يمثّل كتاب الدكتور عزمي بشارة "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة" (المركز العربي للأبحاث والدراسات، بيروت، الدوحة، 2020) مرجعاً قيّماً ومفيداً بحق، وتتبدّى أهميته على أكثر
تكمن أهمية الكتاب في أنه يعد مساهمة عربية أصيلة في التنظير للتحول الديمقراطي من واقع تجربة البلدان العربية، إلا أن الفصل الأخير فيه يكاد يكون الأهم على الإطلاق. حيث يتناول فيه عزمي بشارة تجارب تشيلي ومصر وتونس في محاولة للتعلم من الفروقات بين التجربتين.
تأتي موضوعات الديمقراطية والدمقرطة عربيًا في أعلى سُلّم اهتمامات بشارة البحثية، بوصفه مُفكرًا ومثقفًا ديمقراطيًا عربيًا، فقد خصّصَ لها العديد من المقالات والدراسات والكتب، التي يُمكن اعتبارها أنموذجًا للتنظير العربي حول الديمقراطية، بحيث تتجاوز المقاربات الّتي قدّمها في تفسير إشكاليات الدمقرطة في العالم العربي حدودها، لتستحيلَ إسهامًا عالميًا.
يقدم الكتاب مقاربة نقدية جديدة لفهم حيثيات وتفاصيل صفقة القرن والتي سميت "صفقة ترامب - نتنياهو"، وفي محطات أخرى أطلق عليها المؤلف تسمية "الرؤية" لفهم أحداث القضية الفلسطينية بمجرياتها وتطوراتها والفاعلين فيها، مع تفصيل وتشريح لديناميكية الأحداث التي أدت إليها، وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
الكتاب انطلق من التشخيص وتعيين المخاطر وشرح السياق الذي جاءت فيه خطة اليمين الأميركي الصهيوني مستندة إلى الخطط الأميركية التي سبقتها، وإلى ما أنجزه المشروع الصهيوني على الأرض، ليصل إلى طرح السؤال وتقديم إجابات حضرت في نص غني وكثيف، محتشد بأفكارٍ كثيرة تؤسس للنقاش الجدي المطلوب، على طريق وضع خطة مجابهة، وهو ما يبدو شاغلًا للدكتور بشارة، حيث يدعو من البداية إلى "بلورة خطة مواجهة تتضمن وضوحًا في الأهداف والوسائل"
يقدّم الكتاب، بفصوله الأربعة، تحليلاتٍ مكثّفة ومتوازية، عالجت تطوّر الموقف الأميركيّ من القضيّة الفلسطينية، وفككت المضمون الصهيوني لمبادرة الرئيس دونالد ترامب، وتتبعت تاريخًا طويلًا من استراتيجيات القيادة الفلسطينية المتعثرة والمكابرة في التعويل على الولايات المتحدة في سبيل الحصول على دولة. ولم يخلُ الكتاب، في فصلٍ مستقل، من تقديم خطوطٍ عريضةٍ لبرنامجٍ نضاليٍّ يفسح المجال لإنشاء مؤسسات سياسية بأفق جديد يتعامل مع الواقع المفروض على الأرض بوصفه واقع فصل عنصري (أبارتهايد)، لا بوصفه نضالًا من أجل فكرة الدولة.
تتضمن إجابة بشارة عن السؤال تصوّره لمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، من موقعه مفكرا عربيا فلسطينيا، فهو يقدّم رؤية، ويترك أمر الإجابة عن سؤال "البرامج والخطط النضالية" للمشتغلين بالسياسة والأحزاب والتنظيمات، مكتفيًا "بالإشارة إلى الاتجاه"، إذ "لا معنى لوجود أي حزب سياسي فلسطيني، إذا لم تكن لديه إجابة عن سؤال البرنامج في الظروف الجديدة". وإذا ما عجزت الفصائل عن فعل ذلك، "فعليها ألا تستغرب أو تغضب من تولّد بدائل" يبدو وكأنه يتنبأ بمولدها، ويضع شرطًا لذلك أن تتجمّع "المبادرات المنتشرة في كل مكان" وتنتظم.
في فصل "ما العمل؟" ما يستوفي شروط برنامج نضالي فلسطيني وعربي، ومع أن أن كاتبه يقدمه اليوم بمنهجيته كمفكر في السياسة والاجتماع والتاريخ بخلفية نضالية طويلة، إلا أنه يرتقي ليكون بمثابة بيان سياسي مؤسِّس، لم يصدر عن أي جهة أو فاعلين وشخصيات وطنية فلسطينية ما يشبهه، في مرحلة هي الأحلك في تاريخ القضية الفلسطينية من ناحية توسع نظام الفصل العنصري، وانفضاض المحيط الرسمي العربي عن القضية الفلسطينية، بل وتآمره عليها بالتحالف مع إسرائيل لا مجرد التطبيع معها.
ينتقد بشارة النظرة السائدة تجاه السلفية، التي تحيلها على مجموعة أفكار متجانسة وصلدة متماسكة، إذ أن الواقع يؤكد أنها "سلفيات" لا سلفية واحدة، وأنها ذات اتجاهات متعددة، ومدارس مختلفة.
تهتم هذه ادراسة بتعاطي المفكر العربي عزمي بشارة مع الظاهرة السلفية ومتخيلاتها ضمن كتابه "في الإجابة عن سؤال ما السلفية؟"، حيث تسعى إلى إبراز ومناقشة جوانب مهمة من طبيعة ووظيفة الاستذكار المؤدلج ضمن الظاهرة السلفية كما عالجها الكتاب الذي يضم بين دفتيه حفريات في ذاكرة الظاهرة السلفية بتنويعاتها المتباينة، في محاولة بينتخصصبة لتقديم فهم دقيق للظاهرة بوصفها استنادا مؤدلجا لماض متخيل، ببرز فيه الفعل السلفي من كونه فعلاً استذكاريا. مما يجعل من هذا الكتاب دعوة مستجدة لفتح أفاق بحثية للتعاطي البينتخصصي مع الحركات الدينية الحديثة بوصفها قطاعا مهما من مجموع المتخيلات الاجتماعية ذات الحضور الواضح في السياق السوسيوثقافي للمنطقة.
Subscribe to مراجعات