تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمات عن عزمي بشارة

2010-04-04

قضية عزمي بشارة.. قضية عرب 48

نيسان 04, 2010

 

هاشم حمدان

لا يمكن الحديث عن "قضية د.عزمي بشارة" بمعزل عن الحديث عن التجمع الوطني الديمقراطي وعن عرب 48. وهذه العلاقة بين الأطراف الثلاثة لا تحتكم فقط إلى علاقة التداخل، بل يمعن التداخل فيها ليصل حد التطابق. ومما لا شك فيه أن التهم التي جرى تلفيقها ضد د.بشارة هي استمرار للملاحقة السياسية، ولكن في ملعب آخر اقتضى تحويل قواعد اللعبة من المربع السياسي إلى المربع الأمني، على اعتبار أنه في هذا المربع يتم تجريد د.بشارة من أسلحته الفكرية، وتتمكن الأجهزة الأمنية من تجنب تحويل المداولات القضائية إلى نقاش سياسي، مثلما كان يحصل في السابق، وذلك لممارسة قواعد لعبة أخرى، جرى التخطيط لحسم نتيجتها في الزنازين وأقبية التحقيق، بالاعتماد على الجهاز القضائي المجند (خاصة في القضايا الأمنية)، إلا أنه ومثلما فشلوا في الملعب السياسي، فشلوا في الملعب الأمني، وإن اختلفت قواعد اللعبة.

وقد وجهت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى د.بشارة تهمة ارتكاب مخالفات أمنية خطيرة، تبين أنها تستند إلى أدلة واهية، من بينها، "مساعدة العدو خلال الحرب، والاتصال بعميل أجنبي، وتسليم معلومات للعدو، ومخالفات لقانون منع تمويل الإرهاب". وكانت ما تسمى "وحدة التحقيقات القطرية في الجرائم الدولية" التابعة للشرطة الإسرائيلية قد ادعت، في مؤتمر صحفي عقد  في مطلع أيار/ مايو، أن التهم ضد بشارة تتلخص بـ" إعطاء المشورة لحزب الله بشأن كيفية تعميق المساس بإسرائيل، وتأثير زيادة مدى الصواريخ إلى ما بعد حيفا على رد فعل إسرائيل، ونقل معلومات عسكرية منع نشرها من قبل الرقابة العسكرية الإسرائيلية، ونقل معلومات وتقديرات بشأن تغييرات محتملة في استعدادات إسرائيل خلال الحرب، ونية إسرائيل بالتعرض للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وإعطاء المشورة لحزب الله بشأن البيانات الإعلامية التي يجب تسويقها للجمهور الإسرائيلي خلال الحرب. كما ادعت أنه خالف قانون منع تمويل الإرهاب، وفي الوقت نفسه اعترفت بأنها لا تعرف مصدر الأموال ولا التنظيم "الإرهابي" المزعوم والذي يفترض أنه تلقى هذه الأموال، كما اعترفت أنها لا تعرف مبلغ هذه الأموال!..

ومن اللافت أيضاً، وفي سياق عرض التهم، في المؤتمر الصحفي المذكور، أنه تبين أن محكمة العدل العليا قد صادقت على قيام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الشاباك) بالتنصت على كافة اتصالات د.بشارة في شهر كانون الثاني/ يناير، مطلع العام 2006، أي قبل الحرب على لبنان. ما يعني أن النوايا التي كانت مبيتة ضد د.بشارة لتلفيق ملف أمني قد سبقت الحرب الأخيرة على لبنان.

ومما لا شك فيه أن استهداف د.بشارة، بوصفه رأس الحربة، كان يهدف إلى ترويع التجمع وترويع فلسطينيي الداخل، ودفعهم إلى التراجع والتقهقر، خاصة في ظل تعزز الهوية القومية والانتماء القومي، وتحول الخطاب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي إلى الخطاب السائد في الداخل. وقد عملت السلطات الإسرائيلية جاهدة منذ أن تأسس التجمع على محاولة ضربه أو إخراجه عن القانون، ولم تتوان بين الفترة والأخرى عن فتح الملفات القضائية المتلاحقة، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، بل ولم تتردد الكنيست في سن قوانين خصيصاً للمزيد من ملاحقة د.بشارة ومحاصرته، من بينها القانون الذي منع زيارة نواب الكنيست إلى الدول التي تعتبرها إسرائيل "دول عدو"، كسورية مثلاً.

فمنذ العام 1995، حين قدم التجمع الوطني الديمقراطي طلباً لمسجل الأحزاب بتسجيله كحزب، قامت عناصر يمينية بتقديم طلب لمنع تسجيل التجمع، بذريعة أن طرح التجمع شعار "دولة جميع مواطنيها" يناقض تعريف الدولة كدولة يهودية ديمقراطية، علاوة على أن التجمع في اعتباره أن القدس محتلة يتناقض مع سيادة الدولة، في حين أن مطالبة التجمع بحق العودة يهدد الدولة ويهوديتها. إلا أن كون شعار "دولة جميع مواطنيها" هو شعار ديمقراطي، علاوة على كون باقي الشعارات لا تتناقض مع القانون الدولي أدى إلى رفض منع تسجيل التجمع.

وفي العام 1999 جرت محاولة أخرى لمنع التجمع من خوض الانتخابات للكنيست الخامسة عشرة، إلا أن المحكمة العليا في حينه لم تر من المناسب منع د.عزمي بشارة والتجمع من خوض الانتخابات، بيد أنها سجلت في قرارها أن " أقوال النائب د.بشارة قريبة بشكل خطير من الحد الذي لا يجوز تجاوزه".

وفي العام 2001 صوتت الكنيست على نزع الحصانة البرلمانية عن د.عزمي بشارة، بناءاً على طلب المستشار القضائي للحكومة، في حينه، إلياكيم روبنشطاين، بغية تقديم لوائح اتهام ضد د.بشارة على خلفية الخطابين السياسيين، خطاب القرداحة وخطاب أم الفحم، علاوة على قيامه بتنظيم زيارات التواصل لفلسطينيي الداخل مع أقاربهم في سورية.

وكان د.بشارة قد تحدث في اجتماع جماهيري في مدينة أم الفحم في الخامس من حزيران/ يونيو عام 2000، وفي القرداحة في العاشر من حزيران/ يونيو عام 2001، أكد فيهما على حق الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية في مقاومة الاحتلال. وفي حينه اتهم د.بشارة بدعم تنظيم "إرهابي"، وبالتحديد حزب الله. مع الإشارة هنا إلى أن د.بشارة كان قد ألقى خطابات مماثلة، بنفس المضمون، في الكنيست من قبل. وتمحور النقاش القضائي في حينه على التفسير السياسي لمضمون الخطابات، والتي تندرج ضمن حرية التعبير السياسي، ناهيك عن كون الحصانة البرلمانية تسري على الخطابات.

وفي شباط/ فبراير 2002، أصدرت لجنة أور، لجنة التحقيق الرسمية في هبة أوكتوبر 2000، رسائل تحذير، وجهت إحداها إلى د.بشارة، وحملته مسؤولية "التعبير عن دعمه للعنف كوسيلة للحصول على أهداف الأقلية العربية".

وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2002، جرت محاولة أخرى لمنع قائمة التجمع ود.بشارة من خوض الانتخابات، بعد أن قام عدد من الأحزاب الإسرائيلية بتقديم اعتراضات للجنة الانتخابات المركزية، وانضم إليهم المستشار القضائي للحكومة، إلياكيم روبنشطاين، الذي دعم موقفه بتقارير جهاز الأمن العام (الشاباك)، بذريعة أن التجمع ود.بشارة لا يعترفان بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أو تأييدهما للكفاح المسلح لمنظمات "إرهاب" ضد إسرائيل.

ومما لا شك فيه أن شعار "دولة المواطنين" قد أحدث إرباكاً في المداولات القضائية، لدرجة جعلت القاضي أهارون براك، رئيس المحكمة العليا في حينه، يكتب في قراره "إذا كان الهدف من وراء هذا الطرح هو تحقيق المساواة بين المواطنين، فلا يوجد إشكالية، أما إذا كان الهدف هو أبعد من ذلك، كالمس بكيان إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، فهناك فعلاً إشكالية جدية. نظرية د.بشارة تقترب من المس بالدولة كدولة يهودية، ولكن لا يوجد لدينا أدلة قاطعة، والأمر نفسه بالنسبة للكفاح المسلح".

وفي المقابل، قالت القاضية ستراسبرغ كوهين إن "الأمور المنسوبة إلى بشارة بخصوص المس بالدولة كدولة يهودية ودعمه للكفاح المسلح تشكل أهدافاً واضحة في برنامج التجمع الوطني الديمقراطي". وتابعت: "يقول بشارة إن الأراضي الموجودة شرقي الخط الأخضر تعتبر أراضي محتلة، ولكن في الاصطلاح الثقافي التاريخي فإن كل فلسطين تقع تحت الاحتلال".

وتتابع أنه وفي مكان آخر يقول بشارة إنه "من الناحية التاريخية فإن فكرة دولة اليهود لا تعتبر شرعية، وأنا لست على استعداد أن أعطي إسرائيل شرعية تاريخية". وفي البيان القومي الديمقراطي الصادر عن التجمع، وبلسانه يقول إن دولة كل مواطنيها هي ليست الدولة اليهودية أو دولية اليهود. وفي مقال له نشر في صحيفة فصل المقال، يقول بشارة إن قبول دولة إسرائيل كيهودية يعني التنازل عن حق العودة للفلسطينيين. وفي دورة تعليمية بادر إليها بشارة في العام 2001، يقول إنه لا يوجد حق لليهود الذين قدموا إلى البلاد بعد سنة 1948، ولذا، وفقاً لبشارة، فكل من قدم أو ولد بعد 1948 لا حق له في التواجد في إسرائيل.

كما قالت إن بشارة يحاول صياغة المصطلح "دولة كل مواطنيها" بصورة غامضة، ولكن من الواضح على الأقل بأنه لا يسعى إلى بناء ديمقراطية في الدولة، بل إلى تجريدها من يهوديتها، وذلك وفقاً لقوله بأنه لا يوجد توافق بين يهودية الدولة وديمقراطيتها. أما بخصوص دعمه للكفاح المسلح، ففي خطابه في أم الفحم وفي القرداحة، يتضح أنه يدعم تنظيم حزب الله المعرف كتنظيم إرهابي، ويشرعن مقاومة الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية، ويصف الانتفاضة بأنها انتفاضة باسلة".

تجدر الإشارة إلى أنه في شباط / فبراير من العام 2006، قبلت المحكمة العليا التماس د.بشارة، والذي قدم باسم مركز "عدالة"، ضد رفع حصانته وتقديمه للمحاكمة بتهمة دعم منظمة إرهابية، بأغلبية قاضيين مقابل قاضية. وجاء في رأي الأغلبية أنه على الرغم من صعوبة خطابات د.بشارة، والتي يمكن قراءتها على أنها تدعم تنظيماً إرهابياً، إلا أنها لا تشكل دعماً لكفاح مسلح لتنظيم إرهابي، وهي المسألة الحاسمة في قضية سريان الحصانة البرلمانية على خطابات من هذا النوع. علاوة على ذلك فإن جناية دعم تنظيم إرهابي معرّفة بشكل واسع وفضفاض في القانون الإسرائيلي، الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند نقاش سريان الحصانة البرلمانية لنائب تشكل خطاباته سبباً لتقديم لائحة اتهام ضده بتهمة دعم تنظيم "إرهابي". أما القاضية حايوت فاعتبرت أن خطابات بشارة قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وبالتالي لا يمكن إدراجها ضمن الحصانة البرلمانية.

يتضح مما سبق أن المواقف التي استهدفت د.بشارة والتجمع كان بالإمكان مواجهتها في الملعب السياسي، رغم الأصوات، سواء في الخارطة الحزبية الإسرائيلية أو في الدوائر الأمنية أو القضائية، التي كانت تحاول بشكل متواصل جرها إلى الملعب الأمني، إلا أن جميع هذه المحاولات فشلت.

لقد اعتقدت إسرائيل في البداية أنه بالإمكان التعايش مع شعار التجمع "دولة المواطنين" على اعتبار أنه قد يؤدي إلى أسرلة، ولكن ترجمة هذه الشعار إلى مصادمة متواصلة مع الصهيونية، حيث لا يمكن تحقيق دولة المواطنين بدون مساواة، وهذه المساواة لا يمكن ترجمتها بحقوق مدنية فقط، وإنما بحقوق قومية، وبالتالي تصبح في حالة تصادم مع الصهيونية ومع تعريف إسرائيل كدولة يهودية، علاوة على كونه يطرح في سياق برنامج متكامل للتجمع، ينطلق من الهوية القومية لفلسطينيي الداخل، بوصفهم سكان البلاد الأصليين، ويتمسك بحقهم في إدارة شؤونه الثقافية وإقامة مؤسساتهم الخاصة والمنتخبة، والتواصل مع الأمة العربية، إنطلاقاً من الحق في التواصل وليس في إطار التطبيع، ورفض التعريفات الإسرائيلية بما يتصل بـ"دول معادية"، ويتمسك بكافة الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وخاصة "حق العودة"، بل وحتى مواصلة طرحه على منصة الكنيست.

كل ذلك، جعل الأجهزة الأمنية تتجه باتجاه آخر لمحاصرة الفكر الذي يطرحه د.بشارة من خلال تلفيق التهم الأمنية في الحملة الأخيرة. وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى عامل التوقيت في توجيه التهم.

أعتقد أن اختيار توقيت الحملة الأمنية على د.بشارة لم يتم صدفة. ومن الجائز القول أن هناك عاملين أساسين قررا في هذه المسألة، أولها قرب الموعد من موعد نشر التقرير الأولي للجنة فينوغراد والتي حملت رئيس الحكومة ووزير الأمن المسؤولية عن الفشل في الحرب على لبنان، وبالتالي جرى توظيف توقيت الحملة لتصرف النظر عن التقرير، خاصة وأنه قد رافق الحملة على د.بشارة حملة تهويل من الحرب القادمة وتسلح حزب الله وحماس، وتحديث الأسلحة القتالية للجيش السوري، وما أسمي في حينه "بناء مدينة صواريخ سورية عملاقة على الحدود". أما العامل الثاني فهو صدور 4 وثائق عربية من قبل هيئات ومؤسسات في الداخل، أقل ما يمكن أن يقال عنها، رغم النقاش معها في عدد من القضايا، أنها قد كتبت بروح الخطاب الذي يطرحه د.بشارة والتجمع.

وكان قد سبق الحملة جملة من التقارير والدراسات والمؤتمرات الإسرائيلية التي تتناول الفلسطينيين في الداخل، وتضعهم في دائرة الرصد والمتابعة، وخاصة في الجانبين الأمني والديمغرافي، وانعكاسات ذلك على إمكانات تحقيق "الحلم الإسرائيلي". وليس أدل على ذلك من الوثيقة التي قدمها رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، يوفال ديسكين، إلى رئيس الحكومة، بشأن اعتبار العرب في الداخل مصدراً للخطر الاستراتيجي على دولة العسكر ودولة اليهود، انطلاقاً من أن محض وجودهم يشكل تهديداً على الطابع اليهودي للدولة، بالإضافة إلى زيادة الالتفاف حول شعار "دولة المواطنين". ينضاف إلى ذلك تصريحات الشاباك بشأن التصدي لفعاليات قد تمس بالطابع اليهودي للدولة، حتى لو كانت هذه الفعاليات ديمقراطية. كما سبق الحملة دراسة قام بها سامي سموحا من أجل الوقوف على مواقف العرب في الداخل بشأن القصف الإسرائيلي على لبنان خلال الحرب، والموقف من قصف إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا، وأسر جنود إسرائيليين. وهنا لم يغفل سموحا الإشارة إلى أن الجماهير العربية في الداخل قد "خيبت التوقعات الإسرائيلية" بانتمائها القومي العربي، وليس الطائفي أو القطري، ولم تثبت الولاء للدولة عن طريق إدانة المقاومة اللبنانية. وكل ذلك في ظل التحريض المتواصل والإلحاح المتصاعد في المطالبة بإعلان الولاء للدولة ورموزها والاعتراف بيهوديتها وأداء ما يسمى بـ"الخدمة الوطنية الإسرائيلية"، ناهيك عن الممارسات السلطوية بكل ما يتعلق بالأرض والمسكن والحقوق المدنية، ومخططات التهويد والاستيطان في الجليل والنقب، ووضع الخطط للحؤول دون نشوء تواصل إقليمي لأكثرية عربية تقطع أوصال إسرائيل، وتوزيع اليهود في مناطق "إشكالية" من ناحية ديمغرافية، وتبادل مجموعات سكانية ومناطق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. كل هذا التصعيد ضد الجماهير الفلسطينية في الداخل، والتي فرض عليها قبول ثمن زهيد هو المواطنة المنقوصة والمتناقصة مقابل نكبتها حين فجعت بتقويض هيكلها المجتمعي وتمزيقه أفقياً وعامودياً وعشوائياً، وتدمير الإطار السياسي والمدني لكيانها.. كل هذا التصعيد كان ينذر بأن فلسطينيي الداخل تحت المجهر الأمني الإسرائيلي مرة أخرى.

ولا شك أنهم تربصوا به لكونه داس على مفاصلهم المؤلمة، وليس فقط تلك التي باتت على كل لسان، مثل دولة المواطنين ورفض الرموز اليهودية للدولة، ورفض الاعتراف بيهودية الدولة، ورفع سقف التحديات مع الصهيونية ووضعها في حالة تصادم مع الديمقراطية بأدواتهم وقواعد لعبتهم، فقد عمل د.بشارة بنشاط جم ومتواصل قل نظيره في حقل واسع من القضايا والمواقف. ونشير هنا إلى ثلاث قضايا من بين قضايا أخرى لا حصر لها أدت إلى رفع منسوب حقد الأجهزة الظلامية ضده. أولها، والتي جرى التعامل معها بمنظار أمني، ورافقها الهجوم الذي تعرض له د.بشارة وميثاق المعروفيين الأحرار برئاسة النائب حاليا، المحامي سعيد نفاع، مع تنامي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية القسرية المفروضة على الشباب العرب الدروز، بحيث اضطرت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إلى وضع هذه الظاهرة على جدول أعمالها في منتصف العام 2004، في ظل تعتيم إعلامي على ظاهرة الرفض، وحملة تحريض تدعو إلى ترحيل من يقف وراء الظاهرة. أما الثانية فهي بناء مدماك آخر في تثبيت التمسك بحق العودة، بين طرفي ضحايا اللجوء الباقين واللاجئين، من خلال زيارات التواصل بين العائلات الفلسطينية في الداخل، وبين أبنائها اللاجئين في سورية، في سياق التواصل مع أهلنا وشعبنا وأمتنا. أما ثالثها، فهو القانون الذي تم سنه بمبادرته، والذي يقضي بدفع تعويضات للمصابين بشلل الأطفال نتيجة للتطعيمات الفاسدة، الأمر جعلهم يصابون بشلل الأطفال فلم يتجرأوا على معارضته، في الوقت الذي كان يحطم الصورة المتطرفة التي كانوا يرسمونها له. وهنا نبالغ بالتفاؤل حين نقول إنه اخترق حاجزاً في جموعهم بعملية إنسانية، إلا أنهم لم يجازفوا بالمخاطرة ولم ينتظروا حصول المزيد من الاختراقات والمزيد من التخريب في قواعد لعبتهم. وفي هذا السياق لعله من المبكر لأوانه التساؤل حول وجود علاقة بين ما يطرحه د.بشارة والتجمع، وبين ما جاهر به مؤخراً أفراهام بورغ، رئيس الكنيست سابقاً ورئيس الوكالة اليهودية سابقاً، بشأن أن تعريف إسرائيل كدولة يهودية سيكون مفتاح نهايتها، واستحالة الجمع بين يهودية الدولة وديمقراطيتها.

لقد أكد اللجوء إلى تلفيق الملف الأمني ضد د.بشارة أن الدوائر الإسرائيلية، الأمنية خاصة، التي وقفت عاجزة أمام بشارة، قررت تغيير قواعد اللعبة، ومن هنا جاء رفض د.بشارة إدارة معركته بموجب قواعد اللعبة الجديدة، وهي المعركة التي لا مجال فيها للتساذج والرهان على عدالة القضاء الإسرائيلي في قضية حيكت بثوب أمني وصدر فيها أحكام مسبقة، الأمر الذي أحدث إرباكاً شديداً لدى الأجهزة الأمنية، تضاعف مع حملات التضامن المحلية والعربية والعالمية. وبات يمكن القول أن الحملة السلطوية ضد بشارة فشلت في تحطيم القاعدة الشعبية التي يتمتع بها، باعتراف تقارير إسرائيلية، كما فشلت في ترويع الفلسطينيين في الداخل والقوى الوطنية، ووحدت صفوفهم، وجعلت منه رمزاً لنضال عرب 48، وليس أدل على ذلك مما حصل لدى تفتيش بيته في مدينة حيفا من قبل الشاباك، حيث احتشد المئات من عناصر التجمع والجيران والأصدقاء وطلاب الجامعات، ليردوا على أسئلة الشاباك بشأن هويتهم الشخصية أن كل واحد منهم هو عزمي بشارة أو ابن عزمي بشارة أو أخت عزمي بشارة أو ابنة عزمي بشارة..