تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

في ذكرى الوحدة المصرية السورية

2010-03-01

أهمية وجود مشروع عربي وماهية المشروع المنتظر
موقع المواطنة وأسسها وخصائص الهوية العربية
التجارب القومية العروبية وموقع الديمقراطية في المشروع المنتظر
علاقة العروبة بالإسلام وخطوات تدعيم المشروع العربي

علي الظفيري: أيها السادة أهلا بكم. سجل التاريخ الحديث الكثير من المحاولات الجادة لصياغة مشروع عربي تجسد معظمها في إطلاق شعار الوحدة بين أقطار الأمة جمعاء أو بعض منها على الأقل، فشلت معظم هذه المحاولات ولكن هذا الفشل لم ينجح في إجهاض الحلم العربي ولم يكن من باب الصدفة أن يتزامن ذلك الحلم والطموح العربي والعثرات التي وقفت في طريقه أن يتزامن مع وجود الاستعمار بنسخه المختلفة والمشروع الصهيوني الاستيطاني المزروع في جسد تلك الأمة. إن تهما على شاكلة الخشبية والتحجر والشعاراتية والأيديولوجية والأحلام الواهمة أطلقت باتجاه مشاريع وأفكار الوحدة العربية لكن لم تتفضل تلك الأصوات بتقديم ما هو بديل لتلك المشاريع خاصة وأن زمنا قد مضى على ذلك المد القومي العروبي الذي ساء وأزعج البعض أكثر مما فعل المد الاستعماري الأوروبي والأميركي زائدا المشروع الصهيوني الإسرائيلي. الليلة أيها الإخوة حديث عن المشروع العربي ما مضى منه وما هو آت، فأهلا ومرحبا بكم.

أهمية وجود مشروع عربي وماهية المشروع المنتظر

علي الظفيري: معنا للغوص في عمق هذه القضية المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، مرحبا بك دكتور، وسؤالنا الافتتاحي أنه هل يبدو منطقيا بعد قرن من التجارب والمشاريع الوحدوية العربية العروبية بشكل عام والفشل الذي ربما أصاب معظم هذه المشاريع هل يبدو من المنطقي الحديث الآن عن مشروع عربي؟

عزمي بشارة: طبعا ما دام هنالك عرب وهنالك يعني طموحات وهنالك خيال عربي وهنالك قيم عربية وهنالك قيم وطموحات وكذا يبقى هنالك أمة تريد مشروعا، يعني لم تعبر بعد عن ذاتها بشكل من أشكال حق تقرير المصير إن كان في اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي أو في مشروع ثقافي متماسك أو في سياسات أمن غذائي مشتركة أو في وصل أرجاء العالم العربي ببعضه البعض، لا توجد قضية واحدة تواجه الإنسان العربي في أيامنا إلا ومرتبطة بتحقيق طموح ما بهذا الاتجاه ولا يوجد موضوع يغضب الإنسان العربي ويحبطه ويشعره بالمرارة أكثر من هذا الموضوع وهذا دليل ليس على عدم أهميته وإنما هذا دليل على أهميته، وأنا أكاد لا أستطيع أن أفكر بقضية واحدة، قضية واحدة، اضرب أي موضوع يشغلنا الآن قضية فلسطين القضية الطائفية الأمن الغذائي الجفاف تلوث البيئة الأمن القومي الحدود لا توجد قضية واحدة هذا الموضوع لا يدخل فيها وحلها لا يتعلق بقدر أو بآخر بهذا الموضوع، إذاً مسألة المشروع العربي ليست مسألة كماليات ولا مسألة زعماء يجتمعون وتذهب موضتهم ويذهبون مع مزاجياتهم ونرجسياهم ومن صفقوا لهم ومن لم يصفقوا لهم، هذه قضايا عابرة في النهاية الهموم التي تنعكس في فكرة المشروع العربي هي هموم وجودية بالنسبة للمواطن العربي لا قضية.. هو أصلا الشعارات هي الشعارات ضدها هي بالعكس هي قضية وجودية حياتية كل ما تكلم ضدها تكلم شعارات كل ما طرح ضدها تحدث شعارات لأنه كان يبتعد عن واقع الناس، إذا كان الشعار هو أمر منفصل عن واقع الناس يخلق لنفسه ديناميكية وحياة خاصة به فلا يوجد أكثر شعاراتية من شعار رفض هويتنا العربية لأنها واقع لأن كل ما طرح خلافا لها كان ضد الواقع ومخالفا للواقع.

علي الظفيري: ماهية هذا المشروع العربي الذي يدور اليوم في الأذهان بشكل عام وفي ذهن الدكتور عزمي بشارة بشكل خاص؟

عزمي بشارة: يعني بالطبع التجربة علمتنا فكرة أن يتم اتحاد عربي كما تم في حالة القوميات في أوروبا والتي يحب الناس أن يقلدوها خاصة في الدول العلمانية الديمقراطية الليبرالية، تجربة القوميات هناك تم توحيدها بالقوة وبالحرب والقوميات اللي العرب النيوليبراليين العرب هم الأكثر إعجابا فيها هي الأكثر دموية في واقع الحال، تم توحيد ألمانيا بالحرب وتم توحيد إيطاليا بالحرب ولكن النماذج الأكثر علمانية تم توحيد فرنسا بالحرب وتم فرض اللغة الفرنسية بالحرب على الناس تم فرض الدين أيضا، الدين على.. الناس على دين ملوكها هذا المبدأ في فترة ثورة الإصلاح، أنه إما أن تتبنى دين الملك أو تهاجر، تم توحيدها الحالة البريطانية في عدة حروب دموية للغاية، لم يعد هذا ممكنا في أيامنا ليس لأن القومية العربية فشلت، لأن طبيعة النظام الدولي اختلف وطبيعة مفهوم حدود الدولة وقوة الدولة وسيادة الدولة مختلف تماما عن حالة الإمارات الألمانية أو الإيطالية أو حالة بريتونز في فرنسا أو حالة ويلز واسكوتلندا في علاقتها مع إنجلترا، الأمور اليوم اختلفت تماما من حيث حالة الدولة نفوذها قدرتها شموليتها، كل الدول في أيامنا شمولية الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية ليس بمعنى أن هنالك تساويا بين الديمقراطية والدكتاتورية لا طبعا لا، هنالك فرق جوهري ولكن في قدرة نفوذ الدولة وتخللها حياة الناس لم يعد بالإمكان كما علمت التجربة أن يحلم القوميون العرب كما حلم ساطع الحصري أن تقوم مصر بدور بروسيا، بدور بسمارك في توحيد ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر، لم يعد هذا ممكنا وكل المحاولات التي تمت بعد ذلك كانت كاريكاتورية للغاية. يبدو لي أن الوحدة العربية يجب أن تكون اتحادا سياسيا بين كيانات في المستقبل ولكن ليس هذا هو الأمر الأهم لأن هذا طموح للمدى بعيد مرتبط بالإرادة السياسية في هذه الدول وإذا لم تتحقق إنما بقلب هذه الأنظمة وبالديمقراطية، لأن الديمقراطية لا بد أن تؤدي إلى الوحدة إذا لم ترغب هذه الأنظمة ولكن ليس هذا هو الأمر الأساسي لأنه فعلا عملية طويلة ومشروع ضخم يتطلب يعني كل طاقاتنا لتحويل النظام السياسي العربي إلى نظام ديمقراطي يعبر عن إرادة الجماهير في الاتحاد وليس الوحدة، الاتحاد الديمقراطي. ولكن الآن المشروع العربي هو أكثر من ذلك، هو قضية الحفاظ على الهوية داخل كل بلد عربي، عدم وجود هوية عربية متماسكة تؤدي إلى انحلال عقد الدول القطرية الآن يعني ثبت تاريخيا أن أولئك الذين تحدثوا عن تراجع المشروع القومي العربي أن فيه قوة للدولة القطرية ثبت العكس، أن تراجع الهوية العربية وتراجع المشروع العربي ومحاولة إبراز بدائل أخرى لم يؤد إلى نجاح هذه البدائل وتحولها إلى هويات في وجدان الجماهير لأن هذه القضايا الهوية متعلقة جدا بمسألة الانتماء والوجدان والتماهي مع الكيانات القائمة وإنما إلى نشوء حالات طائفية أو مذهبية وحالات عشائرية وحالات جهوية انتماءات جهوية حتى عند ناس من نفس الطائفة كما نرى الآن في اليمن وغيره، اللي تتجه باتجاهات أقصد يمن جنوبي شمالي وليس الحوثيين بنفس المذهب ونفس الطائفة ونفس.. يعني تنحو مناحي إما قبلية أو عشائرية أو غيره، إذاً مسألة المشروع العربي أصبحت مصيرية للكيانات العربية القائمة وحدة مجتمعاتها لكي يكون بالإمكان تنظيم حياة هذه المجتمعات دون حالة من الحرب الأهلية الباردة أو الساخنة بين كيانات في داخلها لأنه كل الوقت أنت منشغل بتوزانات بين هويات في داخل البلد لا تستطيع لا أن تنحو منحى ديمقراطيا ولا أن تنظم استقلالا وطنيا ولا سيادة وطنية وإرادة وطنية.

علي الظفيري: وهذه حالة في معظم الدول العربية في السودان في لبنان في العراق في اليمن.

عزمي بشارة: طبعا طبعا وهي حالة الخطر فيها أنها تنتشر باستمرار، هذه قضية، يعني قضية التنسيق يعني مسألة الهوية العربية الآن بدا لي أنه تحدثنا في حلقة سابقة عن التعليم العالي، ما بدنا ننسى أنه شرط أساسي لتطوير التعليم ولتطوير الهوية الثقافية، الشخصية الثقافية للأمة هكذا بفرنسا وهكذا في كوريا وهكذا في أميركا.

علي الظفيري: كيف يحدث ذلك؟

عزمي بشارة: لا يمكن بدون أن تنطلق من الثقافة العربية اللي في مركزها اللغة العربية وهذا أمر متعلق بالتنسيق بين كل الكيانات العربية، لا يمكن أن يتطور الاقتصاد العربي إطلاقا بعلاقات ثنائية بين كل دول عربية على حدة ومحاور أجنبية ولا يمكن تطوير قرار سيادي عربي مستقل بهذا الاتجاه ولا يمكن تطوير أمن وطني بهذا الاتجاه، كل هذه القضايا مرتبطة -قبل قضية الوحدة وقبل تحقيق الاتحاد- مرتبطة بوجود مشروع عربي ما قبل قيام كيان عربي بين الدول العربية القائمة، لدينا مصلحة في قضية التعليم وبناء التعليم العربي لأنه وضعنا الآن كالغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحجل فنسي مشيته، إما تحجر أو تقليد للغرب بشكل لا تصل إلى درجة الغرب وتفقد هويتك اللي انطلاقا منها تستطيع أن تتطور تطورا أصيلا كما تطورت كل المشاريع الحضارية الكبرى ومن ضمنها المشروع الحضاري العربي الإسلامي في حينه.

موقع المواطنة وأسسها وخصائص الهوية العربية

علي الظفيري: طيب دكتور إذا ما أردنا أن نتحدث الآن إلى.. نوجه حديثنا للمواطن مباشرة وأنا أعرف أن هناك شرائح كبيرة جدا من الشباب العربي -عبر متابعتنا في هذا البرنامج وعبر وسائل أخرى- لديهم إشكالية فيما يتعلق بهذا المشروع العربي، البعض يعني يعيش حالة إحباط شديد في هذه المسألة البعض يعيش حالة ضياع والبعض ربما يوجه بطريقة أو بأخرى ضد هذا المشروع، المواطنة في هذا المشروع العربي ما هو موقعها؟ كيف يمكن أن تكون في المشروع المتصور؟

عزمي بشارة: يعني أولا تعرض إلى حملة تشويه كبيرة ارتكب القوميون العرب أخطاء كبيرة في الماضي، وهنالك لأغراض مختلفة يتم الهجوم على المشروع العربي بإيجابياته وسلبياته ولكن يتم تشويهه في الواقع وهذا يؤدي إلى إبعاد قطاعات واسعة من الناس عنه خاصة أنه لم يعد يحكم بشكل جدي في أي دولة عربية ذات كيان حقيقي، ولذلك هنالك مشكلة بين الشباب وهنالك أيضا بقايا خطاب قومي فعلا خشبي وفعلا يجمع ما بين..

علي الظفيري (مقاطعا): ما هي ملامحه؟

عزمي بشارة: يعني التمسك بشعارات الماضي، نبرة خطابية جوفاء إلى حد بعيد، تغني بأمجاد لم تكن، عدم الاستعداد للاعتراف بالأخطاء، هذا كله يؤدي طبعا إلى تنفير الشباب ولكن إذا ذهبت للشباب وسألتهم، قضية الهوية ليست مهمة لك أن تحدد من أنت؟ هل أنت بهويتك السياسية طائفي أم عائلي أم عشائري أم أن هنالك هوية حضارية تجمعك مع مجموع أكبر قائم على اللغة والثقافة؟ هل قضية إلغاء التأشيرات بين الدول العربية تهمك أم لا؟ هل يهمك أن يكون في سياسة قبول موحدة لكافة الجامعات العربية؟ أن يدرس تاريخ العرب بشكل شبه موحد؟ أن تدرس جغرافية هذه المنطقة وليست جغرافية أقطار لا تشكل وحدات جغرافية أصلا؟ ألا يهمك في علاقتك مع الشعوب الأخرى أن تنطلق من هوية أصيلة تفتخر بها وتعتز بها دون أن تتعالى على الآخرين ودون عنصرية ولكن هويتك ذاتك مقابل الفرنسي أو الأميركي أو البريطاني أو الكوري أو الياباني؟ من نحن؟ أنا أعتقد أن هذه قضية ليست فقط لا تهم الشاب العربي..

علي الظفيري (مقاطعا): ماذا عن الهويات القطرية أن أكون مصريا أن أكون جزائريا قطريا سعوديا؟

عزمي بشارة: ليس فقط لا يوجد أي تناقض لم يعد بالإمكان أصلا حصر الشاب في هوية واحدة، مميزات أو أحد أهم مميزات المجتمع الحديث هو ليس تعدد الهويات في المجتمع، تعدد الهويات في المجتمع هذه مميزات القرون الوسطى والمجتمعات التقليدية، أنه هويات مذهبية مختلفة ملل ونحل، ما يميز المجتمع الحديث ليس فقط تعدد الهويات في المجتمع إنما تعدد الهويات عند الفرد، الفرد في حياته اليومية يعيش عدة انتماءات، طبعا ممكن يكون منتميا لقريته ممكن يكون في انتماء وطني شديد الأهمية للبلد الذي يعيش فيه وانتماء أو حلقة انتماء أوسع هي حلقة الانتماء العربي وحلقة انتماء أوسع وأوسع في حالة المسلمين إلى انتماء إسلامي، لا يوجد تناقض بين هذه الانتماءات، أن يكون لديك كشاب عدة انتماءات. ولكن لنبدأ بانتماء المواطنة، انتماء المواطنة هو الذي ينظم علاقة الفرد بالدولة بالكيان السياسي الذي يوجد فيه، هل هذه قضية مرتبطة بالهوية أم هذه قضية مرتبطة بمكانة وحقوق المواطن في الدولة؟ يعني بالإمكان الحديث عن مواطنة تشكل أساسا لهوية إذا كانت الدولة فعلا دولة لجميع المواطنين بمعنى لا يوجد فيها تمييز بين المواطنين على أساس عرقي أو قومي أو على أساس الجنس أو على أساس الدين  أو على أساس المذهب، في مثل هذه الحالة عندما تتشكل مواطنة متساوية تنظم علاقة الفرد بالدولة يصبح للمواطنة أساس يشكل قاعدة جدية لانتماء الفرد إلى البلد، وأنا بأعتقد أن هذا ليس فقط ضروريا ولكن نسأل السؤال التالي أنه إذا جمعك بغالبية المواطنين في الدولة فيما عدا المواطنة رباط آخر متعلق بالتاريخ ومتعلق بالمصير المشترك مع مجموعة كبيرة جدا من الناس وهذا هو أيضا رباط لغوي ورباط ثقافي ورباط وجداني ويحمل كما هائلا من الرموز ومن المعاني المتعلقة بالماضي أنا أعتقد أن هذا فقط يضيف إلى الانتماء ولا يقلل من الانتماء.

علي الظفيري: دكتور في هناك حالة تناحر وتداحر الآن بين مكونات هذا المشروع العربي بين مكونات الدولة العربية، ربما ما شاهدناه في مبارة كرة القدم ربما أنهت.. قيل إنها ربما أساءت لعلاقة كبيرة جدا بين مكونين عربيين الشعب العربي في مصر والشعب العربي في الجزائر، وبالتالي هذه الإشكاليات وهذه العلاقات المتضادة داخل مكونات الوطن العربي توحي بأنه من الصعوبة بمكان أن نصل إلى مشروع جامع لهؤلاء جميعا.

عزمي بشارة: ممتاز، سأجيب على ذلك ولكن بعد ذلك دعني أكمل فكرة المواطنة لأنني لا أريد أن تكون منقوصة بالنسبة للإنسان العادي. أولا في حالة ما حصل -والناس نظرت بألم إلى المشاهد المتعلقة بكرة القدم بين الجزائر ومصر- المفترض أنه أمة واحدة والكثير سئلوا وين العرب وين الإسلام بهذه العدوانية وكذا؟ والعديد من الأقلام والسياسيين استغلوها للحديث عن العرب كعرب، في واقع الحال لو لعبت مانشيستر يونايتد وتشيلسي أو مانشيستر يونايتد وليفربول ولو شفنا مظاهر العنف هذه لما كانت التعليقات بهذا الشكل، عموما مظاهر العنف كلما كانت الفرق أقرب من بعضها من حيث الانتماء يكون العنف أكثر، أنا لا أفهم أين ذهبت سيسيولوجيا الرياضة في كل هذه التعليقات! عموما اللعبة اللي بيسموها بالإنجليزي derby اللعب اللي بين الفرق القريبة في داخل المدينة أو بين المدن المتقاربة نتيجة للتقارب هناك حساسية أكبر للفوز فكان بالحري عندما السؤال هو من يمثل العرب في كأس العالم؟ هذا بيدل على أن العرب مهمين مش مش مهمين، أن الرغبة في أن تمثل أنت العرب وليس غيرك يؤدي إلى هذا الكم من الشحن العاطفي والشعور عند اللاعبين والمشاهدين، هذا شيء، تخيل لو نظرت له هيك وفقد، هذا مع كل السلبية اللي فيه ظاهرة..

علي الظفيري: كويس.

عزمي بشارة:  مش كويس بس ظاهرة من ظواهر التقارب وليس من الظواهر.. من الظواهر السلبية للتقارب إن شئت ولكن تقارب وليس تباعد. وباين أن يستغلها فورا سياسيون ومعلقون وصحفيون لديهم مصلحة في تسخير ذلك لتصعيد هويات جزئية على حساب هذه.. هنا يدخل الشعار، هنا تدخل الشعاراتية، ذاك واقع الحياة، واقع الحياة بين أي مدينتين بين أي قريتين، الشعاراتية الجوفاء تدخل هنا عند الناس الذين يعبئون الناس أنه في هويات جزئية أهم وأن هذه الهويات الجزئية بتتناحر وتسخر لأهداف سياسية عند دول وأنظمة وصحفيين وإعلاميين -أنا باعتقادي إلى حد بعيد غير مستقلي الإرادة، لكي لا أستخدم كلمات أعنف من ذلك- أن يراهنوا على أمر من هذا النوع لتثبيت شرعيتهم على أساس هذه الهويات. هنا هذا يثبت أن كل المحاولات للمس بالهوية الطبيعية العادية القائمة على اللغة والثقافة اللي هي أمر معطى في التعاطي بيننا، أنا من فلسطين وأنت من السعودية والآن نحن في قطر، شوف لماذا اجتمعنا هنا ولماذا نتخاطب ولماذا هذا الهم يشغلنا أصلا لولا أنه في هذا المشترك الطبيعي؟ في حين أن الشعاراتية الجوفاء هي اصطناع هويات غير موجودة، اصطناعها، تصنيعها لأن الهويات تصنع -على فكرة- وتركب وتفكك أيضا عبر عمليات تاريخية اصطناعها وتصنيعها لأغراض سياسية لا يوجد شيء شعاراتي أكثر من ذلك. الأمر الذي أردت أنا أقوله بالمواطنة يا علي وأنا أعتقد أن الشباب بالنسبة لهم هذا موضوع وجودي، لا تفكر أن هذا الموضوع بيشغل الكبار فقط في العمر المنزعجين مش مرتاحين من تحريض على مرحلة بيعتبروها مرحلة على الأقل مضيئة في التاريخ العربي رغم كل سلبياتها، لكن أيضا الشباب، الشباب اللي مش مرتاح بالعلاقات الطائفية في داخل نفس الوطن ولا في العلاقات العشائرية ولا في عدم وجود أمن قومي عربي ولا في تقسيم العرب لمحاور، شباب مش مرتاح مع هذه الأنظمة اللي تحولت كلها إلى أسر حاكمة وإخراجه من السياسة وإلى آخره ومن الهم العام، الشباب مش مرتاح مع الوضع القائم ولذلك يحتاج إلى.. يجب أن نبين له ما يلي: أن حالات تشكيل الأمة بناء على المواطنة وحدها هي حالات قليلة في التاريخ عموما في مجتمعات استيطانية، الولايات المتحدة كندا أستراليا نيوزيلاندة اللي فيها الناس هاجرت من جنسياتها وقومياتها وشكلت بناء على مجتمع المهاجرين الجدد كيانا قائما على المواطنة، فقط في مثل هذه الحالات كانت المواطنة وحدها كافية ولكن ثبت فورا بعدها أنه في توجه هوياتي عنصري تجاه السكان الأصليين ثم نشأت هويات داخلية بحالات الهجرة ثم فجأة تحولت المواطنة إلى ethnicity عبر ما يسمى American way of life عبر الـ WASP، western، Protestant إلى آخره، white.. مش مهم، هلق مصطلح الـ WASP  اللي White Protestant مش عارف شو وكذا.. اللي بيجمع مجموعة هويات مع بعضها البعض وبتشكل الـ prototype العنصر الأصلي أو النموذج الأصلي لما كيف يجب أن تكون لتكون أميركيا، كله نسخ للنموذج الفرنسي يا علي..

علي الظفيري (مقاطعا): طيب ماذا في الحالة العربية؟

عزمي بشارة: هلق بدي أجي على الحالة العربية. كلنا نسخ للنموذج الفرنسي -يا علي- اللي اعتمد المواطنة ولكن كحق للدخول إلى القومية الفرنسية، إذا أردت أن تكون فرنسيا -انظر قضية الحجاب وغيره- عليك أن تتقن اللغة الفرنسية وفرنسوا الجزائر وتونس كمقدمة لضمها للمواطنة الفرنسية، إذاً هنالك شروط ثقافية قومية حتى في الدول التي تعتمد المواطنة وفي الدول اللي فيها سكان أصليين وفي قوميات لغة ethnicity كل المحاولات لبناء أمم جديدة على أساس الانتماء فقط للكيان السياسي، الاتحاد السوفياتي يوغسلافيا تشيكوسلوفاكيا إلى آخره انحل عقدها وإقامة كيان متجانس قوميا سبق عملية تحولها الديمقراطي، حالات الدول التي قامت عليها وأدى إلى مذابح وكل الكوارث التي تعرفها. في الحالة العربية كل المحاولات التي يتحدثون عنها أنه مقابل الهوية العربية الجامعة اللي موحدة لغالبية السكان على الأقل في الدول العربية نطرح دولا على أساس المواطنة أدت إلى إثنيات لا تستطيع الناس حتى أن تتخليها مثل البابلية الفينيقية الفرعونية الكنعانية، أداة الخيال الرئيسية هي اللغة، كيف بده يتخيل الواحد فرعونيا، بأي معنى خارج اللغة والثقافة والدين كيف؟ كيف بدك تكون فينيقيا بتحكي عربي أنت ولغتك الأساسية عربية؟ كيف بدك تكون بابليا ولغة التواصل الرئيسية عندك اللغة العربية أو مثلا ديانتك مسيحية أو إسلامية شو دخلها هي بالبابليين أو بالفينيقيين أو إلى آخره؟ بدل ذلك جرت محاولات لإقامة عنصريات جديدة أكثر عنصرية وأقل أساس من اللغة العربية، أكثر عنصرية من العربية ولكن على أسس مادية أقل بكثير من العربية، وثانيا لم ينجحوا في إقامة مجتمعات مواطنين، وين الأمم اللي قامت على أساس مواطنة في الوطن العربي؟ في عندك دول الخليج الغنية اللي في مصلحة بتجمع المواطنين اللي هي حالة الرفاه العالية التي بتؤكد لك كلمة المواطنة -هنا انتبه لها منيح كلمة المواطنة في دول الخليج- المواطنة.. أكثر دول منتشر فيها كلمة مواطن ومواطنة في الخليج ليش؟ لأنها مرتبطة بحياة رفاه عالية وفي مصلحة في ذلك، فيما عدا ذلك وهذا بالتأكيد الناس قبل أربعين سنة ما كانت تعرف حالها هيك أو قبل خمسين سنة لأنه هنالك نشأت مصلحة اقتصادية، فيما عدا ذلك الدول العربية ذات تعداد السكان العالي ومن ضمنها المملكة العربية السعودية اللي فيها كمان نفط ولكن فيها تعداد سكاني عالي وطبقات وفقير وغني وإلى آخره ولكن الدول العربية الأخرى أين قامت المجتمعات اللي نستطيع أن نقول إنها على أساس المواطنة؟ تشكلت أمة عراقية على أساس المواطنة، مم نعاني الآن في العراق؟ الانقسام المذهبي.. ألم يكن على الأقل ممكنا أنه 80% من العراقيين عرب وتجمعهم الهوية العربية شيعة أو سنة أو غيرهم وتجمعهم المواطنة بالأكراد، لا تجمعهم القومية بالأكراد صحيح تجمعهم المواطنة والدين.

علي الظفيري: وضع الأقليات دكتور أو هذه الأقليات العربية المختلفة من ناحية الهوية العربية ما هو وضعها في مشروع عربي؟ إذا ما تحدثنا هنا نحن عن حقوق المواطن والمواطنة في هذا..

عزمي بشارة (مقاطعا): هذا الموضوع محلول على الأقل بكثير أكثر من أوروبا، حالة الأقليات في أوروبا، الأقليات الدينية أدت إلى حروب ومذابح حالة الأقليات الدينية وفي كانت محاولات لفرض الدين إذا لم تكن على دين -خاصة في حروب الإصلاح الديني في القرن السادس عشر- إذا لم تكن على دين الأمير في تلك المقاطعة عليك أن ترحل، والأقليات العرقية نعرف حالات البلقان وغيرها وغيرها ونعرف مدى تحمل فرنسا وألمانيا وإلى آخره للأقليات التي تجسدت في حالة العداء للسامية وحالة العداء للآخر الداخلي في أوروبا، الهولوكوست هذا ما حصلش في القومية العربية هذا حصل في القوميات الأوروبية اللي بيتغنوا فيها الآن وفي علمانيتها وفي كذا هناك حصل الهولوكوست مش في الحضارة العربية الإسلامية في بلادنا. الآن هي فقط ضروري أعمل هذه مقدمة، غير العرب هنا، العرب نشروا الثقافة العربية والحضارة العربية في هذه البلدان حول الجزيرة العربية قسم من الناس أسلمت وتعربت، في قسم من الناس تعربت ولم تسلم وفي قسم من الناس أسلمت ولم تتعرب، مش هيك؟ تركيا وفارس أسلموا ولم يتعربوا، عموما يعني، الهند قسم كبير منها أسلم ولم يتعرب وقسم لا أسلم ولا تعرب مش هيك؟ كلما بعدت الحلقة تجد الحالة الأخيرة اللي هي لا أسلموا ولا تعربوا ولكن كلما ضيقت الحلقة نجد الأمرين، الإسلام لم يفرض على الناس يعني أنت لديك فاتحون لم يفرضوا الدين على الناس وهذه من الحالات النادرة في التاريخ أن الدين لم يفرض على السكان الأصليين ولكن قسما كبيرا من الناس تعربوا، هذا يثبت لك فقط أن الهوية الثقافية العربية ليست هوية إثنية ولا بالدم ولا بالنسل ولا بالسلالات كله كلام فارغ، الهوية الثقافية العربية والهوية القومية العربية في نتاجها بالقرن التاسع عشر قائمة على هوية ثقافية مشتركة أساسها اللغة العربية واختلاط كل هذه الشعوب مع بعضها في بوتقة الصهر، شمال إفريقيا، طبعا الناس ممكن الآن تختلق أمور والهويات تبنى وتبنى لها لغات وتبنى.. ولكن بالمجمل قبل سبعين سنة وثمانين سنة في المغرب العربي قبل ما تفتعل هذه الأمور الناس لم تر تناقضا بين الإسلام والعروبة وإذا ذهبت إلى مغربي وقلت له أنت مش عربي كأنك بتقول له أنت مش مسلم، يعني يغضب شديد الغضب أنك عم بتقول له مش عربي، شو يعني مش عربي؟ يعني مش مسلم، لأن محاولات التنصير ارتبطت بالاستعمار وارتبطت بنزع الهوية العربية ونشر اللغة الفرنسية في بلدانهم، طبعا من الناحية الديموغرافية غالبية الناس مش معقول يكونوا بأصولهم بالدم عربا يعني بيكون اختلاط أنشأ هذا الهجين مثل كل القوميات الكبرى في التاريخ، الثقافة -وكلمة هجين هنا كلمة راقية مش كلمة.. لأن النقاء الثقافي والنقاء العنصري هذا كلام الفاشست والعنصريين- هذا الهجين الكبير أنشأ هذه الحضارة الكبرى العظيمة اللي اسمها الحضارة العربية الإسلامية اللي فيها ناس من أصول عربية وناس مش من أصول عربية وفيها مسلمون وفيها غير مسلمين، هم جزء إذا بدي أستعمل أنا كلمة مثلا نقول إسلام بأخربط كثيرا الإسلام نستعملها للدين وللعقيدة وللسياسة أنا بأقول مثلما في Christendom للحضارة الإسلامية dom في الآخر في إسلام Islamdom يعني في مدنية إسلامية العرب جزء منها وفي كثير من غير المسلمين ساهموا في بنائها، الآن هؤلاء.. هلق إذا بتروح أنت على دمشق وبتفحص العائلات من وين جاية؟ طيب فالمماليك وين راحوا، مماليك مصر وين راحوا اللي من ألبانيا والشيشان وين راحوا؟ صاروا عربا، نفحص دمهم يعني شو أصلهم! الكثير من الأكراد أصبحوا عربا ولكن في فئات واسعة من الناس رفضت يعني لم تتعرب أو بقيت في مناطق جغرافية معينة وأنشأت طبقاتها الوسطى ومثقفيها ومحاولات لإحياء لغتها القومية، ليس من مجال للاعتراف بهم كهوية منفصلة عن الهوية العربية، يعني نحن آخر من نريد..

علي الظفيري: كردية، أمازيغية، غير ذلك..

عزمي بشارة: ولكن بدون افتعال يعني مش حده يجي الآن ناس تعربت وخلصت يجي يزرع لي بينهم.. يعني إذا أنت بتيجي اليوم بتزرع في دمشق بذرة أنه هذا أصله شركسي وهذا أصله تركي وهذا.. شو بيبقى؟ أو بتيجي بتزرع في الأردن أصول من هذا النوع أو بتيجي بتزرع بفلسطين، إيه بفلسطين في عائلات واضح أن أصولها من ثلاثمائة سنة أو أربعمائة سنة من مناطق كهذه، طبعا هذا مرفوض أي دولة أو أي كيان قومي يدافع عن نفسه لأنه بيعرف أن هذه بذرة شقاق لا نهاية لها، بيكفينا اللي إحنا فيه يعني الطوائف والمذاهب وكذا، أما في واضح وضوح الشمس أنه في كيانات أفراد منها تعربوا كأفراد ولكن بقيت جماعات كبيرة تحافظ على هوية ما وتتمسك بها وفي العصر الحديث تحولت مثلما العربية تحولت إلى هوية قومية، لم تكن الهوية قومية تحولت هويتهم إلى هوية قومية، لا بد من الاعتراف بحقوقهم ولكن أنه الاعتراف بحقوق الأقلية مش معناه نزع حقوق الأغلبية يعني أنه أنا أعترف أنه في أقليات بس عرب ما في، في.. عارف كيف.. يعني في أقليات قومية في الدول العربية بس فيش أكثريات قومية..

علي الظفيري: لا يوجد أكثرية.

عزمي بشارة: بكل الدول العربية فيها أقليات قومية بس فيش أكثرية قومية لأن الأكثرية ليست لها صفات القومية، هذا غير معقول طبعا.

علي الظفيري: دكتور أنا مضطر أتوقف مع فاصل وبعده نطرح أيضا الكثير من الاتهامات التي وجهت للفكرة القومية بشكل عام للقوميين العرب، ما يتعلق بعلاقة القومية بالإسلام تحديدا وكذلك موقع الديمقراطية في هذا المشروع العربي الجديد الذي يتبناه أحد رموز الفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، والكثير من القضايا الأخرى فتفضلوا بالبقاء معنا.

التجارب القومية العروبية وموقع الديمقراطية في المشروع المنتظر

علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا الكرام، في العمق يبحث الليلة آفاق المشروع العربي مع الدكتور عزمي بشارة. دكتور أريد أن أتناول معك قضية الديمقراطية في المشروع العربي الذي تتصوره أنت وآخرون أيضا في هذه الأيام في ظل حالة التفكك، لكن قبل ذلك شهدنا نماذج وتجارب كثيرة وحدوية عروبية قومية لها ما لها وعليها ما عليها، تتعرض هذه التجارب باستمرار لحالة من يعني حالة تتجاوز حتى النقد، ما تقييمك أنت للتجارب القومية العروبية في بلدان عربية رئيسية، في مصر في سوريا في العراق كان لها يعني ربما أن تقيم مشروعا عربيا قوميا بشكل أفضل مما كان عليه في السابق؟

عزمي بشارة: لا، هي بالتأكيد من وجهة النظر التاريخي حصل فشل كبير يعني نتحدث عن شبان استلموا أنظمة حكم في كثير من الحالات كانوا أسرى الخطاب في كثير من الحالات أسرى الذاتية السياسية والنزق السياسي حتى ولكن الأمر الأساسي هو ليس فقط التفاف الجماهير حولهم وتشكيلهم لأوسع حركة جماهيرية عرفها الوطن العربي أنا بأعتقد في تاريخه حتى اليوم يعني لا يضاهيها أحد من حيث التفاف الناس وأحلامهم وخيالهم وأمنياتهم مع هذا المشروع العربي، بالتالي أيضا الخيبة كبيرة أيضا التي جاءت، لا تستغرب المرارات بعد ذلك. ولكن أيضا لدينا حالات من محاولات بناء دولة حديثة اللي الدول المحافظة في النهاية قلدتها، اضطرت أن تمشي في الركب يعني من بدأ بالإصلاح الزراعي وإشراك الجماهير بالسياسة وكل مفهوم الجماهير وبناء الاقتصاد الوطني، محاولات ولو متواضعة ولكنها أفضل بكثير من اقتصاديات اليوم من ناحية محاولات بناء الاقتصاد الوطني حتى في الصناعة، تأميمات المصالح الأجنبية، تصفية بقايا الاستعمار الجديد، فتح التعليم للفقراء هذا أمر لم يكن مفروغا منه في الأنظمة المحافظة، حتى الليبرالية قبلهم كانت الليبرالية للنخبة، الفلاح إن كان السوري ولا المصري ولا العراقي كان خارج الصورة تماما، هي ليبرالية يُتغنى بها ولكن ليبرالية لـ 15% بالمجتمع ولـ 10% أو أقل من ذلك، كل هذا هو إنجازاتهم الحقيقة لكن الإنجاز الأهم أنهم كانوا أصحاب مشروع عام، المواطن العربي ينظر اليوم -وأنا أتحدث بالأساس لجمهور الشباب- المواطن العربي ينظر اليوم ويحبط لأنه لا يوجد مشروع عام، توجد الدولة مجموعة من المشاريع الخاصة، أسر حاكمة وأقرباؤهم وأنسباؤهم وأجهزة أمن ورأس المال المحيط بهم، كارتيل حاكم من المصالح الخاصة، وين بيروح الـ public sphere؟ أين الحيز العام؟ أين الصالح العام وأين الإرادة العامة في هذا؟ في ذلك الوقت لم تكن هنالك ديمقراطية ليبرالية بمعنى اليوم ولكن من ناحية إشراك الجماهير وإشراك أوسع قدر ممكن من الناس بالعملية السياسية الاقتصادية، طبعا هذا كان موجودا بأشكال غير ليبرالية وغير ديمقراطية بمفاهيم اليوم وأيضا كان في شعور عام عند الناس أن هذا القائد الذي يخطئ ويرتكب أخطاء ويلقي خطابا مليئا بالعواطف ومشحونا -إلى درجة في بعض الحالات السذاجة السياسية- مسكون بهموم عامة مش بهموم كيف يرتب أولاده وأولاد عمه وأولاد أخيه وإلى آخره، مسكون بهم عام، أن قباطنة الدولة هم موظفون بيأخذوا معاشا شهريا وبيقوموا بواجبهم وبيسهروا بالليل وإلى آخره، هذا الشعور..

علي الظفيري (مقاطعا): لكن دكتور كل شيء حدث باسم الهم العام..

عزمي بشارة: لا، مظبوط أخطاء.. لكن لا، هو في واقع الحال هؤلاء في قسم كبير منهم ترى لم يترك ثروات لم يكن فاسدا، هذه الحقيقة، الآن ارتكب أخطاء ما طبعا كل الأخطاء ترتكب.. ما هذه هي المشكلة إذا أنت كنت حاكما أخطاؤك ليست كأخطاء أي شخص ولكن بالمجمل الشعور العام هذا أيضا خلق الأخلاق العامة، ليش الشعور كان أنه حينه في أخلاق عامة؟ في مشروع ثقافي في مشروع فني ناهض في حالة انطلاق، ليه؟ لأنه في مشروع عام مرتبط ارتباطا مباشرا بما تحس به الناس ووجدانها وشعورها وثقافتها ولغته مرتبط فيها والسعي لخيالها والسعي لآفاقها مع الشعور أنه مش مجموعة مشاريع خاصة، إذا رئيس الدولة مهموم بمشروعه الخاص أنا المواطن ليه ما أفسد في وظيفتي وفي الوظيفة الأقل والأقل؟ ليه ما أنا أكون أيضا فاسد إذا ما في أحد في الدولة بيعطي نموذجا -اللي بنسميه النظام الجمهوري- بأنه في مشروع عام؟

علي الظفيري (مقاطعا): دكتور تسمح لي يعني أنت قدمت الآن رؤية نقدية وأعتقد أنها رؤية نقدية قاسية لتلك التجارب مع طبعا تقدير ما قامت به، تفسيرك الآن لهذا الابتذال والرداءة في تشويه صورة تلك التجارب التي كانت فعلا قائمة على الهم العام والتي كانت تجمع العربي من المحيط إلى الخليج بشكل واضح يعني؟

عزمي بشارة: المشاريع هذه عندما قامت -عزيزنا- كان لها أعداء وخصوم، خصوم طبقيون، النظام المتوارث في حينه، الفئات اللي كان لها امتياز مثل أي أرستقراطية في العالم والاستعمار، وهذا ليس قليلا، هذا كثير جدا جدا. الآن لا تكفي هذه الأعداء، عدم ديمقراطية هذه الأنظمة وعدم نضجها خلق لها أعداء ما كانوا أعداءها مثل صراعها مع التيار الإسلامي الذي لم يكن مفترضا أن يكون، مثل صراعات أخرى دخلت فيها في دولها خلقت لها أعداء إضافيين، الآن كثير ممن ينظرون ضد تلك الأنظمة في تلك المرحلة من حقهم يعني أنه تجربته الشخصية بيحكي أو مثلا رأيه الخاص كطرف مغرض وله غرض له غاية له قصد، إذا نظرنا إلى رأيه كرأي محدود ناجم عن مصلحة أو ناجم عن موقف ماشي بس مش نتطلع عليه كأنه عملية تأريخ للمرحلة، يعني كثير من الحالات إعلاميين اليوم أو سياسيين سابقين أو إلى آخره بيتعاملوا مع تلك المرحلة هذا حقهم طبعا ولكن طالما عرفنا أن هذا رأي ناجم عن مصلحة وعن موقف وكذا وليس عملية تأريخ موضوعية لعملية بناء الدولة والمشاريع في تلك المرحلة لأنه بدنا نميز ونحط خطا بين الأمرين، من الطبيعي أن تلك المرحلة في لها ضحايا وفي لها خصوم من الطبيعي يكونوا ضدها.

علي الظفيري: الديمقراطية، تلك الأنظمة لم تكن ديمقراطية وكان هذا واحدا من أسباب ربما فشلها وانتقاداتنا جميعا لها اليوم، ما موقع الديمقراطية في المشروع العربي المفترض والمنتظر؟

عزمي بشارة: يعني في حينه كما تعلم الديمقراطية في العالم الثالث لم تكن ديمقراطية ليبرالية قائمة على حقوق المواطن وتمايزات السلطات المختلفة والتوازنات بينها والشفافية واستقلالية القضاء وأمور عديدة وإنما كانت إشراك أكبر قدر ممكن من الجماهير اللي كانت مقصاة خارج الاقتصاد وخارج السياسة وخارج الحيز العام كله خارج الهم العام خارج الرأي العام أصلا إدخالها لتصبح مجتمع الجماهير، مجتمع الجماهير بمصائبه طبعا يعني عندما نشأ مجتمع الجماهير نشأت معه أمور عديدة أخرى -لا أريد الآن الدخول فيها- متعلقة بنشوء حركات شمولية وأيديولوجيات شمولية وأمور مختلفة. لكن اليوم هل باستطاعتنا أن نفكر بمشروع قومي غير ديمقراطي؟ أعتقد أنه استحالة، تاريخيا -علي- عملية بناء الأمة في أوروبا الغربية هي نفسها عملية بناء المؤسسات وهي نفسها عملية بناء المواطن ولكن عملية تدريجية أخذت مئات السنين يعني من مفهوم الأمة ضد مفهوم الإكليروس والأرستقراطية، اجتمعوا الإكليروس والأرستقراطية إذاً اجتمعت الأمة، لإدخال الطبقة الثالثة توسيع مفهوم الأمة لإدخال مفهوم المواطنة، الفلاحين والعمال كلهم هدول سوا بيشكلوا الأمة والرابط بينهم رابط ثقافي واسمه اللغة الفرنسية أو كذا ثم إدخال التجنيد الإلزامي ضد الفروسية كامتياز الخدمة العسكرية كامتياز لطبقة معينة دخول الجيوش الحديثة اللي أدخلها نابليون، كلها عملية تدريجية تشكلت فيها الأمة والمواطنة وأدت إلى الديمقراطية مع بعضها البعض ولكن لم تنشأ ديمقراطية في أي دولة من دول الغرب دون تشكل مفهوم سيادة الأمة، سيادة الأمة بناء المؤسسات بناء مفهوم الأمة وعلى أساسه تتشكل الديمقراطية، الآن العمليتان ما جروش بانتقالات تاريخية وإنما جروا بالتدريج مع بعض عبر على الأقل قرنين من الزمان. الحالة العربية الآن إحنا مسألة الديمقراطية جاييتنا جاهزة، ما حدش بيقدر يقول لك الآن بدك تعمل تطورا ديمقراطيا شوي شوي أول إشي لـ 15% بعدين لـ 20% بعدين لـ 100% إلى آخره، أيضا كما قلت لك في السابق إن الوحدة القومية ببروسيا بدولة واحدة قوية عسكريا كما في إيطاليا أو كما في ألمانيا تجتاح كل باقي الولايات وتوحدها بالقوة غير وارد لا بمفهوم الدولة ولا..

علي الظفيري: انتهى هذا.

عزمي بشارة: هذا انتهى، إذاً نحن نعول على الاتحاد العربي الناجم عن التعبير عن إرادة الشعوب العربية، ما هو أرقى شكل من أشكال التعبير عن إرادة الشعوب؟ إنه الديمقراطية. إذاً نحن نتحدث عن اتحاد عربي بين ديمقراطيات ولكن لكي تحصل ديمقراطية أصلا في أي دولة عربية، القضية العربية مش ماثلة، انظر لماذا صعوبة التحول الديمقراطي؟ أحد أهم مظاهر صعوبة التحول الديمقراطي في الدول العربية هو عدم وضوح مسألة الهوية الجامعة للمواطنين اللي بتمكنهم ينقسموا سياسيا في إطار الهوية، ينقسموا بالرأي ينقسموا بالمصلحة ينقسموا بالرؤية ولكن ما ينقسموا بالهويات يعني ما تتحولش التعددية الديمقراطية إلى تعددية طوائف وعشائر وإلى آخره، إذاً المسألة القومية لها علاقة مباشرة بالتحول الديمقراطي في أي بلد عربي، أنت بتقدرش تعمل تحولا ديمقراطيا في أي بلد عربي إذا ما حسمت الهوية عند الأغلبية الساحقة على الأقل من السكان اللي في إطارها بينقسموا لانقسام سياسي في إطار هوية واحدة، ليش كل خلاف صغير يحولهم إلى مجموعة هويات متصارعة؟ من هنا هذا الاستقرار اللي بدي أسميه الهويات واسمح لي بده نقاش طويل هذا إن شاء الله تسنح لنا مرة فرصة نتحدث على شو هي الهوية أصلا..

علي الظفيري: لدينا وقت.

عزمي بشارة: إيه إن شاء الله بيجي يوم إحنا عايشين مش رح يصير ديمقراطية يعني بسنة بكل الدول العربية!

علاقة العروبة بالإسلام وخطوات تدعيم المشروع العربي

علي الظفيري: دكتور، واحدة من الإشكالية التي واجهت المشاريع العربية تاريخيا علاقة العروبة بالإسلام وعلاقة العروبيين بالإسلاميين، اليوم التيار الإسلامي هو الأقوى هو الأكثر نفوذا وهو الأكثر انتشارا، برأيك هل ما زال هناك لبس؟ هل ما زال هناك سوء فهم بين فكرتي العروبة والإسلام حتى يمكن أن يندمج هذان التياران في مشروع عربي واحد؟

عزمي بشارة: أولا بدي أصلح، الإسلام مش تيار، الإسلام دين وحضارة وثقافة وكل شيء، مش تيار، في تيار مظبوط في تيار سياسي إسلامي يسمي نعم تيار سياسي إسلامي الأفضل أن نسميه تيارا حركيا إسلاميا أو في حركات سياسية تعتبر الإسلام أيديولوجيتها السياسية أيضا وليست دينية، ولكن الإسلام أوسع من هيك الإسلام، يعني هذا بيعني أن كل الآخرين مش مسلمين أو كل ما غيرهم مش إسلام؟ طبعا هم أنفسهم ما في أحد سوى التكفيريين جدا جدا بيدعي هيك، ما في حدا بيدعي هيك أصلا يعني. الآن أي فصل بين الإسلام والعروبة بالمفهوم الثقافي هو فصل مصطنع وغير صحيح لأن ما نشر العروبة لغة وثقافة في المنطقة وعمل عملية الصهر هو محاولة نشر الإسلام يعني الفتوحات الإسلامية لنشر الإسلام هي نشرت العروبة وبنفس الوقت الإسلام انتشر باللغة العربية يعني التلاحم كبير بين الأمرين ومن الصعب.. مثلما أخونا المفكر الكبير الحقيقة ساطع الحصري عندما فكر بالتفكير العلماني الأوروبي بدون ما يستعمل كلمة علمانية -على فكرة ولا مرة استعملها غير مرة واحدة، أنه للي بيحبوا، عندهم صنمية لهالكلمة، ساطع الحصري عمل نظريات كاملة لفصل الدين عن السياسة بدون ما يستعمل كلمة علمانية- إن اللغة والتاريخ الآن ثبت أنه طيب ok اللغة والتاريخ هي أساس القومية مظبوط، بأقدر أطلع الإسلام من اللغة والتاريخ العربي؟ كيف؟ يعني كل كلمة منقولها مشحونة بمعاني ودلالات لها علاقة بالتاريخ الإسلامي، أو عندما بدي أفصل التاريخ فيني أفصل تاريخ العرب الراهن عن الإسلام؟ حتى عند المسيحيين، مين أبطالهم في التاريخ العربي؟ يعني حتى غير المسلمين من العرب اللي طلبوا.. المسيحيون في بلاد الشام وفي العراق -اللي اليوم هيك أساميها- ما كانوا يصلون بالعربي كانوا يصلون باليوناني أو بالسرياني أو بالآرامي قلبوا لغة صلاتهم للعربي، أصبحوا يخاطبون ربهم بالعربي، يعني هذا غير مقدر كفاية، غير مفهوم شو معنى عرب، أنه أنت بتيجي يعني قديش أخذت من وقت لتغيرت لغة الصلاة من اللاتيني إلى لغات أخرى في أوروبا؟ وفي بعض الدول لا زالت محافظة على نفسها، تخيل أنت أن المسيحيين العرب تعربهم مش بس في علاقتهم مع الآخرين وإنما التعرب حتى في الصلاة، هذا أكثر شيء وجداني متوارث كذا إلى آخره، ترجموا صلواتهم وترجموها إلى العربي وتعربوا نهائيا. هلق اللغة العربية مرتبطة إلى حد كبير بدلالات ومعاني ترتبط في وجداننا بالإسلام والتاريخ العربي أهم مرحلة فيه هي مرحلة انتشار الإسلام، لا يمكن الفصل بين الأمرين، أي فصل بين الأمرين هو فصل مصطنع. الآن عندما نتحدث عن الديمقراطية.. على مستوى أنا بأحكي على المستوى الهوياتي والثقافي مش عم أحكي عن المستوى الإيماني، هذا شيء آخر المستوى الإيماني كل شخص وإيمانه أصلا ما في إكراه في الدين، أنا عم أحكي من ناحية ثقافتنا من ناحية حضارتنا مش من ناحية.. ولكن لما منيجي للديمقراطية القضية مش الفصل بين الإسلام والعروبة هي قضية فصل المواطنة عن الأمرين، يعني انا ما بدي كمان حقوق المواطن تكون مربوطة بأنه عربي، يعني حقوق المواطنة في الدولة الديمقراطية يجب ألا ترتبط بهوية الشخص لا القومية ولا الدينية لأن حقوق المواطنة تنبع من المواطنة يعني نفترض أسسنا دولة اتحاد عربي فيها تعبر عن حق تقرير المصير لهذه الأمة العظيمة الكبيرة المحرومة من حق تقرير المصير اللي اسمها الأمة العربية اللي لا عندها سيادة على أراضيها ولا على قرارها السياسي المستقل ولا عندها أمن قومي في مقابل التكتلات الكبرى الآن في العالم، المواطنون فيها يجب أن تكون حقوقهم حقوق مواطنين بغض النظر إن كان انتماؤهم عربيا ولا إن كانوا مسلمين ولا غير مسلمين، هذا واحد، ثانيا أي إسلامي اليوم يقبل بهذا؟ -ودعك من المصطلحات- إن الإسلام لا يقبل استخدام الدولة للإملاء الديني، أصلا عندما الدولة حاولت في تاريخ الإسلام أن تملي رأيا دينيا أول من عارضه هو العلماء والناس بتيجي دائما ببالها تجربة المأمون والمعتزلة، ولكن.. كل التجارب تقريبا، أنه أن تحاول الدولة -أو على الأقل فرع من العلماء قسم من العلماء، في علماء تعاونوا- أن تحاول الدولة أن تكون هي من يفرض الرأي بشأن العقيدة كان يعارض الدين، إذاً رفض إملاء الدولة رفض استخدام الدولة استخدام قوة الدولة عشوائية الدولة قسوة الدولة -سمهاما شئت- لحسم أمور دينية متعلقة بعقائد الإنسان شؤونه الدينية رأيه هذا أمر مرفوض بدونه طبعا يعني الديمقراطية لا تتفق معه وأنا بأعتقد غالبية الإسلاميين.. أنت في مجتمع أنت الحيز العام إسلامي والناس مسلمون ومؤمنون ما حدش بحاجة لأنها الدولة تجي تفرض الإسلام، بالعكس أنت بدك تحمي الإسلام من الدولة كما يبدو لي الآن.

علي الظفيري: دكتور يعني الوقت يعني شبه انتهى ولكن سأسمح لنفسي بسؤال في دقيقة إن تكرمت، خطوات عملية يمكن أن تسهم بدفع هذا المشروع إلى الأمام وبأيضا فتح أبوابه أمام كثير ربما من المؤمنين به؟

عزمي بشارة: طبعا في قضايا كبرى رمزية الآن موحدة الناس، أولا هي جارية وأكثر بكثير من فترة المشروع القومي اللي كان، يعني أنا برأيي اليوم نحن عرب أكثر من الخمسينات خلافا لما يعتقد، لغتنا أقرب على بعض، همومنا، الناس بتعرف عن الصومال وعن السودان وعن موريتانيا أكثر ما كانت تعرف بالخمسينات والستينات فترة عبد الناصر -صدقني- السوق الإعلامي العربي اللي وحدته الفضائيات ساهمت في التوحيد العربي أكثر من صحف الخمسينات والستينات، الآن بهذا المبنى من أكم قطر عربي ناس جالسين وإلى آخره؟ إحنا الناس مسلمون أكثر مما كانوا متدينون أكثر مما كانوا قبل خمسمائة سنة أيضا، والناس وطنيون أكثر مما كانوا يعني هذا بيثبت فقط اللي بأقوله أنا أنه ثلاث حلقات الانتماء مش بس غير متناقضين، بيمشوا مع بعض، الناس وعيهم للمواطنة وللبلد وكذا أكثر من السابق، وعيهم لعروبتهم وهويتهم أكثر وإن كان ليس بالأيديولوجيا يعني بمعنى أن القومية العربية مش أيديولوجيا بدها تجيب على كل مسائل الدنيا، ساعتها بتصير أيديولوجيا فجة، الآن قضية فلسطين في مركز االانتماء العربي، قضية فلسطين في مركز الانتماء العربي ومن هنا أهميتها الوجدانية وإلى آخره الناس بتوحد الناس. ولكن في قضايا أخرى، إلغاء التأشيرات، توحيد سوق العمل، الأمن الغذائي، توحيد سياسات الطاقة، في ألف قضية وقضية نوحد عليها الناس لكي نجعل المشروع العربي عينيا أكثر في مفاهيمهم وفي وجدانهم.

علي الظفيري: شكرا للمفكر العربي الدكتور عزمي بشارة ودائما مواضيعنا تحتاج إلى كثير من الوقت لكنها طبعا تضيء، شكرا أيضا على تفضله بشكل دائم وبشكل دوري بالنقاش في بعض القضايا الكبرى التي تهم الأمة بشكل عام. لكم تحية من الجميع، دمتم بألف خير وفي أمان الله.