تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حوار مع السجل حول كتاب في المسألة العربية

2008-03-20

حوار صحيفة "السجل" الأسبوعية، مع د. عزمي بشارة حول كتابه الأخير " في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي"..

حاوره: فايز الصياغ وحسين نشوان

يرى المفكر العرب عزمي بشارة ان كتابه في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي هو محاولة لإعادة صياغة اسئلة الفكر القومي العربي بربطه بقضايا المواطنة، وان يعي نقاط ضعفه ونقاط قوته. في هذا الإطار، يقول للسجل إن لا بديل للقومية العربية في مواجهة بنى ما قبل الحداثة ومواجهة تسييس الهويات ما قبل القومية.

ويتناول بشارة في حديثه جوانب مشروعه الفكري ورؤيته للوحدة العربية، والحدود الفاصلة بين فكرة القومية والتأطير الإيديولوجي.

العنوان:

لماذا "المسألة العربية"، وليس "القضية العربية"؟ وهل العلاقة بين المسألة العربية والمسألة الفلسطينية هي استعادة لمقولات (القضية المركزية)، و(فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين)، أم هي استعادة للاستعارة المجازية المعروفة عن "المسألة الشرقية" و"الرجل المريض"؟

رغبت فقط بتمييز "المسألة العربية" عن التداعيات التي تتركها في الذهن صياغات مثل "القضايا العربية" أو "القضية العربية". وقصدنا أن نصور بهذا التعبيرخصوصة الإشكال- التعقيد، هذا ما نقصده ب"مسألة". هنالك إشكال نظري لا يمكن من مفهوم تعثر التحول الديمقراطي دون القضية القومية. وطبعا كنت على وعي بترجمة "المسألة الشرقية" عن الانجليزية، وذكرت ذلك. ولكن هذا ليس هدفي.هذه لغتنا وليست لغة أجنبية. والآخرون يستعيرون منها وليس نحن. وأنا احببت أن اظهر الإشكال النظري الذي يبحثه الكتاب على غلافه، اي أن هنالك إشكال، يرمز إليه استخدام كلمة "مسألة"، وليس قضية. مع انه براينا ولمن يريد ويتفق معنا فإنه عن هذه المسألة العربية تتفرع او تنتج قضايا عربية عادلة كثيرة منها القضية القومية ليس فقط كقضية وحدة بل كحاجة للتحديث وكمقدمة ضرورية لطرح إشكالية الديمقراطية.

ولكن هذا حكم معياري لمن يختار.

البحث النظري "العلمي" في الكتاب يحاول ان يثبت علاقة بين القضية القومية كقضية العروبة والهوية العربية, والتقسيم الحدودي الاستعماري وقضية الهويات المحلية الطائفية والعشائرية وصعوبة بناء الأمة في كل دولة والاقتصاد الريعي واخيرا علاقة كل هذا مع طرح الديمقراطية.

كما أنه يميز بين الديمقراطية دون ديمقراطيين والحاجة ان ينظم الديمقراطيون انفسهم في حالات مثل الحالة العربية.

دون ذلك لا تكون قضية الديمقراطية أكثر من تبشير استعماري او تنويري، لا يهم، اقصد تبقى قضية فوقية، وعظ، لا علاقة له بالبنى والقوى الاجتماعية القائمة وبنية الدولة وبما يجري فعلا.

مقدمة البيان:

هل يؤسس الكتاب لمقولات أو برامج ، لإعلان مشروع تنويري، أم يسعى إلى تأسيس حزب سياسي، وأين يقع ذلك في إطار السياق التاريخي للفكر العربي؟

لا أدري. هذا بحث يجب ان يحاكم بمقاييس بحثية. ولكنه ليس بحثا في فراغ. هو يتضمن فرضيات نظرية. ولكن طرحها كمحاولة إجابة على أسئلة ملحة، واختيار الأسئلة المطروحة لم يتم في فراغ، بل نتيجة لمواقف ومعاناة فكرية وصراع إذا صح التعبير هو وليد موقع وموقف. إنه محاولة لإعاة صياغة أسئلة الفكر القومي العربي، بربطه بقضايا المواطنة، وأن يعي نقاط ضعفه من جهة، ونقاط قوته من جهة أخرى. نقطة القوة برأيي انه لا بديل للقومية العربية في مواجهة بنى ما قبل الحداثة، وفي مواجهة تسييس الهويات ما قبل القومية. ونقطة ضعفه غياب نظرية الدولة وتحوله إلى إيديولوجيا تبريرية او حتى نقدية. القومية كإيديولوجية هي حالة تعويضية عن عدم تحقق القومية في الدولة، اي في السياسة الفعلية. كلما ابتعدت عن التحقق الدولة ازدادت إيديولوجية، وكلما ازدادت القومية إيديولوجية قلت تسيسا.

المحاولة تجري ضمن مشروع فكري بدا بكتاب المجتمع المدني وهو كتاب في تاريخ الفكر السياسي، ويستمر الآن في هذا الكتاب، وما سوف يتبعة ككتاب ثالث. طبعا بين هذا وذاك كتبت بنفس المهجح الحداثي التنويري كتبا أخرى من "يهودية الدولة حتى شارون" و"النهضة المعاقة" وكتبا ادبية، ولكن هذه الكتب الثلاثة بما فيها هذا الكتاب تشكل مشروعا فكريا يجمع بين القومية العربية والفكرة الديمقراطية وفكرة المواطنة ( وهي عندي تجمع بين الديمقراطية والحقوق اللبرالية السياسية والحقوق الاجتماعية في صراع مع اللبرالية الاقتصادية) واليسار بمعنى إرث العدالة الاجتماعية.

ولمن يريد فعلا سياسيا اعتقد ان هذا هو التحدي. كيف تكون ديمقراطيا ضد التدخل الاستعماري وضد الديكتاتورية في الوقت ذاته، وأن تتمسك بالقومية العربية وتعرف اهميتها التاريخية والثقافية والسياسة كهوية العرب الحداثية وكجسر مع الحضارة الإسلامية، ولا تتخلى عن فكرة العدالة الاجتماعية رغم انهيار الدول الاشتراكية. كيف تكون ديمقراطيا يسعى الى العدالة وليس نيو لبراليا.

لا أدري، ولكني أحدد موقع الكتاب فكريا في الفصول الاولى. ومن الواضح اني اعتبر استمرار أو استعادة النهضة العربية المدنية مسألة متعلقة بحل الإشكالات اعلاه.

النحن المتخيلة:

مدى تأثير المفاهيم الأوروبية/الغربية في تفكير عزمي بشارة لجهة تطور مفهوم القومية والديمقراطية والعلاقة بين العقلانية والعدالة، كما هي في أعمال بنديكت أندرسون، إرنست غلنر، إريك هوبزباوم؟

وأنا اضيف لك ايضا كارل ماركس وايمانويل كانت وهيجل وماكس فير. ومدرسة فرانكفورت النقدية طبعا، طبعا. وتأثيرهم هائل انا تلميذ هذه الأفكار الكبرى والأسئلة التي طرحتها، وتعثر الأجوبة، وفي صراع مع التفسيرات الغيبية في تحويل بعض هؤلاء الى ديانات. فالتعصب لمنهج علمي بعينه هو عكس كلمة منهج علمي. ولن اتمكن من مراجعة تأثير كل منهم على حدة. وأترك هذه المهمة لنقاد الكتاب.

ولا شك ان الفكرة القومية فكرة غربية، مثل فكرة المجتمع في مقابل الجماعة، والمجتمع المدني وحتى الدولة الحديثة. طبعا هي سياقات غربية ما لبثت ان توسعت مع انتشار الحداثة. لا يمكن ابدا استنساخ نشوء العملية الاصلية لنشوء القومية والديمقراطية. وليس ضروريا ان يحصل ذلك. والتحدي هو في العلاقة بين النموذج النظري والحالات الخاصة. فمثلا نقد هوبسباوم وحتى جلنر للقومية يفترض حالة انجلو سكسونية تدعي التحرر من الفكرة مع انها متحررة فقط من الإيديولوجيا لان القومية متحققة في الدولة بشكل طبيعي ومبكر ودون ثورات قومية كما جرى في القارة الأوروبية. ومن هنا هذا الاستعلاء تجاه القومية الاوروبية خاصة في وسط اوروبا.
ولكن الانجليز والأميركان يبدون مظاهر شوفينية قومية إثنية ثقافية في كل ازمة، لا تقل عن مظاهر القومية المتطرفة في وسط اوروبا. نحن نرى الامور بتعقيد اكبر من هنا. نحن نشاركهم نقد القومية كإيدولوجية خطيرة ولكن الفرق ان ندرك مخاطر التخلي عنها وتفكيكها قبل تحققها عربيا مما يؤدي الى ما قبل الحداثة، وليس ما بعد الحداثة.

الجماعة المتخيلة حقيقية طبعا، بالضبط كما ان وسائل الاتصال حقيقية، والا فإن الجماعات المتخلية بدلا عنها هي الطائفة غير المحددة في المكان.

إعادة إنتاج الآيديولوجيا:

ما هي الحدود الفاصلة بين فكرة القومية والتأطير الآيديولوجي؟

سؤال هام. لا بد في حالة الفشل في التحقق في الدولة واستمرار وجود الدافع القومي بسبب وجود الجماعة المتخيلة كإطار يدفع نحو السيادة، وعدم تطور اطر بديلة عبر المواطنة الكاملة، ونحن نرى ان الجرح القومي ملتهب ولا ينجب الا بدائل "مفرطة". ولم تنتج الدول المحلية في إقامة قوميات محلية بديلة ولا امم مواطنين، فلا بد من التأطير على اساس سياسي. ولكن لا يجوز في هذا الإطار ان تعتبر القومية هي الإيديولوجية التي يقوم عليها التنظيم. التنظيم القومي يؤمن ويرى وظيفة وضرورة القومية العربية. ولكن هذه وحدها قد تدهوره الى فكر فاشي او تبرير لانظمة او غيره. على الفكر القومي ان يعلن عن نفسه في النظرية والممارسة هل هو فكر قومي ديمقراطي أم لا، هل يدفع باتجاه العدالة الاجتماعية ضد الخصخصة لل"حراميِّة" الجدد، والنوفوريش وضد رأسمالية الدولة الفاسدة؟ أم لا؟ لم يعد بإمكان التنظيم القومي ان يعفي نفسه من الإجابة على اسئلة المواطنة والديمقراطية السياسية والسياسة الاقتصادية وعلاقة الدين بالدولة وسياسة الرفاه والتعليم وغيرها. ونحن نقول في هذا الكتاب انه ليس بوسع العربي الديمقراطي فعلا الا ان يكون قوميا بمعنى فهم اهمية تحدي التقسيم الاستعماري لتعثر الديمقراطية، وبمعنى خطور الطائفية والعشائرية السياسية. وليس بوسع من يريد فعلا تحقق سيادة للامة ووحدة عربية الا ان يكون ديمقراطيا. من يريد ان يكون فاعلا سياسيا يستنتج ذلك من هذا الكتاب.

المشاريع الديمقراطية الحية:

ثمة العديد من المراكز البحثية الغربية التي تتمحور دراساتها واهتماماتها حول موضوع الديمقراطية، هل هناك علاقة بين المشروع/ الكتاب وأنشطة هذه المراكز التي اتخذت من أوروبا مقرا لها؟

طبعا لا علاقة إطلاقا. الكتاب برمته نقد جذري لمواقق ومنطلقات طرح الديمقراطية دون تسييس ودون القضية القومية والقضايا الاخرى التي تشغل الناس. هو النقيض الديمقراطي لهذه المراكز ونظرياتها. او هكذا اريده ان يكون. ليس لدي مانع من اللقاء مع ابحاث علمية تصدر في مراكز لا اتفق مع منطلقاتها، إذا كان البحث جديا فهو جدي، ويجب اخذه بعين الاعتبار بغض النظر عن منطلقات صاحبه.

أنا ادعي ان الديمقراطية يجب ان تكون أجندة وطنية، ومقياس موقفي من المراكز هو عملها في إطار او خارج إطار الأجندات الوطنية.

خطاب جماهيري موجه للنخبة؟

يسعى الخطاب إلى الوصول إلى "الجماهير" إلا أن الكتاب يكتنفه الغموض في المصطلح والمفاهيم، مما يجعل منه خطابا نخبويا (مع أن الكثير من مفاهيمه وعباراته يستعصي حتى على بعض "النخبة").

الحقيقة اني لا ارى ذلك. ولا اتفق مع العديد من الاخوة الذين ادعوا ذلك؟ طبعا الكتاب ليس شعبيا بالمعنى المتداول، ولا جماهيريا، ولا اسعى ان يكون. وهو ايضا ليس كتاب في فن الطبخ، ولا قصة خفيفة. مع اني اصل الى الجماهير بلغة مفهومة كما هو معروف بوسائل اتصال أخرى غير الكتاب.

قابلت الكثير من المثقفين الذي قرؤوه وفهمت من حوارهم معي انهم فهموه. في بعض الاحيان تطلق التهمة كسلا او لصنع صورة نخبوية للمؤلف عند من يعتقدون ان كلمة نخبة هي كلمة سيئة. العلم والثقافة قد يكونا نخبويين أحيانا ولا بأس بذلك ما دامت "النخبوية" ليست موقفا بل أسلوب ناجم عن المضمون. طبعا هنالك توقع من الكاتب المعروف في سياقات أخرى وفي الإعلام ان تكون كتابته مفهومة لكل الناس الذين يفهمونه في التلفزيون. هذا يصح بالنسبة لمقالي السياسي ولمقابلاتي وبعض كتبي ايضا. ولكن بالنسبة لكتاب اختصاص، وهذا كتاب اختصاص، لا يفترض ان يكون مفهوما لكل الناس. المصيبة ان من ينتقد بهذا الشكل يقدس احيانا فلاسفة لم يقرأ لهم بل قرا عنهم، وإذا قرأهم لا يفهمهم. ومع ذلك يتهم من يختلف معه بالرأي انه غير مفهوم.

الكتاب مفهوم لذوي الاختصاص، وللمثقف المتوسط اذا بذل جهدا. والافكار تصل الى الناس عبر وسطاء عديدين. عادة يقبل ذلك مثقفو الايديولوجيات، يقبلون ان تمر اليهم افكار إيديولوجيين يساريين او أصوليين دينيين عبر وسطاء مثل الكراسات والندوات والمحاضرات والمدرسة والجامعة وغيرها. وهذا الكتاب يدعي انه بحثي وعلمي ومنطقي ومتورط حتى النهاية باسئلة تشغل الناس، ولا بد ان يصل الى الناس عبر الحوار والنقد والمثقفين والمسيسين وغيرهم. لقد نفذت الطبعة الاولى من الأسواق في خلال اشهر ونحن بصدد الطبعة الثانية.

وفي الطبعة الثانية تم تدقيق العديد من الفقرات التي بدت معقدة وقد بسطنا حيث يمكن التبسيط عندما كان ثمن المس بالمعنى قليلا. ولكن ليس بأي ثمن.

تعريفات فقهية:

ثمة تأويلات في الكتاب تقترب من التعريفات الفقهية لموضوعة التدين، وهو ما يمكن أن يثير الكثير من الأسئلة التي تخرج الدراسة عن سياقاتها العلمية والفكرية؟

موضوعة التدين موضوعة تستحق البحث علميا. وخلافا للدين ومقولاته موضوعة التدين خاضعة للعقل. إنها مسألة ممارسة اجتماعية. والممارسة الاجتماعية ووظيفتها ومعناها كلها تخضع للبحث وللعقل.

هذا موضوع كتابي القادم. ولكني بالطبع لم اقدم تعريفات فقهية للتدين. وكونك لا تتفق مع الفقه او انماط التدين لا عني انها غير قائمة ومؤثرة اجتماعيا وتستحق الدراسة. في الكتاب فصل واحد يتعلق بالعلاقة بين العروبة والإسلام، وهو يشمل ايضا تمييزات بين العروبة القديمة كهوية وبين القومية العربية الحديثة. وكان لا بد من هذا الفصل رغم الكتاب الشامل الذي سوف يصدر عن موضوع التدين.

مشابَهات:

هناك استعارات تقارب بين موضوع الوحدة مع الاتحاد الأوروبي الذي يقوم على الاتفاقات الاقتصادية والنقد والسياسات. ألا يتقاطع ذلك مع فكرة الدولة (الأمة) التي تشترك في التاريخ واللغة و"المصير المشترك".؟

طبعا تتقاطع. ولكن الامر الاساسي هو الواقعية. فهي التي دفعتنا الى النظر الى هذا النموذج، لان نموذج توحيد المانيا وايطاليا الذي تأثرت به القومية العربية وغيرها من قوميات العالم الثالت، لم يعد ساريا في عصر الدولة القطرية الحديثة ومفهوم السيادة والقانون الدولي.

ونحن نرى ان الوحدة العربية يجب ان تطرح بصيغة شبيهة لانها تتضمن الارتقاء من الدولة الى الاتحاد بواسطة الديمقراطية والقرار الجماهيري وبعد وحدة اقتصادية تقرب بين بنى الدول في ظل نخب متنورة. وهي تحقق التوق القومي العربي الاساسي وهو زوال الحدود دون سيطرة دولة على ثروات دولة أخرى بعده، ودون القفز مباشرة من السيادة المحلية الى هيمنة دول اخرى. ولكنها تحول الاقتصاد الى التعاملات العربية المتبادلة اولا وقبل كل شيء، وتقوي التجارة الداخلية، وتضمن النظام الديمقراطي اذا ما تحقق عربيا. لا يوجد رؤيا ارقى يطرحها القوميون العرب ويجعل التمسك بالقومية كهوية جامعة في كل قطر امرا يستحق الجهد رغم الاحباطات.