نتنياهو يورط إسرائيل.

ثانياً: موضوع علاقة الدين والدولة وقد يكون هذا العامل الثاني هو الأهم، الآن باراك في السلطة هل توجد أكثرية سلامية في الكنيست تضغط عليه ليطبق مثلاً (واي) يعني هل الأكثرية التي اكتسبها باراك هي أكثرية مؤيدة للسلام؟ أنا أحذر أقول ليس بالضرورة، أكثرية من صوتوا لباراك لم يصوتوا من أجل السلام، صوتوا ضد نتنياهو بالضبط كما قلت، هذا لا يعني أنهم سيتظاهرون بالشوارع لاجترار بارك على صنع السلام.

عبد الله السعافين: لكن أنت يا دكتور –أيضا- ساهمت في إيصال باراك إلى السلطة من خلال انسحابكم من المنافسة.. لرئاسة الوزراء؟

د. عزمي بشارة: والله أنا سعيد –عبد الله- أنا سعيد بهذا السؤال، لسبب إنه لأول مرة قد يلومنا أحد على إنه نجحنا بارك، عادة اللوم كان أنه قد تُسقِّطون باراك، يعني اللوم في طيلة معركة الانتخاب من قبل العرب كان إنه إذا استمريت قد تسقط باراك، الآن يوجد لوم انسحبت ونجحت باراك، على أية حال.. يعني هذا أفضل، أنا باعتقاد هذا انتقاد أفضل من تلك الانتقادات، نحن انسحبنا في اللحظة المناسبة تماماً لسبب بسيط يعني إنه عربي لن يصبح رئيس حكومة، يعني في نهاية المطاف أنت لن تصبح رئيس حكومة، وإذا ما استطعت الاستفادة من هذا الترشيح استفدت، طرحنا القضايا على المستوى الدولي، طرحناها على المستوى العربي، جندنا، عطينا كبرياء للشاب العربي في الداخل، إنه أنت لا حزب عمل ولا ليكود لديك موقف سياسي، ولكن في اللحظة الأخيرة نقيس الأمور.. بمسؤولية، نحن لا نريد أن نتحمل مسؤولية عودة نتنياهو إلى السلطة، هذه مسؤولية سياسية، كل المنطقة تتوقع منا أن نتصرف بمسؤولية سياسية، فتصرفنا بمسؤولية سياسية وانسحبنا، الآن باراك الآن في السلطة، هو ليس أسوأ من نتنياهو قد يكون أقل سوءاً، وعلى هذا النقاش، موقفنا في حينه كان إن باراك في القضية الفلسطينية جوهرياً لا يختلف عن نتنياهو، هذا موقفنا وهو موقفنا المختلف عن مواقف الآخرين، في قضايا أخرى يختلف.. قلنا في قضية الجولان في قضية كذا يختلف باراك عن نتنياهو، وقلنا ذلك في الانتخابات، وثبت ذلك، الآن نحن نقول ما يلي: باراك أسير للتوقعات العالمية منه حتى هذه اللحظة والإسرائيلية -حتى هذه اللحظة- التوقعات العالمية منه حليف له، في مقارعة العرب في المفاوضات، هو قوي عالمياً، قوي دولياً، و ساهمنا في تقويته نحن العرب، لا أريد أن أقول أنتم العرب، لأنه نحن وقفنا ضده، ولكن أقول نحن العرب -أشمل يعني الجميع- ساهمنا في قبوله عالمياً بتصويره، كأنه المنقذ والمخلص، المنقذ من الضلال الليكودي، المنقذ والمخلص القادم، ولكن هذه التوقعات الدولية والعربية التي ساعدته الآن -في هذه المرحلة- وجعلته يُستقبل عالمياً باحتفائية غريبة من نوعها لدولة صغيرة مثل إسرائيل، هذه التوقعات قد تتحول من حليف إلى عدو له إذا لم يصمد فيها.

يعني يتوقع منه أن يكون رجل سلام ولذلك كل ما يقوله الآن يبدو وكأنه سلام، لكن إذا لم ينسحب من لبنان، ولم يحقق السلام للإسرائيليين وهو يدَّعي أن الانسحاب من لبنان غير ممكن بدون تسوية مع سوريا، تبدأ المظاهرات في الشارع الإسرائيلي، وأين الوعود؟ وعدتنا أن.. أن تخلِّصنا من لبنان–من الوحل اللبناني- من الورطة اللبنانية.

فيه بعض.. يعني مثلاً في تنفيذ واي.. يعني نحن إخواتنا في السلطة الفلسطينية قلنا لهم إنه هذه المحاولات للتسويف والتأجيل من قبل باراك –باعتقادنا- ممكن رفضها بسهولة والإصرار على تنفيذ واي، وإن بدا الآن وباراك قوياً في الرأي العام العالمي إلا أنه مضطر أن ينفذ، سينفذ بشكل مشوه.. سينفذ بشكل مشوه، أعيد وأكرر سيحاول أن ينتقص من الالتزامات، سيحاول أن يعدلها وقت التنفيذ، سينفذ واي بسوء نية موافق، في نهاية المطاف سينفذ لأنه التوقعات الدولية هي أن ينفذ، التوقعات الإسرائيلية هي أن ينفذ، ولا يستطيع أن يخرج سياسياً سالماً ومعافى من عملية عدم تنفيذ ونكث عهود قطعها -ليس - بل حتى اليمين الإسرائيلي نتنياهو، من وقع واي؟ أتذكر من وقَّع واي؟

عبد الله السعافين: نتنياهو.

د. عزمي بشارة: نتنياهو وشارون كان هناك، وعملياً.. النقضان كانت الحكومة.. المستوطنين شاركوا في توقيع واي، إذاً كيف لا تُنفذ يا باراك؟!

عبد الله السعافين: لكن عملياً الآن التوقعات بأن باراك يكون.. ينفذ ما وقعه، أصبحت يعني تنعكس سلبياً على الشارع الإسرائيلي نفسه، بعض الصحف العبرية بدأت تطلق على إيهود باراك اسم نتنياهو..

د. عزمي بشارة [مقاطعاً]: باراكياهو؟

عبد الله السعافين [مستأنفاً]: اسم باراك نتنياهو..

د. عزمي بشارة [مقاطعاً]: نعم، باراكياهو.. باركياهو!!

عبد الله السعافين [مستأنفاً]: باراكياهو، وكأنه الفرق بينه وبين سلفه يعني انعدم، هل تتوقع أن يتطور هذا الاتجاه بطريقة تؤثر سلبياً على استمرار باراك؟

د. عزمي بشارة: والله، يعني نحن سنكون سعداء إذا حصل ذلك، وإذا ما حصلت ردة فعل في الرأي العام على الأقل السلامي –وهو يعني أقلية في إسرائيل- باتجاه يعني نحن دعمناه بدون شروط، ولكن.. ونحن حذرناهم من دعمه بدون شروط، حذرنا العرب من دعمه بدون شروط، وحاولنا أن نشترط هذا الدعم بشروط، على أية حال.. أشك في ذلك، يعني كنت أتمنى لو كان ذلك صحيحاً، يعني أنا (الجيمكس) أحابيل الإعلام الإسرائيلي أعرفها، هذه سوق إعلامية يتنافس فيها الناس في التعبير والمصطلحات وباراكياهو وغيره.

الإعلام الإسرائيلي ساهم في إسقاط نتنياهو مثلما ساهم في صنعه دون أي شك، يعني نتنياهو كان محقاً في قوله "إن الإعلام الإسرائيلي كان مجنب ضده"وقد كان مجنب ضده، الإعلام له دور، ولكن النخبة الإعلامية الإسرائيلية في نهاية المطاف تحب حزب العمل أوروبية الطابع، علمانية الطابع، ليس لديها بديل عن حزب العمل، تحاول أن تضغط على باراك لكي لا يتفرد بالسلطة، وتناصر نخباً في داخل حزب العمل ضد نخب أخرى، بمعنى محاولة باراك التعامل بشكل (نابليوني بونابرتي) مع السلطة، وتحييد الحزب الذي أوصله إلى السلطة صنع ردة فعل..

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: مع السلطة الإسرائيلية..

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: السلطة الإسرائيلية طبعاً، هو كلمة السلطة.. السلطة الإسرائيلية، محاولته تحييد الحزب الذي أوصله إلى الحكم -دعنا نستعمل كلمة الحكم - صنعت رد فعل سلبي جداً في الإعلام الإسرائيلي الذي.. الذي أوصله إلى السلطة.. إلى الحكم، لأنه هنالك نخب أخرى في حزب العمل بيريز واللوبي الذي من حوله: (بيلين)، (ابراهام بورج) (حاييم رامون) هذه الفئات لها -أيضاً- نصيبها الإعلامي في أوساط ليبرالية علمانية، ولديها تأثيرها، وتحاول أن تستعطف وتستدر ضعف.. عطف هذه القوى ضد باراك، ولذلك هذا الذي شاهدناه باراكياهو وغيره هو صراع داخل النخبة التي وصلت إلى السلطة، لن يصل في لحظة من اللحظات إلى تفضيل اليمين عليه سيبقوا وراءه، سيبقوا في نهاية المطاف وراءه.

عبد الله السعافين: الأراضي الفلسطينية شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً في أعمال المقاومة وصلت إلى حد إطلاق نار على جنود ومستوطنين، هل سيؤدي ذلك أو هل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي بقدرة باراك على تحقيق الأمن لهم؟

د. عزمي بشارة: يعني هو لا يستطيع –باراك- أن يستمر في الاستيطان حول القدس، وأن يستمر في تهويد القدس، وأن يستمر في الحصار المضروب على غزة، وعلى اقتصاد الضفة الغربية لقطاع غزة، وأن تستمر مصادرة الأراضي اليومية في الضفة والقطاع، وبناء الطرق الالتفافية وألا يتوقع رد فعل، قد يحصل رد فعل.. رد الفعل هذا لديه نتائج عديدة هو سيحاول تحميل السلطة مسؤولية ردود الفعل، وسيحاول أن يكبل يد السلطة في المفاوضات نتيجة لرد الفعل هذا، ولكن في نفس الوقت يوجد رد.. يوجد تأثير إسقاط آخر لرد الفعل عليه في المجتمع الإسرائيلي، وهو أين الأمن الذي وعدت فيه؟

هذا بالنسبة للبنان، هذا أيضاً بالنسبة للضفة الغربية، في حالة لبنان لديه من يقول له مثل (موشي أرنز) وزير الدفاع الإسرائيلي السابق لا تخاف ولا تتردد هنالك اختراقات لتفاهمات نيسان، اضرب البنية التحتية للبنان، كما فعلنا، وحسب نموذجك نموذج (عناقيد الغضب) و(يوم الحساب) الذي أعده رئيس الأركان باراك، والمستفيد من حرب الخليج، الذي يعتبر حرب الخليج مثاله الأعلى لحرب معقمة، ويسميهاSterilize war حرب معقمة، بمعنى لا يسقط لك فيها ضحايا، ويسقط فقط للخصم فيها ضحايا..

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: مؤخراً حرب البلقان.

د. عزمي بشارة: إيه.. نعم، ومؤخراً حرب البلقان، فلماذا لا تستفيد من هذه وتضرب؟ في حالة الضفة الغربية وقطاع غزة، كيف سيقصف بالطائرات، سيضرب بنية تحتية لن يستطيع، في حالة الضفة الغربية وقطاع غزة، صحيح أنها معقدة كثيراً بالنسبة لنا ، بالنسبة للحل أكثر تعقيداً من حالة الجولان ولبنان، والوصول إلى حل فيها أعقد، ولكن علينا أن ندرك أنها أيضاً أكثر تعقيداً بالنسبة للإسرائيليين.

مدى تأثير السلام على زعزعة وحدة المجتمع الصهيوني

عبد الله السعافين: عوداً على موضوع الأمن -دكتور عزمي- يعني إذا شعر الإسرائيليون بالأمن وتضاؤل التهديد الخارجي، ويقال أن الانقسامات والخلافات الموجودة -أصلاً- في المجتمع الإسرائيلي علماني متدين إشكيناز، سفرديم ستظهر إلى السطح بشكل يهدد وحدة هذا المجتمع، أريد أن أسمع رأيك في هذه المقولة؟

عزم بشارة: نعم، هذا أنا أعتقد كلام.. يعني شو تقولوا في العبرية هنالك مثل "فرح الفقراء" هذا فرح الفقراء، هذا فرح من ليس له استراتيجية في مواجهة إسرائيل، يعتقد إنه إسرائيل ستنحل، ستهبط، ستنهار نتيجة لتناقضاتها الداخلية إذا ما صنعنا معها سلام!! يعني بقدرة قادر يتحول السلام إلى استراتيجية مواجهة، وهو في الواقع سلام ناتج عن العجز في المواجهة، عن عدم القدرة على المواجهة، وتوقع أن المجتمع الإسرائيلي سينهار نتيجة لتناقضاته الداخلية والتعددية فيه، كتوقع إنه فرنسا ستنهار أو أي دولة أخرى ستنهار نتيجة للتعددية الحزبية فيها.

نحن نعتقد ونعزي أنفسنا بغياب الديمقراطية، أن الديمقراطية ضعف!! فالواقع أن الديمقراطية قوة، هي إثبات لتماسك وقوة النسيج الاجتماعي الجامع تسمح لك أن تصنع تعددية، وصنع التعددية في أوقات الحرب أصعب منه في أوقات السلام وليس العكس، يعني المجتمع معبأ، ومجرد أن يستطيع أن يتظاهر في أثناء المواجهة مع العرب ليس أكثر صعوبة من أن يفعل ذلك في أوقات السلام، وهو يفعل ذلك في أوقات الحرب، مع أنه المفروض أن يكون معبأ في أيام الحرب ومجند. الآن لا شك أن هنالك تناقضات في المجتمع الإسرائيلي، ولكن هنالك جامع قومي لهذه التناقضات، وهنالك عملية "عبرنة" قوية في الجيش، في الثقافة.. في الحضارة، وهنالك إجماع قومي على قبول قواعد اللعبة الديمقراطية لتنظم عملية تبادل السلطة ضمن الإجماع الصهيوني، وهنالك احترام لاستقلالية القضاء، وهنالك إعلام مستقل، وليس هنالك خطر من انقلابات عسكرية، لأن الجيش هو الشعب، و الشعب هو الجيش.

ومع ذلك أنا أقول أن هنالك تناقضات قد تهز المجتمع الصهيوني من الأعماق في حالة حرب أو في حالة سلم، أحد هذه التناقضات الأساسية، التناقض بين الدين الدولة، والدين والأمة، وهو التناقض الذي رافق الصهيونية منذ مائة عام منذ بدايتها!!

يعني يجب أن نفرق بين تناقضات ثانوية مثل التناقضات الطائفية والتناقضات الطبقية وغيره، وتناقض جوهري من هذا النوع، مثل العلاقة بين الدين والدولة، لأن العلاقة بين الدين والدولة تمس جوهر الصهيونية كحركة تعرف الانتماء الديني كانتماء قومي في آنٍ معاً، الحديث هنا عن فصل الدين عن الدولة يبدأ بزعزعة كل المفاهيم من جديد، ولذلك أنا أقترح أن ننتبه إلى هذا الصراع مثلاً..تحديداً الصراع القومي مع العرب، هذا صراع أساسي خاصة العرب في الداخل بعد السلام، العرب في الداخل بعد السلام سيشكلون نسبة لا بأس بها من السكان، وسيطرحون موضوع المواطنة والمساواة، التناقض بين المساواة والصهيونية، هذه التناقضات سترافق هذا الكيان فترة طويلة، وسيكون لها شأن.. دعني أقول.

أبعاد زيارة الدكتور عزمي بشارة إلى سوريا

عبد الله السعافين: قمت بزيارة سوريا في الآونة الأخيرة عدة مرات، ولا شك أنك حملت رسالة في كل مرة؟

عزمي بشارة: لا.. هنالك شك كبير في ذلك، نفيت ذلك كل مرة، لم أحمل ولا في مرة أي رسالة، على فكرة أنا لا أعتبر حمل الرسائل جريمة، ولكن.. ولذلك.. ولو حملت لقلت، وهنالك ناس حملوا رسائل وقالوا أنهم حملوا رسائل، ولكن لم أحمل أية رسالة لا من إسرائيل ولا من سوريا.

عبد الله السعافين: في الآونة الأخيرة شهدت العلاقة بين السلطة الفلسطينية أو بين زعيم السلطة.. رئيس السلطة الفلسطينية والمسؤولين السوريين توتراً على خلفية الاتهامات، أو التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع السوري مصطفي طلاس ضد رئيس السلطة الفلسطينية، هل تتوقع أن العلاقة فعلاً بين السلطة الفلسطينية وسوريا في أسوأ حالتها الآن؟

د. عزمي بشارة: دعني أقول ما يلي: إنه حتى في.. يعني الفلسطينيون لا يمكن أن يخسروا إذا استردت سوريا كل هضبة الجولان لحدود الرابع من حزيران، وإذا استرد لبنان السيادة على أراضيه كلها، هذا هو الموقف الرسمي الفلسطيني، والسوريون واللبنانيون سيكونوا أسعد ناس لو الفلسطينيين حققوا كل حقوقهم المشروعة، وأقاموا دولة، وكانت القدس عاصمتها ، وحلت مسألة اللاجئين، على الأقل قضية اللاجئين يوجد فيها تشابك في العلاقة بين سوريا ولبنان وبين الشعب الفلسطيني، ولذلك دعنا نقول: إنه التناقضات التي تنشأ من حين وآخر، والتي يثقلها عبء فهم تجربة تاريخية معينة منذ عام 70، هذه التناقضات التي تنشأ ليست في مصلحة أحد من الطرفين.

عبد الله السعافين: هل كانت زيارتك إلى دمشق زيارة خاصة .. شخصية؟

د. عزمي بشارة: هي زيارة سياسية لها طابع خاص، بمعنى إنه سافرت شخصياً، بمعنى ليس بوفد رسمي، ولا بوفد حكومي، ولا بوفد شيء، ولكن لابد يعني في نهاية المطاف من لقاء مسؤولين سوريين رسميين، وللتداول في الأمور ولطرح..

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: في أي أمور؟

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: في في الأمور السياسية الراهنة..المفاوضات، أنا أطرح تحليلي للأمور في إسرائيل من وجهة النظر في داخل إسرائيل لعملية صنع القرار في إسرائيل ، وماذا يجري؟ وما هي التناقضات؟ وما يمكن توقعه من باراك؟ وما لا يمكن توقعه من باراك؟ وكيف بالإمكان؟ وكيف..من الضرورة أن نخاطب الرأي العام الإسرائيلي ونؤثر عليه؟ أسمع من مصدر أول الموقف السوري، وأتأكد يعني من الموقف السوري.

عبد الله السعافين: ما هو الرأي أو التحليل الذي نقلته إلى السوريين فيما يتعلق بإمكانية، أو عدم إمكانية الانسحاب الإسرائيلي من الجولان؟

د. عزمي بشارة: طويل، يعني أحتاج إلى ساعات للتحليل، ولكن دعني ألخص، إنما التلخيص.. أي تلخيص يبدو سطحياً، ولكن لو كان هنالك وقت لتعمقنا في الأمور، باراك لا شك إنه في موضوع الجولان.. رغم استعداد نتنياهو–على فكرة- لحل وسط إقليمي في الجولان، يعني هو يكذب عندما يقول: لا، كان مستعداً لحل وسط إقليمي في الجولان من نوع معين لم يكن مقبولاً عند الإخوة العرب..

عبد الله السعافين: لم يكن مقبولاً عند السوريين؟

د. عزمي بشارة: نعم، طرحه، طريقته، أسلوبه، عدم تعهده، عدم وضوحه في موضوع الرابع من حزيران كل هذه الأمور، في حالة باراك هنالك فرق يعني عبر عن عدة مواقف ويرى الفرق بين باراك ونتنياهو أنه يرى إنه السلام مع سوريا هو قضية استراتيجية، وليست قضية علاقات عامة، هي قضية استراتيجية من الدرجة الأولى، لأنه في نهاية الأمر هي يعني تغلق حلقة.. يعني قيل كثيراً أن الحرب غير ممكنة دون مصر والسلام غير ممكن دون سوريا، باراك يدرك ذلك، باراك أيضاً يدرك خلافاً لليمين الإسرائيلي، إنه من الصعب الانسحاب من طرف واحد من لبنان دون تسوية مع سوريا، وهذا ليس إدراك باراك الشخصي، هنا باراك يمثل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، هذا بحد ذاته –دعني أقولك- نموذج إستراتيجي للعلاقة، لرؤية كيفية الضغط، وأين نضغط في حالة التعامل مع الطرف الإسرائيلي.

أنا أشبه المرحلة الحالية بنوع من عض الأصابع، يعني.. باراك في نهاية المطاف لدية فترة محددة ليرجع للجمهور الإسرائيلي ويقول: حليت المسألة اللبنانية، وجدت لها حلاً، وهو مقتنع أن الحل غير ممكن بدون تسوية مع سوريا، و لكن يحاول أن يوهم إنه إذا لم تتجاوب معنا سوريا سننسحب من طرف واحد من لبنان مثلاً، هنا يجب أن تكون هنالك قوة صبر وقوة احتمال، وقوة صمود، لدى الطرف الآخر يقول: افعل ما شئت، انسحب من حيثما شئت، الرابع من حزيران ليس خاضعاً للتفاوض، السيادة السورية على الجولان ليست خاضعة للمفاوضات، ما يخضع للمفاوضات والترتيبات الأمنية، نوع السلام، ترتيبات المياه، ولكن (242) الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلت عام 67 ليس موضوع المفاوضات، بل مبدأ المفاوضات، نحن يجب أن يكون.. و هذا كان حتى الآن الموقف السوري، باعتقادي سيستمر أنا أقول يكون.

عبد الله السعافين: هناك يعني قول أو انطباع عند في بعض الأوساط بأن إسرائيل تستخدم أعضاء الكنيست العرب كرأس جسر للتطبيع مع جيرانها؟

د. عزمي بشارة: يعني فلتستخدم، يعني إذا كانت تستخدم النواب العرب كرأس جسر للتطبيع وبين جيرانها فلتستخدم.

عبد الله السعافين: وفي هذا الإطار تأتي أو قد تأتي زيارتك إلى سوريا؟

د. عزمي بشارة: لا، لا يمكن أن تأتي في هذا الإطار لسبب بسيط، لا أعتبر ولا بأي حال من الأحوال –لا أنا ولا القوميين العرب حتى الراديكاليين- العلاقة بين التيارات القومية العربية تطبيعاً، بالعكس نعتقد إنه كانت فرصة تاريخية طويلة أن نؤسس علاقات بين المليون عربي في إسرائيل وبين الأمة العربية، وفوتت هذه الفرصة، وهذا باعتقادي كان خطأً، يجب فتح الأبواب على مصرعيها أمام

-على الأقل- التيارات الوطنية والقومية عند عرب الداخل، يعني العلاقة بين فلسطيني وافلسطيني وبين عربي وعربي هذا تطبيع !! إذا ما استُغلَّ ذلك من أجل التطبيع يكون تطبيع ونحاربه.

دور العرب في الكنيست لحل مشكلة اللاجئين

عبد الله السعافين: لماذا لا تقوموا أنتم -أيضاً- فلسطينيّ إسرائيل الممثلين في الكنيست الإسرائيلي بطرح بعض هذه القضايا داخل الكنيست الإسرائيلي مثلا من حق فلسطينيّ 48 الذين يعيشون في الشتات الآن في العودة إلى قراهم ومدنهم، لماذا تتركوا هذا الأمر للسلطة الفلسطينية تتفاوض عليه؟

د. عزمي بشارة: ومن قال إننا لا نطرحه، شوف يا أستاذ.. هنا في موضوع اللاجئين منا طبعاً ليس كلنا، أنا قلت لك إنه لا تأخذ موضوع النواب العرب في الكنيست، نحن نتعاون كثيراً مع قضايا العرب في الداخل.. مع قضايا المواطنين العرب، ولكن سياسياً نحن من مشارب مختلفة، هنالك أعضاء في أحزاب صهيونية، هنالك أعضاء في أحزاب تقليدية إسلامية، هنالك تيار قومي، هنالك تيار يساري، يعني نحن مختلفين، في موضوع اللاجئين على الأقل نحن في الكنيست السابقة طرحته عدة مرات كنائب.. أوضاع لاجئين لبنان، أوضاع اللاجئين.. وطرح عدة مرات، ليس مرة واحدة.. واحد.

اتنين: نحن نطرح قضية هامة جداً ولها علاقة هائلة بحق العودة هي قضية لم شمل العائلات، يعني لديك مئات، آلاف وليس مئات من الحالات فلسطيني الجليل والمثلث الذين يريدون أن يأتوا بأقاربهم من الخارج، لو كان يهودياً لسمح له، ولكن لأنه عربي لا يسمح له، لماذا لا يسمح له؟ هنا نلاحق آلاف الملفات من عائلات.. إما تزوج ابنة عمه من الضفة، أو تزوج قريبة له من لبنان في أوروبا، أو إلى آخره.

ونسأل لماذا لا يحق لها أن تأتي، أو يحق له أن يأتي، ومحاكم،و قضايا، بالعكس هذه القضايا مثارة، موضوع لاجئي لبنان تحديداً أنا أثرته في كافة المحاور الدولية ويمكن ليس فقط في.. في الكنيست نعم، ولكن في كافة المحافل الدولية مثلاً لإدراك أن وضع اللاجئين في لبنان المدني، نحن لا نبحث عن حقوق سياسية وقومية في لبنان نبحث عن حقوق مدنية في لبنان إلى حين تحل مسألة اللاجئين، الوضع المدني للاجئين في لبنان لا يمكن احتماله، غير إنساني.

عبد الله السعافين: تقصد لابد أن تحل في إطار عودة هؤلاء اللاجئين إلى..؟

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: السياسية.. حقوقهم السياسية يجب أن تحل في إطار حق العودة، ولكن الحقوق المدنية هي حيث يقيمون، يعني يعني يجب أن يعيشوا عيشة..

عبد الله السعافين [مستأنفاً]: هل كان طرحكم للعلاج من الناحية سياسية، أم مدنية؟

د. عزمي بشارة: هنالك جانبان للموضوع، عندما نعالج موضوع اللاجئين في لبنان حالياً، نحن نتحدث عن حقوقهم المدنية: حقهم في العمل، حقهم في الإقامة، حقهم في العلاج، حقهم في السفر، هذا مش معقول إلى حين تصبح العودة يعيشون كما يعيشون الآن.. هذا من ناحية، من ناحية أخرى حقوقهم السياسية في ظل التوازن الطائفي اللبناني –باعتقادي- غير ممكن، ونحن لا نريد أن نتجاوز موضوع حقهم بالعودة إلى وطنهم، وهو حق نصت عليه كافه قرارات الأمم المتحدة، ولا يجوز التخلي عنه.

وبالتالي موضوع الحقوق السياسية هو موضوع للعملية السياسية وللمعركة السياسية القادمة، ولذلك هنالك بندان للطرح، من ناحيتنا في الداخل، نحن نطرح الأمرين: حق اللاجئين في العودة أمام الكنيست، ونحن نطرح يعني على الأقل نحن كتيار يدعو إلى دولة لجميع مواطنيها ويرفض الطبيعة الصهيونية للدولة، ونحن تميزنا بهذا الطرح، نقول حق العودة الإسرائيلي حق عنصري، يعني قانون العودة الإسرائيلي.. قانون العودة الإسرائيلي كما هو.. هو قانون عنصري!! نقول ذلك، يعني نحن نعبر عن رأينا بذلك..

عبد الله السعافين [مقاطعاً]: لأنه مقصور على اليهود فقط؟

د. عزمي بشارة [مستأنفاً]: لأنه مقصور على اليهود فقط، ولأنه غير عقلاني، ولأنه غير منطقي، ولأنه قانون غيبي إلى حد بعيد، من ناحية أخرى.. نحن نقول إن أولئك الذين هُجَّروا من بلادهم قبل خمسين عام ليس لهم حق العودة، أي في حين هذا الحق يعترف به وفي كل دول العالم، ويعترف به الأمم المتحدة، ويجدد سنوياً هذا الحق في قرارات الهيئة العامة.

العلاقة بين فلسطيني الداخل وفلسطيني الضفة والقطاع بعد الحل النهائي.. إن وجد بالفعل

عبد الله السعافين: دكتور عزمي بشارة، كيف ترى شكل العلاقة بينكم فلسطيني الداخل وبين الفلسطينيين في الضفة والقطاع بعد الحل النهائي؟

د. عزمي بشارة: يعني بعد الحل النهائي.. نهاية العالم، يعني.. هذا يقترب من وجود حل نهائي، أنا _بتواضع _أعتقد إنه لا يوجد حل دائم للقضية الفلسطينية في الأربع سنوات القادمة، أنا أعتقد أنه بعد واي ستأتي الأزمة، وهي التناقض بين الإجماع الوطني الفلسطيني والإجماع القومي الإسرائيلي على قضايا القدس واللاجئين والحدود والسيادة والاستيطان.

أنا أعتقد إنه في هذه القضايا لا يوجد حل دائم في المرحلة القادمة، وبالتالي يجب أن نفترض إنه نحن والفلسطينيون سنكون سويةً فترة طويلة من الزمن سويةً، وباعتقادي كنا سويةً منذ عام 67، والحركة الوطنية الفلسطينية وجزء من التيارات السياسية الفاعلة في الوسط العربي في إسرائيل أضاعت فرصة تاريخية أن نلتقي أكثر، يعني أنا أمضيت عشر سنين من حياتي في الضفة الغربية في جامعة بيرزيت وآخرون كذلك، ولكن كأفراد، ألم يكن من الممكن أن تكون جامعة عربية مشتركة لنا مثلا؟ ألم يمكن أن تكون حتى تيارات سياسية مشتركة، مشاريع اقتصادية مشتركة؟حتى الزواج كان يمكن يكون أكثر اختلاطاً مما هو الآن.

وأنا أعتقد إنه افتراض أننا سننفصل في نهاية المطاف عن بعضنا البعض، وسيكون لنا مصيران مختلفان تماماً، وليس مختلفان نسبياً، وإنما مختلفان بشكل مطلق، هذا الاعتقاد دفع إلى عدم وجود علاقة وثيقة، وإنما علاقة تضامنية، أنا لا أفهم تضامن بين شعب وشعب، بين شعب ونفس الشعب، إذا ما.. إذا لم تقم دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها (..) ولم يكن هناك انفصال سياسي كامل، هذا باعتقادي سيكون علينا أن نجلس ونفكر طويلاً وملياً في نوع العلاقة بيننا، لأنه سنعيش في نفس الفضاء السياسي، في نفس الفضاء الجغرافي، في نفس الفضاء الاقتصادي، في نفس القضاء البيئي.

عبد الله السعافين: المرحلة القادمة ستشهد بدء المفاوضات على المرحلة.. على قضايا الحل النهائي: القدس ، اللاجئين ، المستوطنات.

د. عزمي بشارة: نحن درسناها الآن، نعم.

عبد الله السعافين: رأيك في مصطلح الحل النهائي؟ هل يوجد بالفعل شيء كهذا؟

عزمي بشارة: هم يستخدمون كلمة حل دائم، بالإنجليزية Final Status حل نهائي أو وضع نهائي.. وضع نهائي، طبعاً في التاريخ لا يوجد أوضاع نهائية، ولكن إذا ما وقعت على اتفاقية حل دائم، فهذه اتفاقية حل دائم في ظل النظام الدولي المعطى هذا حل دائم، ولذلك أنا أخشى كثيراً من التوقيع، هذا ليس توقيعاً بسيطاً، هذا ليس توقيع على مرحلة انتقالية، هذا توقيع يصفي ضمن القانون الدولي والنظام الدولي القائم إلا إذا قامت القيامة يعني إلا إذا قامت القيامة في النظام الدولي القائم هذا حلاً دائماً، أنت تصفي مجمل القضية الفلسطينية، وتقول هذا الكيان الفلسطيني الذي قام يمثل الآن حلاً وسطاً تاريخياً مع.. في المعركة مع الصهيونية منذ مائة عام: اللاجئين نحله هكذا، الاستيطان نحله هكذا، القدس نحله هكذا، وبالتالي يجب الحذر من التوقيع هذا ليس مرحلة انتقالية، ولذلك أيضاً أحذر وأقول : إنه إذا ما يعرضه الإجماع الوطني الإسرائيلي وليس باراك وحده، علينا الآن لا يختلف كثيراً عما لدينا، ماذا يقترح علينا؟ السلطة؟ لدينا سلطة، أرض؟ بتعديلات بسيطة ولكن الأرض موجودة.. بتعديلات بسيطة، ولا يطرح سيادة، القدس محرومين منها، في الحل الدائم الذي يقترحه.. يقترحه باراك محرومين منها، اللاجئين.. لا يعترف باراك بوجود قضية لاجئين، لا يتعامل معها، أي شيء إضافي يعطي إلنا إياه ما يسمى الحل الدائم.. فقط يطلب توقيع فلسطيني على تصفية الموضوع، يجب ألا يتم هذا التوقيع، لن يوقع أحد على القدس، ولن يوقع أحد على بقاء المستوطنات، ولن يوقع أحد على إعطاء إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن يوقع أحد على تغريب اللاجئين، وبالتالي لا يوجد حل دائم، وبالتالي المسألة الفلسطينية مسألة مفتوحة للأيام.

عبد الله السعافين: أو على الأقل هذه توقعاتك، دكتور عزمي بشارة شكراً جزيلاً..

د. عزمي بشارة [مقاطعاً]: نعم.. هذه رغباتي، أفضل..

عبد الله السعافين: دكتور عزمي بشارة، شكراً جزيلاً.

د. عزمي بشارة: شكراً لكم، أهلاً.

عبد الله السعافين: كما أشكركم أعزائي المشاهدين على حسن المتابعة، وهذا عبد الله السعافين في لندن يتمنى لكم أطيب الأوقات، وإلى اللقاء.