تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

شارون يؤمن بسياسات القوة العارية

2004-10-03

في مقابلة مطولة للجزيرة نت مع النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة عن فلسطين والمنطقة رأى فيها أن الولايات المتحدة تنظر إلى العراق كنموذج عالمي متمرد على الهيمنة الأميركية، وبالدرجة الثانية كثروة نفطية، وكبداية لإحداث إعادة تنظيم لشؤون دول المنطقة وبالأخص السعودية ومصر وسوريا ولبنان. وبمناسبة مرور عامين على الانتفاضة نورد ما جاء في هذه المقابلة عن فلسطين وإسرائيل.

أجرى الحوار/ محمد عبد العاطي

لماذا تسخن إسرائيل الأجواء وتستحث الولايات المتحدة على الإسراع بشن الحرب على العراق؟

برأينا أن الموقف الإسرائيلي يكاد يكون تقليديا وهو التحريض على أي عدوان على أي دولة عربية، وهو بهذا يفرز نفسه خارج المنطقة، وأنا أقول إن أكبر جريمة ترتكبها إسرائيل في هذا السياق هي بحق ذاتها، لأنها دائما مع أي عدوان على دول وشعوب المنطقة، وبالتالي يحولها إلى جسم غير طبيعي باستمرار ويفرزها خارج المنطقة، وهذا لا يفقهه الإسرائيليون.

هذا أولا وهذا موقف تقليدي.. ثانيا هناك موقف إسرائيلي تقليدي أيضا ضد الدول العربية يعتمد على الإساءة إليها، فلنأخذ على سبيل المثال مصر وهي لها سلام مع إسرائيل تنظر بعين الريبة والشك لأي تطور حداثي عربي تكنولوجي أو اقتصادي، هذا مع دولة بينها وبين إسرائيل معاهدة سلام فكيف يكون الحال مع دولة ليس لها علاقات سلام معها؟!

في حرب الخليج الثانية حينما أسقط العراق بعض الصواريخ على إسرائيل.. كيف كان وقعها آنذاك على المجتمع الإسرائيلي وكيف سيكون وقعها إذا كرر العراق الشيء نفسه لكسب تعاطف الرأي العام العالمي؟

هذه ظواهر مركبة لا أستطيع أن أعالجها هكذا بنظرة واحدة خاصة أنني كنت في إسرائيل وقتذاك.. فمن ناحية لم يقتل في كل هذه الصواريخ سوى شخصين وقد ماتا بالنوبة القلبية، ومن ناحية أخرى شعر المجتمع الإسرائيلي بزوال نظرية الحدود الآمنة، وأصبحت إسرائيل بالتالي أكثر جاهزية للتنازل عن مناطق فلسطينية محتلة فيما بعد كما حدث بعد أوسلو، وأصبح هناك أكثر فأكثر قناعة في إسرائيل أن المناطق ليست هي الأساس وأن هنالك ما يصلح أن يصبح صفقة فأصبحوا مستعدين أن يدفعوا ثمن هذه الصفقة أكثر مما كانوا من قبل، لا أقول إنهم مستعدون الآن للعودة إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران ولكن من دون شك فقد جعلت الصواريخ العراقية في حرب الخليج الثانية الأرض تبدو نسبية.

من ناحية أخرى.. صحيح أن الصواريخ لم تقتل أناسا في المجتمع الإسرائيلي ولكن حصلت هناك حالة ذعر لم تقو النزعة إلى السلام وإنما قوت النزعة إلى الانغلاق، وحدثت عملية إحياء ومخاطبة لغرائز ومخاوف الماضي وكراهية وملاحقة اليهود، كل هذا استخدم بكثرة باستعارات مثل أقنعة الغاز التي تذكر بأفران الغاز وخلافه، ووضح أنه كان هناك شيء ثقافي يحدث من قبل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، وأنا باعتقادي أن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل استغلته بشكل مقصود ومنظم للغاية إذ أدخلت شعبا بأكمله في مرحلة رعب وهلع وبالتالي أدلجته ووحدته. الآن يجري الشيء نفسه ولكن بدون نجاح كبير، فالحكومة الإسرائيلية تحاول أن تدخل المجتمع الإسرائيلي في حالة ذعر من العراق ولكن هذا المجتمع غير مصدق، يعني فجأة سمعنا داخل إسرائيل عن التطعيم ضد الجدري..!! ما هذا؟!!

العراق الذي كان بكامل قوته أثناء حرب الخليج الثانية لم يكن باستطاعته أن يركب رؤوس كيماوية وبيولوجية والآن يقدر على ذلك؟! هذا شيء غير منطقي حتى في عقل الإنسان الإسرائيلي البسيط، لكن لا شك في أن هناك موقفا إسرائيليا قاطعا وواضحا بأنه في حالة قيام العراق بضرب إسرائيل فإن إسرائيل هذه المرة سترد، لأنه أولا لا يوجد تحالف عربي تمس به، وثانيا العراق ضعيف في هذه المرة، وسيكون هنالك تفهم دولي أكثر مما كان عليه الحال في حرب الخليج الثانية، فواضح من التحليلات التي تصلنا أن إسرائيل سترد إذا تعرضت لذلك، لكني أستبعد أن تتعرض لضربات عراقية، فأنا أستبعد أن يكون لدى العراق بعد كل سنوات الحصار هذه الإمكانية للتعرض لإسرائيل، وتبين أيضا أنه عندما كانت لديه الإمكانية فإن هذه الإمكانية كانت محدودة للغاية.

ما انعكاسات الضربة العراقية المتوقعة على القضية الفلسطينية خاصة مع ما يتردد من سيناريوهات توطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان على جزء من الأرض العراقية؟


إذا ضربت أميركا العراق فإنه سيتم التعامل مع الموضوع الفلسطيني بنفس عقلية ما بعد حرب الخليج الثانية

ليس لدي شك في أنه إذا ضربت العراق فإنه سيترتب على ذلك ترتيب أوضاع المنطقة بأكملها، سواء كان ذلك في موضوع الضغط على السعودية ومصر وسوريا ولبنان، وبالنسبة للموضوع الفلسطيني سيتم التعامل معه بنفس عقلية ما بعد حرب الخليج الثانية، التسوية برعاية أميركية.. البحث عن قيادة بديلة تكون قد نضجت لياسر عرفات.. وهي بالفعل الآن تنضج.. فهناك عملية إنضاج لقيادة بديلة تجري الآن بمباركته هو دون أن يدري، وهذه هي وظيفته الآن.. ولذلك أبقي حيا، لكي يستطيع أن يمرر بشكل شرعي بديلا له، فهذه الأمور الآن جارية وسيجدون من يتحدثوا معه.

عفوا للمقاطعة.. ما شكل هذه القيادة الجديدة التي تقول إنه يتم إنضاجها الآن؟

أميركية الصنع بكل تأكيد. أما كل ما يتعلق بكل الترتيبات الأخرى مثل قضية عودة اللاجئين، فواضح أن هناك رفضا إسرائيليا لعودة اللاجئين وهذا ليس بجديد، ولكن ما أريد أن أقوله إن الكثير من الناس يتحدثون عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وكأنه لا يزال هناك 400 ألف لاجئ، وهذا غير صحيح، فمن يذهب إلى إسكندنافيا وألمانيا الغربية وأستراليا وكندا يتأكد أن هذا كله غير صحيح، فهناك عملية تضييق معيشي على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى أن تضيق بهم سبل العيش، مما يضطر الفلسطيني هناك إلى أن يهاجر بحثا عن لقمة العيش والكرامة فيخسر إقامته في لبنان، هناك بالفعل مخيمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان ولكن ليس لـ 400 ألف ولا حتى لـ 300 ألف، فأنا باعتقادي أن القول بأن كل هذه العملية التي تتحدث عن ضرب العراق لتوطين اللاجئين الفلسطينيين هناك تحليل مبالغ فيه.

فلماذا التوطين في العراق بالذات؟ هناك ما هو أسهل بالنسبة للذهن الإسرائيلي وهو أمر ليس بجديد، فبعد حرب لبنان عام 1982 كان هناك حديث واضح ومنشور أنه كانت لدى شارون خطة لنقل الفلسطينيين أثناء هذه الحرب لتنفيذ خطة الدولة الفلسطينية في الأردن، وهذه أسهل من موضوع العراق. أما الإيحاء بزيادة أعداد الفلسطينيين اللاجئين والإشارة الدائمة إلى خصوبة المرأة الفلسطينية وأن ذلك سيغير في المستقبل من معادلة الصراع فأنا لا أرى ذلك، حيث إن زيادة النسل أمر مرتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة وليس مرتبطا بفكرة المقاومة، فمنذ متى كان رحم المرأة أداة مقاومة؟!

وبالعودة إلى الشأن الإسرائيلي.. إلى أين تقود النخبة الحاكمة في إسرائيل حاليا البلاد والمنطقة؟


العقلية السياسية الحاكمة في إسرائيل تعتقد أن حرب "الاستقلال" في 1948 لم تنته بعد

تمر إسرائيل حاليا بمرحلة خطيرة، حيث إن العقلية السائدة فيها أخطر من تلك السائدة في الولايات المتحدة أمثال تشيني ورمسفيلد وولفوتز وغيرهم.

فهذه العقلية السياسية الحاكمة تعتقد أن حرب "الاستقلال" في 1948 لم تنته بعد.. هي عقلية جنرالات حزب العمل الذين تخلوا عن حزب العمل، مثل جنرالات حرب الاستقلال و1967 وهناك مجموعة جنرالات خرجوا من الحياة السياسية وانتظروا حتى وصول الليكود إلى السلطة مثل شارون وزئيفي جاندي وآخرين.. هذه المجموعة ليست صغيرة.

هؤلاء يعتقدون ومنذ حرب 1967 أن السلام مع العرب غير ممكن إلا إذا انكسر العرب بمعنى أن السلام مع العرب يجب أن يكون قائما على القوة والردع وليس على المصالحة التاريخية ومفهوم الحقوق، وأن العرب سيسلمون بوجود إسرائيل أي أن السلام هو تسليم بالأمر الواقع وأن مفهوم الحقوق متغير تاريخيا عند العرب، أي أن الهوية الفلسطينية جديدة وهيكلية جديدة، والدولة الفلسطينية مفهوم جديد ممكن أن يندثر ويطلع مفهوم آخر غيره، هذه هي طبيعة تفكير الفئة الحاكمة الآن في إسرائيل ولذا فهم في منتهى الخطورة، فهم ليسوا متدينين وليسوا غيبيين حيث يفكرون بشكل عملي ويؤمنون بشيء واحد هو سياسات القوة، فهذه هي خطورة شارون، وهذا الجيل هو الذي شردنا في 1948 وليس جيل باراك ونتنياهو، هذا الجيل هو الذي تسبب في تشريد الفلسطينيين ولذا فهو يعرف حجم الجريمة التي ارتكبها، ولذا فهو يؤمن أيضا أن الفلسطينيين من الصعب أن يصالحوا إسرائيل، والكسر في هذا الجيل هو ما فعله رابين، بأنه اتجه باتجاه أنه من الممكن تحقيق تعايش أو سلام، لكنه لم يصل إلى نتيجة، ولا نعرف اليوم إلام كان يرمي من تجربته هذه.

شارون يؤمن بسياسات القوة العارية، فهو لا يعنيه سياسات المقالة والكتاب والثقافة والمظاهرات في الشوارع فهذه الأشياء كلها في اعتقاده أمور فارغة، هو لا يؤمن بغير سياسة القوة، فحتى اليوم هو يعتقد أن حرب لبنان عام 1982 كانت حربا ناجحة انتصرت فيها إسرائيل بضرب المقاومة الفلسطينية وإخراجها من لبنان، وأن المجتمع الإسرائيلي هزم نفسه بعدم قدرته على الصمود بعد سقوط حوالي 400 قتيل، فهذا تفكير شارون، رغم أنه عقلية مختلفة عن عقلية المستوطنين وأن موضوع التنازل عن الأرض ليس هو الشرط للسلام وإنما الشرط للسلام هو قبول العرب بإسرائيل، موضوع التنازل عن الأرض يلتقي به مع حزب العمل، ودوافعه في ذلك هي دوافع ديمغرافية، فليس هناك إمكانية لأن تظل هذه الأراضي ديمغرافيا مع إسرائيل وبالتالي يجب أن يقوم كيان فلسطيني وهو مسلم بوجود مثل هذا الكيان على جزء من الأرض، والصراع برأيه وبرأينا على شروط قيام هذا الكيان، والنقاش بيننا وبينه يجري الآن على حدود الرابع من يونيو/حزيران أم لا؟ وبالقدس أم لا؟ بالمستوطنات أم بدون؟. وهو باستطاعته أن يفرض إرادته، وهنا خطورته، إذا لم يفرض إرادته فلا مانع لديه بأن يؤجل الحل عشر سنوات أو 15 سنة ويخلق الله ما لا يعلمون.

فهذه البراغماتية الخالصة هي الخطيرة، والآن هي متحالفة مع القوى الغيبية والدينية بالمجتمع الإسرائيلي، فشارون يهودي جدا ثقافة ولكنه غير متدين، ومتحالف الآن مع الفئات الدينية والأكثر يمينية ورجعية في المجتمع الإسرائيلي، الآن الشيء الأكثر خطورة والذي أصبح هو الأساس في اعتقادي لقوة هذا التيار في المجتمع الإسرائيلي هي السياسة الأميركية بعد 11 سبتمبر/ أيلول، فقد جاءت هذه السياسة بمثابة هدية من السماء لإسرائيل تماما كالذي سحب ورقة يانصيب وفاز بالجائزة الكبرى، فقد أصبح هناك تأكيد لنظرية إسرائيل بأن العالم ينقسم إلى إرهابيين ومكافحين للإرهابيين، وأن إسرائيل تحتل مكانة شرف في مقاومة الإرهاب عالميا، أضف إلى ذلك أن إسرائيل هي وروسيا والهند والصين وتركيا في نفس المعسكر المعادي للإرهاب، فقد أصبحت إسرائيل في هذا النادي، وجاء التقسيم بين الخير والشر فأعطى لإسرائيل ليس فقط قوة بوصفها إحدى قوى الخير، وإنما أعطاها مكانة توراتية في الخير، بمعنى أصحاب التقسيم بين الخير والشر هم أصوليون يؤمنون بالخلاص والتوراة، وإسرائيل صار لها وظيفة كونية في هذا التقسيم الميتافيزيقي للعالم، وهذا التقسيم هو تقسيم لاهوتي تحتل فيه إسرائيل مكانة رمزية ومعنوية، وهذا أعطى قوة لإسرائيل من جهة وأضعف إمكانيات التغيير الداخلي، حيث زاد من تماسكها.

وطالما هناك احتضان أميركي للقيادة الإسرائيلية فمن الصعب وجود تغيير داخلي في إسرائيل، ففي العادة يتغير اليمين الإسرائيلي، يتغير إذا حدث توتر في علاقته بأميركا، وكان في العادة أن يحدث توتر بين الاثنين لعدم فهم اليمين الإسرائيلي أو تفهمه للمصالح الأميركية البراغماتية بصورة جيدة، وحينما ينشأ هذا التوتر هناك في المجتمع الإسرائيلي من يبنون على هذا التوتر متغيرات مثلما حدث في حالة إسحق شامير ونتنياهو. الآن لديك إدارة أميركية تحتضن اليمين الإسرائيلي، ولا يوجد من في المجتمع الإسرائيلي على استعداد أن يقول أنا أقل إسرائيلية من أميركا أو من بوش أو من رمسفيلد، هذا التحالف الأميركي مع اليمين الإسرائيلي وليس مع إسرائيل وهذا يحدث بهذه القوة لأول مرة، وهي متحالفة بشكل واضح مع سياسات القوة، في المنطقة وعالميا، وهذا يؤدي إلى شلل اليسار الإسرائيلي وحركة السلام.

وبعد مقتل رابين أدى تصرف حزب العمل واليسار الصهيوني إلى كارثة، فبدلا من أن يظهر ثقة ورد فعل على مقتل رابين أظهر ضعفا وعدم ثقة بالنفس واتجه إلى البحث عن الحوار ورأب الصدع والوحدة، وبالأخص باراك الذي خطأ رابين من خلال تخطئة الحلول المرحلية وتوجهه إلى الحل النهائي. ثانيا أنا باعتقادي أن باراك لام رابين على اعتماده على الأصوات العربية في الداخل وشكل حكومة دون حاجة إلى النواب العرب في الكنيست، مؤكدا ضرورة وجود أغلبية يهودية وراء أي قرار، وبذلك أخطأ رابين، لكن قبل ذلك أظهر اليسار الصهيوني عدم ثقة بالنفس عن طريق إعادة اعتبار الشرعية للمستوطنين وللأحزاب الدينية ووصل إلى حد إدخال الحزب القومي الديني (المفدال) في حكومة باراك، وكمل باراك هذا الطريق بعد كامب ديفد بأن أعلن أنه لا يوجد شركاء في عملية السلام حالما رفض الفلسطينيين شروطهم، كأنه يقول يا شعب إسرائيل ليس لكم غير شارون. ولذلك أضعف اليسار الصهيوني نفسه.

وأخيرا ومع ذلك فإن المجتمع الإسرائيلي رغم كل استطلاعات الرأي التي نراها نتيجة للمزاج المتوتر وصل إلى قناعات بشأن التسوية، المجتمع الإسرائيلي تعب في العامين الماضيين أكثر من أي فترة ماضية من الاقتصاد والوضع الأمني، ومدرك أن شارون قد فشل في تحقيق أهدافه.

ولماذا لم يترجم المجتمع الإسرائيلي هذا التعب سياسيا؟

لأن باراك أولا ثم شارون أدخلا المجتمع الإسرائيلي في وضع أنه يوجد صراع وجود بينه وبين الفلسطينيين، وأنه عليه أن يدفع ضريبة الوجود، باراك هذا رجل السلام والذي يقول عنه العالم العربي أنه رجل سلام يقول إن الحرب القائمة الآن حرب وجود، وهؤلاء يريدون عودة اللاجئين وقد أعطيناهم دولة ولكنهم لا يريدون دولة، وبالتالي تكون النتيجة أنه إذا كان الصراع على تل أبيب أنا ليس لدي اختيار غير الصمود، وبالتالي يكون الصمود نسبيا، حيث إن الذي يدافع عن بيته أكثر صمودا من الذي يدافع عن بيت أبعد منه عشرة كيلومترات، إذا كان الصراع على نابلس نخرج من نابلس وينتهي الصراع وإذا كان الصراع على لبنان نخرج منها وينتهي الصراع لكنه إذا كان الصراع على تل أبيب وعلى الوجود الإسرائيلي فلا خيار أمامنا إلا أن نصمد.

قلت إنها حرب وجود.. وجود لمن للفلسطينيين أم للإسرائيليين؟

هي في الواقع حرب وجود للفلسطينيين حيث إننا لا نشكل خطرا على وجود إسرائيل، ولكن الأيدولوجي والوهم الذي تطرح فيه الأمور على المجتمع الإسرائيلي أنها حرب ضد تهديد وجوده وفي الواقع هي ليست كذلك، فحرب 48 خلافا لما يعتقد الناس لم تكن نزهة ولكنها كانت حربا حقيقية والذي أنقذ إسرائيل فيها هي صفقات الأسلحة التشيكية وغيرها ولكن في البداية هي أكثر حرب تكبدت فيها إسرائيل خسائر نسبة إلى عدد السكان، فنسبة الخسائر تعادل 80 ألف أو 90 ألف إسرائيلي، أي تقريبا من كل بيت فقدت إسرائيل فردا، ولم تكن حرب خيانات، فهي أقسى حرب واجهتها إسرائيل، ولكنها كانت أكثر حرب صمدت فيها إسرائيل، حيث كان هناك شعور فيما يسمى في المستوطنات اليهودية بأن هذا استمرار للهولوكوست في عام 1945 وإذا لم تصمد إسرائيل في هذه اللحظة فلن نصمد لا في أوروبا ولا في غيرها.

أما الحرب القاسية الثانية فهي حرب الاستنزاف التي شنها الجيش المصري عقب رفض مبادرة روجرز وكاد أن ينهار المجتمع الإسرائيلي، ولذلك كان هناك في إسرائيل لأول مرة وآخر مرة في اعتقادي إخفاء لعدد القتلى، وكانت هناك جنازات في السر، حيث كانت هناك حرب غير علنية ثم وراءها جاءت حرب أكتوبر/تشرين الأول لمجتمع غير مقتنع باحتلاله سيناء ولا لخط بارليف. هنا موضوع الانتفاضة -وهي ليست حربا بأي معنى- نجح شارون وباراك في إقناع المجتمع الإسرائيلي بمفهوم الوحدة الوطنية والتي من مظاهرها ألا يتظاهر أحد في الشارع والمفروض على من يتظاهر بالشارع أن يكون في الحكم، والذي يرفض المستوطنات موجود في الحكم، وتوجد دعامتان لحكومة شارون في العلاقة مع الفلسطينيين هما وزير الأمن والخارجية، والاثنين من حزب العمل، فالمجتمع الإسرائيلي في هذه الحالة تتعزز قدرته على الصمود، فلا يوجد من يعلق الجرس أو يترجم النضال الفلسطيني ترجمة سياسية للشارع الإسرائيلي ليحدث اختراقاً.

لماذا انخفض تفاعل شارع فلسطينيي 48 عن العام الأول من الانتفاضة؟

شعبيا الانتفاضة كمظاهرات ليست موجودة اليوم ولكنها موجودة كعمليات، شكل الانتفاضة اليوم هي هجوم إسرائيلي على الفلسطينيين وحالة من الدفاع عن النفس يمارسها الفلسطينيون عبر العمليات، استشهادية أو غير استشهادية، استهدفت مدنيين أو لم تستهدف مدنيين، لا يوجد حالة شعبية في الشارع ولا يوجد قرية متضامنة مع الثانية، إذا أخذت الحالة الأقرب إلى حالتنا من حيث القانون الإسرائيلي هي القدس العربية، فالعرب في إسرائيل أنشط في التفاعل مع الانتفاضة من سكان القدس العربية، وحينما كان هناك مظاهرات في الشارع تفاعل عرب 48 معها ولكن بعدما انتقل الموضوع للكفاح المسلح بهذا الشكل، فنمط الحياة والنضال لعرب الداخل لا علاقة لهم بهذا الشكل، فهم ليسوا حركة انفصالية عن جسم الدولة. في الضفة الغربية وقطاع غزة حركة تحرر وطني تريد دولة، وتنظر إليها إسرائيل على أنها حركة انفصال

أما عرب الداخل فهم حركة مدنية في داخل الدولة الإسرائيلية تطالب بالمساواة والحفاظ على الحقوق الوطنية في آن معا. ونحن نعتقد أن هذا استثمار ضخم جدا على المدى البعيد، ولكن نمط النضال الذي يتلاءم مع هذه المطالب ليس هو الكفاح المسلح، فلا يعقل أن تقتل واحدا وتطالب بالمساواة مع هذا الشخص، لا ينفع، الباسك يريد الانفصال، نحن لا نريد الانفصال، نحن نريد أن نعيش في هذا الكيان والإسرائيليون لا يريدون، هناك نزعة إسرائيلية لإقصائنا ودفعنا للخارج، حيث يتحدثون الآن أنه بعد قيام الدولة الفلسطينية سيكون هناك دولة يهودية نقية، ولذلك أمام النزعة القائمة الآن بقوة في المجتمع الصهيوني نحن نتحدث في الاتجاه المعاكس عن مفهوم البقاء والمواطنة التي أثارت ألف علامة استفهام، نحن قمنا في موضوع الانتفاضة بما يجب علينا أن نقوم به، ننظر إلى الشارع ونرى نبض الشارع، الشارع يريد أن يرجع إلى عمله في اليوم التالي للتظاهر، ولذا يسألنا الناس داخل الخط الأخضر.. إلى أين تأخذنا يا عزمي بشارة؟ هؤلاء يريدون دولة فلسطينية.. هل نحن في هذه الدولة؟ لا.. نحن باقون هنا.. نعم نتظاهر ونتفاعل أكثر من كل الدول العربية، ولكن ماذا تريد أكثر من ذلك؟ في الأردن وسوريا وقفت المظاهرات ونحن مازلنا.. والمجتمع الإسرائيلي يروج تساؤلات للشارع العربي.. عزمي بشارة إلى أين يأخذكم؟ هؤلاء الراديكاليون والمتطرفون إلى أين يأخذونكم؟ وأنت لا تستطيع أن تنفصل عن الجماهير.. إذا تركت الحركة الجماهيرية سيكونون فريسة للصهيونية.

بماذا تفسر الازدواجية في الخطاب السياسي لفلسطينيي 48؟

عرب 48 يتظاهرون في ذكرى مرور عام على استشهاد 13 شخصاً منهم برصاص القوات الإسرائيلية

لا توجد مجموعة فلسطينية ليس لديها ازدواجية في الخطاب.. من في الضفة والقطاع عندهم ازدواجية في الخطاب بين فلسطين التاريخية وبين الضفة والقطاع، فهم يتحدثون عن الدولة في الضفة والقطاع في الوقت الذي لا يزال حديثهم عن فلسطين التاريخية.. أليست هذه ازدواجية في الخطاب؟.. وفلسطينيو الأردن عندهم ثلاث ازدواجيات.. جواز سفر أردني، وعلاقة فلسطينية في الأردن، ويتحدثون عن فلسطين التاريخية ويفتحون بيوت عزاء إذا استشهد أحد في الضفة والقطاع.. الوضع الفلسطيني وضع ازدواجيات، الفلسطيني المقيم في الأردن لديه جواز سفر أردني ولا يريد أن يتخلى عن الوطنية الفلسطينية، يريدها كلها مع بعضها البعض.. والأردن يتساءل أين ولاءك بالضبط؟.. تريد أن تعمل جبهة ديمقراطية وشعبية وفتح وتريد وزراء في الحكومة الأردنية.. ماذا تريد بالضبط؟!

ونفس الشيء بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل.. يريدون مساواة وإسرائيل تسأل لمن ولاؤكم؟ أي مساواة في أي دولة؟ تريدون مساواة في مصر أم في إسرائيل؟ إذن ما هو ولاؤكم لإسرائيل؟ لدينا ألف جواب.. فلا يمكن أن تطلب ولاء من سكان البلاد الأصليين.. فأميركا بإمكانها أن تطلب ولاء من السود ولكنه ليس بإمكانها أن تطلب ولاء من الهنود.. ولذلك نحن في إسرائيل نحترم القانون ولا نطالب بالقانون.. نحن كقوميين ديمقراطيين طرحنا تنظيرات لأول مرة موسعة وتدخل في صراع جدي مع الصهيونية، نحن نقول إنه لا يوجد عندنا مشكلة ولاء لأحد..

ما رأيك في العمليات المسلحة التي يسميها البعض انتحارية ويسميها آخرون استشهادية؟

هذه العمليات تستهدف المدنيين، أي من هم ليسوا مستوطنين وليسوا جنودا لا يرتدون زي الجندية.. هؤلاء هم المدنيون.. أي من يوجدون في مطعم صدفة أو في محطة للحافلات ومحل خضرة.. بالصدفة مثل كل الناس في العالم.. هناك فرق بين استهداف المدنيين واستهداف الجندي والمستوطن.. فالجندي والمستوطن يمثل السياسة، في حين أن هذا المدني لا يمثل السياسة، فالخطوة التي قام بها كالأكل في مطعم مثلا لا تمثل سياسة.

ألا يعاقبهم الفدائيون على موقفهم السياسي؟

لا ينظرون من هذه الزاوية ولا يستطيع أن ينظر من هذه الزاوية إلا باحث سياسي، لكن الناس في حياتها اليومية والسياسية تفرق بين أهداف وسياسات الدولة وما يمثلها وما يجسدها، وبين استهداف المواطن له.

هذا النقاش هو نقاش عرب الداخل مع العمليات.. حيث إن هناك من يموت منهم في هذه العمليات وحدث أن خرجنا في ثلاث جنازات من هذا النوع وقد ارتفع فيها العلم الفلسطيني، وكان هذا أمرا مثيرا للبكاء.. حيث جاءت إسرائيل وحاولت أن ترفع العلم الإسرائيلي، لكني مشيت في أول الجنازة ورفعت العلم الفلسطيني ولم يكن هذا سهلا، وكان فيه خطر لأن إسرائيل تعرف كيف تستقطب نقمة العرب لصالحها، هذا النقاش موجود في كل بيت ومحل في المجتمع الفلسطيني منذ الثورة الفلسطينية.. لكن نسبة من يؤيدون هذه العمليات في الضفة عكس نسبتها في الداخل.. عندنا مثلا حوالي 80% لا يؤيدونها في حين أن حوالي 80% في الضفة وغزة يؤيدونها.

ألا يمكن أن يتكرر في فلسطين الاتفاق على الصراع بعيدا عن المدنيين كما كان الحال عقب اتفاقيات أبريل/نيسان في لبنان بين حزب الله وإسرائيل؟

عمليا الاتفاقيات تمكن من مقاومة الجندي على أرض لبنان دون أن يؤدي هذا إلى نشوب حرب.. ولذا كان هذا الأمر خطيرا ومثيرا لشارون وغيره. بالنسبة للوضع الفلسطيني لا يوجد اتفاقيات مشابهة لهذا الأمر. ويمكن الاستزادة في مسألة حزب الله من الدراسة التي كتبها البروفيسور زئيف معوز والمنشورة في موقع www.arabs48.com

في إطار الجدل الذي تشهده الساحة الفلسطينية الآن عن العمليات الاستشهادية كيف تنظر أنت إلى هذه القضية؟

من يتحدث عن فلسطين التاريخية لا بد أن تكون لديه إستراتيجية تحرير شاملة حتى الإخوة في حماس يتحدثون عن عدم التنازل عن فلسطين التاريخية ولا يتحدثون عن استعادة فلسطين التاريخية ضمن تسوية، ولا أعلم أحدا لديه إستراتيجية تحرير شاملة في حرب ويعتبر العرب في إسرائيل عقبة كأداء.. كل الفلسطينيين يتحدثون عن نضالات ضمن إطار إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع بما في ذلك حماس، والكل يتحدث ونحن نتحدث عن البقاء في الداخل.. ولكن البقاء في الداخل بأي شروط.. هل نصبح إسرائيليين؟ نحن نقول .. لا.. يجب أن نبقى فلسطينيين.. ولكن تحت أي ظروف.. من خلال كيان اجتماعي متطور.. وهذا يتطلب مطلب المساواة والحقوق وتوسيعها، وهو ما يتناقض مع الصهيونية، نحن عندما طرحنا مفهوم المواطنة طرحناه بتناقض مع مفهوم الدولة لليهود، المواطنة كشيء دولي واليهودية كشيء عرقي يتناقضان، ولذا ووجهنا بردة فعل تكاد تكون هستيرية، وهذا يدل كم نحن محقون، ولذا قال شارون إن أكبر عدو يواجه إسرائيل هو قوميون عرب يتلبسون بلباس الليبرالية ويتحدثون عن دولة لجميع مواطنيها، ويردد نفس الشيء نتنياهو وهذا يدل على أن خطابنا مؤذ ومصاغ بلغة ديمقراطية، وأنا أعتقد أن هذه هي مشكلتهم وليست مشكلتي، فأنا لن أتوقف عن أن أكون ديمقراطيا، وسأبقى ديمقراطيا أشدد على مفهوم المواطنة، ويأتوا هم يقولون لا توجد مواطنة ولا مساواة، ولكن يقولوها هم وليس نحن، في نفس الوقت فلسطينيتي وقوميتي العربية ليست موضوع مساواة فحسب ولكنها ليست موضوع نقاش من الأساس، لأن هذا معطى تاريخي وأنا متمسك به ومتمسك بعروبة الأرض، وهذا النقاش مزعج الآن في إسرائيل، ولكن في المقابل أنا يزعجني في العالم العربي أشياء كثيرة، يزعجني العالم العربي بعدم ديمقراطيته، ويوجد بعض الأصوليين يزعجونني بلغاتهم وبتوجهاتهم، بمسألة انفتاحهم، بتعاملهم مع المرأة، كما آخذ أنا منهم شهادات أنا أعطيهم أيضا شهادات... وبالنسبة للعمليات فقد أسفرت عن الآتي:

مجتمع دولي رافض لها

زيادة تماسك المجتمع الإسرائيلي وزيادة شعوره بوحدة المصير مع المستوطنين والجنود، وبدلا من أن يوضع شرخ بين المستوطنين وبين سياسة الحكومة، يصير المجتمع يشعر بوحدة مصير مع سياسة الحكومة، وهذا أمر ثابت تاريخيا منذ حرب الاستنزاف.
قللت صمود المجتمع الفلسطيني نفسه، حيث جرّت إسرائيل لعملية كسر عظم مع المجتمع الفلسطيني مثلما حدث بعد عملية نتانيا، وكلنا يعتقد بأن اجتياح 29 مارس/ آذار لم يكن مفيدا، المقاومة بمنطقها تاريخيا هو منطق اللسع وليس منطق الجر إلى مواجهة شاملة، إذا حدثت مواجهة شاملة لم يعد الأمر حركة مقاومة، تصبح المسألة حربا وأنت لست جاهزا للحرب، حيث إن قوات الأمن الفلسطينية تجلس في بيوتها "بالبيجامات" ملابس النوم، على الأقل جزء أساسي منها الذين قاوموا في جنين.
هناك قضية أساسية متعلقة بالإستراتيجية الموحدة، أنا أفكر أن أي إستراتيجية مقاومة لشعب تحت الاحتلال بغض النظر عن نقاشي معها لابد أن تكون موحدة، إذا لم تكن موحدة يصبح ضررها مضاعفا، حيث يصبح أحد الدوافع الرئيسة فيها الحسابات الفلسطينية الداخلية أو الحسابات اللبنانية الداخلية، أو الحسابات السورية الداخلية، وليس حسابات الصراع مع العدو الأصلي الذي هو الاحتلال، لهذا تتوزع طاقة المقاومة لأهداف وغايات مختلفة، وأيضا الحسابات البراغماتية حول نجاعة أو عدم نجاعة الأداء تصبح موضوعا ثانويا، ويثور التساؤل عما إذا كانت تحقق شعبية أم لا في العالم العربي، ولذلك تلاحظ تلك الظاهرة الغريبة التي لا يوجد نظير لها عند الشعوب الأخرى، وهي التنافس على إعلان المسؤولية عن العمليات.

على الجانب الآخر بالنسبة للجانب الإسرائيلي ألا تؤدي تلك العمليات إلى تراكم شعور المواطن الإسرائيلي بفقدان الأمن؟

تاريخيا ليس لدي شك والإسرائيليون يقولون هذا الكلام ولست بحاجة إلي أن أؤكده فكل الإسرائيليين يقولون إن الحرب أنهكتهم، فمثلا عملية تدمير برجي مركز التجارة أضرت أميركا لكنها أضرت سياسيا؟.

تراكمات الضرر ألا تؤدي إلى مكاسب سياسية؟

لا نعرف.. ما نعرفه الآن هو ما يلي.. أن هذه العمليات بلا شك تضر بالمجتمع والاقتصاد والمعنويات الإسرائيلية لذا تقاومها إسرائيل بكل شدة، ولذا أهم مقومات الدولة -أي دولة- هي الحفاظ على الأمن العام للمواطنين، وإذا كانت الدولة لا تستطيع أن تحافظ على الأمن فهذا إنهاك لهيبتها وهذا همّ يشغل شارون وحكومته وبالتالي يضعون طاقة هائلة من إمكانيات الدولة في مكافحة العمليات، غير أنه لا توجد إنجازات سياسية من هذه العمليات حتى الآن بل بالعكس أضرت، نحن مختلفون على تقييمها في المدى البعيد، ولكن ألا يحق لي أن أتساءل الآن.. يا إخوان ما هي إستراتيجيتكم.. أنت تريد أن تقنعني أن هذه العمليات تقود إلى دولة فلسطينية، أرني كيف ذلك؟ نحن لسنا مختلفين أنها أضرت بالمجتمع الإسرائيلي ولكن أرني كيف أنت تعلن أن هذا غير مرتبط بإستراتيجية سياسية أبدا.

وهل توجد قيادة فلسطينية تستطيع أن تستثمر هذا الأمر؟

لا توجد هذه القيادة السياسية الموحدة التي تحكم وتضع هذه الإستراتيجيات.. هناك فرق بين إستراتيجيات مقاومة وبين عمليات، عملية وعملية وعملية لا تخلق إستراتيجية.

*قسم البحوث والدراسات- الجزيرة نت