تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تحديات أمام العلوم الاجتماعية والإنسانيات في السياق العربي

2017-10-19

افتتاحًا للعام الجامعي في معهد الدوحة للدراسات العليا:

ألقى الدكتور عزمي بشارة المحاضرة الافتتاحية للعام الجامعي 2017/2018 في معهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان: "معهد الدوحة: تحديات أمام العلوم الاجتماعية والإنسانيات في السياق العربي".

وتطرق الدكتور بشارة، في البداية، إلى أهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية لجمهورٍ اختار أن يَدرُسَهَا ويُدَرِّسَّها، والتطور التاريخي للدراسات المتعلقة بالإنسان وإنتاجه ونشاطه. وتناول التداخل والتكامل مع التخصصات ضمن العلوم الإنسانية على أساس المعرفة العينية المتخصصة وضروراتها؛ وهو هدف معهد الدوحة. وفي هذا السياق قال: "عند تأسيس معهد الدوحة قرّرنا بوعيٍ كاملٍ أن نجمع العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ قناعةً منا بأنّ العلوم الاجتماعيّة إنسانية، والعلوم الإنسانية اجتماعية"؛ إذ لا يصح أن يتخرج في معهد الدوحة طالبٌ متخصصٌ في أي فرع من العلوم الاجتماعية والإنسانية والإدارة العامة من دون أن تكون لديه فكرة عن بعض القضايا الرئيسة في العلوم الاجتماعية على المستوى العالمي وتاريخ الفكر والقضايا الكبرى التي تشغل المجتمعات العربية.

ورأى الدكتور بشارة أن تدريسَ معهد الدوحة للعلوم الاجتماعية والإنسانية والإدارة العامة هو فرصةٌ تاريخية لبناء مشروعٍ مختلفٍ عن السائد في العلوم الاجتماعية والإنسانية والإدارة العامة من خلال التفرغ للتأمل والبحث في أجواء من الحريّة الأكاديمية وتشجيع التفكير النقدي والتفاعل المثمر بين الباحثين والأساتذة والطلاب. والغاية الأساسية منه المساهمة في بناء مشروع نهضة عربية.

وفي رأيه، تتجلى النهضة أيضًا، في أي سياقٍ ثقافي، في اللغة، إن لم تبدأ بها؛ فالشعوب تنهض بلغتها. وقد كانت النهضة الأولى التي استُقي منها مصطلحُ "رينيساس" في المدن الإيطاليّة بدأت باللغة المحلية، ولكن ليس من دون معرفة روادها للغات الأخرى، ومنها اللغة العربية في بعض الحالات. وينطبق هذا أيضًا على النهضات الأخرى مثل الفرنسية والإنكليزية والألمانية واليابانية والصينية والإيرانية وغيرها.

ورأى د. بشارة أنّ أحد المآزق الكبرى التي تواجه العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في الدول التي ليس لديها مشروع دولة، أي مشروع بناء أمة، بل مشروع سلطة، وهي غالبًا دولٌ استبدادية و/أو دولٌ غير متطورة اقتصاديًّا،  لا تمتلك القدرة و/أو الرغبة والإرادة للاحتفاظ بمؤسّسات أكاديميّة كبيرة، يتلخص في أنّ العلوم النظرية عمومًا مهمشةٌ ولا يُستثمر فيها المال والجهد. كما أن المجتمع المدني ضعيف ولا يقوم بأود مثل هذه العلوم، لأنه لا يستند إلى عملية أنتاج خارج قطاع الدولة.

في هذا الصدد، عالج د.بشارة في مسألة فصل الحكم الأخلاقي والتفكير في الغايات عن العلم، الذي قاد الى معضلات عديدة، وصفها بفجيعة استخدام العلم  بوصفه مجرد أداة للسيطرة، واستغلال المهارات المكتسبة في العلوم الاجتماعيّة والإنسانية في خدمةِ غاياتٍ غير عادلة مثل الظلم وقتل الأبرياء وتبرير الاستبداد والفساد والحروب العدوانيّة، وأحيانا في مناقضة نفسه مباشرة، أي في تعميم الجهل بدل نشر المعرفة، ووسائل تعميم الجهل تتنافس في أيامنا مع وسائل تعميم المعرفة.

كما طالب د. بشارة في محاضرته بمسؤولية الاكاديمين بوضع  الأجندة البحثية، والتوقف عن اللهاث خلف خطوات الأكاديمية الغربية التي تنطلق هناك بصفتها تجديدات وتصلنا بوصفها تقليعات، ونصيخَ السمع لإيقاع الواقع الذي نعيشه، وأن نتفحص المختبر الكبير الذي يحيط بنا من كل جانب والذي يتمنى دخوله أي باحث في الغرب. من هنا تنطلق مساهمتُنا العالمية، ليس بالتفكير بها (أي بالمساهمة ذاتها)، بل بالتفكير بالظواهر العينية التي نريد أن نفهمها. فليس الحصول على اعتراف أميركي أو أوروبي هدفًا بحد ذاته، بل الإسهام في فهم مجتمعاتنا، وإن رافق ذلك اعترافٌ دوليٌ فهذا إنجاز مهم على مستوى بناء المؤسسة الأكاديمية.

لقراء نص المحاضرة كاملا انقر هنا