تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عزمي بشارة يعيد قضية عرب 48 إلى دائرة الضوء

2010-04-11

إعداد - أشرف البربري

لم يكن خروج السياسي والمفكر العربي الذي يحمل جنسية إسرائيل عزمي بشارة من تلك الدولة وتقديم استقالته من برلمانها سوى حلقة جديدة من حلقات الكفاح العربي لوضع حد للانتهاكات والاعتداءات التي تواصلها إسرائيل ضد العرب بما في ذلك العرب الذين يعيشون داخلها ويحملون جنسيتها.

وقد نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تقريرا لها تحت عنوان مشكلة عربي- إسرائيلي تفجر قضية الهوية المزدوجة.

وقالت في التقرير إن هذا الوقت من العام حساس ودائما ما يكون كذلك بالنسبة لإسرائيل التي تحتفل هذا العام بالذكرى 59 لقيامها في منتصف مايو الحالي. ويحيي الفلسطينيون في التوقيت نفسه ذكرى النكبة التي ألمت بهم بعد قيام إسرائيل. ولكن هذه الأيام وبصورة غير مسبوقة سوف تتجه الأنظار إلى قطاع من الناس يقع (بين بين) وهم العرب الذين ظلوا داخل حدود الدولة الإسرائيلية وحصلوا على جنسيتها وباتوا يشكلون حوالي خمس سكان دولة إسرائيل والذين يتزايد لديهم الشعور بأنهم فلسطينيون وليسوا إسرائيليين.

وفي هذه اللحظة التي يتصادم فيها الانتماء القانوني للإنسان ممثلا في الجنسية التي يحملها وبين هويته القومية ممثلا في أصوله وجذوره لن نجد أفضل من عضو الكنيست الإسرائيلي المستقيل عزمي بشارة ليكون نموذجا لهذه الحالة الإنسانية والقانونية الفريدة. فالرجل إسرائيلي الجنسية وفلسطيني الجذور والهوية.

وعزمي بشارة سياسي عربي يعيش في مدينة الناصرة في إسرائيل ويعد واحدا من أقوى المعارضين والمنددين بالسياسات الإسرائيلية. وقد أعلن من العاصمة المصرية القاهرة قبل فترة استقالته من الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي. وقد جاء خروج الرجل من إسرائيل واستقالته من الكنيست بعد أسابيع من صدور التقارير الأمنية الإسرائيلية التي تحدثت عن زيارات قام بها بشارة لعدد من الدول العربية المجاورة لإسرائيل احتمالات اعتقاله بمجرد عودته إلى إسرائيل بتهمة الاتصال بجهات معادية للدولة العبرية.

ورغم أن مسئولين إسرائيليين لم يتم الكشف عن هويتهم أبلغوا وسائل الإعلام في إسرائيل بأن بشارة يواجه تهمة مساعدة العدو في زمن الحرب فإن الاتهامات الدقيقة المحددة التي يمكن أن توجه للسياسي العربي الأبرز في إسرائيل مازالت غامضة ومازالت محل نقاش وجدال بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين. وكانت إحدى المحاكم الإسرائيلية قد أصدرت أمرا برفع جزئي للحظر المفروض على نشر أنباء التحقيقات في الاتهامات الموجهة إلى بشارة بما يسمح لوحدات التحقيق الدولية في أجهزة الأمن الإسرائيلية بتعقب بشارة.

ويبدو أن هناك أسبابا جعلت الإسرائيليين يعتقدون أن بشارة تجاوز الخط الأحمر المسموح له به كسياسي عربي في إسرائيل. ولكن رفاق بشارة ومعارضيه يقولون إن الغموض مازال هو سيد الموقف. وبشارة كان يقوم بزيارات منتظمة لكل من سورية ولبنان وأعلن نفسه كمؤيد للمواقف التي يتخذها المسئولون والمنظمات السياسية في هذه البلدان.

وفي الصيف الماضي أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل ضد لبنان وحزب الله اتهم بشارة إسرائيل بالمسئولية الكاملة عن تلك الحرب. علاوة على ذلك فقد أصبح بمثابة الناطق الرسمي باسم الحركة المتنامية بين العرب الإسرائيليين للمطالبة بحقهم في الحكم الذاتي داخل إسرائيل ووضح حد لاعتبار إسرائيل دولة يهودية.

وعندما كانت جهود إحلال السلام بين العرب وإسرائيل منذ نحو عشر سنوات كانت زيارات عزمي بشارة المتكررة لسورية تجعله يبدو وكأنه جسر السلام بين العالم العربي وإسرائيل. ولكن اليوم أصبح الإسرائيليون يعتقدون أن زياراته إلى سورية ولبنان عمل غير قانوني ويضغط اليمين المتطرف في إسرائيل من أجل محاكمة بشارة بتهمة إقامة علاقات غير قانونية مع دول (معادية).

الطابع اليهودي لإسرائيل
يقول سيد زيداني أستاذ الفلسفة في جامعة القدس بالقدس الشرقية المحتلة وهو زميل قديم ووثيق الصلة بعزمي بشارة إن القانون الإسرائيلي يضع كل أنواع القيود علينا ولكن أي فلسطيني لا يعتبر سورية عدوا له. وبعيدا عن رحلات بشارة الخارجية فهو يقود دعوة إلى إعلان إسرائيل (دولة لكل مواطنيها) وليست دولة لليهود فقط. وكان زعماء العرب الإسرائيليين قد أصدروا وثيقة في وقت سابق من العام الحالي تحت عنوان (رؤية للمستقبل) تحدد رؤيتهم لمستقبل إسرائيل. وبعد صدور هذه الوثيقة قدم يوفال ديسكن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) تقريرا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يحذر فيه من عرب إسرائيل باعتبارهم (خطرا إستراتيجيا) على إسرائيل. وحتى مراكز الأبحاث التي تبدو تقدمية داخل إسرائيل أصبحت تتبنى مواقف حذرة تجاه مواطني الدولة الإسرائيلية من العرب.

يقول الدكتور زيداني إن إعلان إسرائيل (دولة لكل مواطنيها) يعني إلغاء اعتبارها دولة يهودية ولكن بالنسبة لليهود فإن اعتبار إسرائيل دولة يهودية هو السبب الرئيسي لوجودها وبالتالي فالدعوة العربية تعني تحديا لأسس قيام الدولة الإسرائيلية. وإذا كانت إسرائيل تريد معاملة كل مواطنيها بالمساواة فعليها أن تتخلى عن طابعها اليهودي.

وهناك نظريات عديدة تتحدث عن طبيعة الاتهامات التي يمكن أن يواجهها عزمي بشارة إذا ما عاد إلى إسرائيل. فقد أشار بشارة في مقابلة مع قناة فضائية إلى أنه لن يعود إلى إسرائيل في الوقت الراهن حيث قال في القاهرة للصحفيين إن عودته الآن تعني الدخول في مواجهة مع أوركسترا الفاشيين العنصريين الإسرائيليين. ويقول المراقبون إن الاتهامات التي سيواجهها بشارة تستند إلى زيارته الأخيرة إلى كل من سورية ولبنان بما في ذلك لقاؤه بمسئولين من حزب الله اللبناني.

ويقول زملاء بشارة في الكنيست إن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل تعتبر أن بشارة تجاوز كل الخطوط الحمراء في الصيف الماضي عندما حمل إسرائيل مسئولية الحرب التي اشتعلت بينها وبين حزب الله اللبناني في ذلك الوقت. كما يقول مراقبون إن السلطات الإسرائيلية قد توجه إلى بشارة اتهامات بإجراء تعاملات مالية مع جماعات ومنظمات تعتبرها إسرائيل إرهابية مثل حزب الله اللبناني.

والحقيقة أن السلطات الإسرائيلية تواجه صعوبة بالغة في تصوير عزمي بشارة باعتباره أحد أبناء التنظيمات الأصولية التي ينظر إليها الغرب عموما باعتبارها منظمات إرهابية. فالرجل مسيحي حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من ألمانيا الشرقية وكان عضوا بارزا في حزب حداش الشيوعي الإسرائيلي حتى أسس حزب البلاد الذي يمثل العرب في إسرائيل بشكل أساسي. وقال محمود محارب أحد أعضاء حزب البلاد وأستاذ علوم سياسية في جامعة القدس بالقدس الشرقية إن القضية أكبر من مجرد قضية الاتهامات المواجهة إلى عزمي بشارة. فهناك تحول خطير في العلاقات بين العرب واليهود داخل إسرائيل.

فهناك رغبة عربية جامحة في الحفاظ على الهوية مع الحصول على كافة حقوق المواطنة في الدولة الإسرائيلية كما ظهر جزئيا في وثيقة (رؤية المستقبل) وهو أمر لا ينظر إليه اليهود بارتياح كبير.

يقول محارب (أعتقد أن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل وجهاز شين بيت يريدان تغيير قواعد اللعبة لأنهما يدركان أن العرب في إسرائيل لن يصمتوا كما كان الحال في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات).

ففي السنوات القليلة الماضية أصبح العرب في إسرائيل أكثر تركيزا على حقوقهم في المساواة والعدالة داخل إسرائيل ويحاولون تضييق الفجوة بين ما تحصل عليه البلديات والمدارس في المناطق العربية من ناحية وما تحصل عليه المدارس والبلديات في المناطق اليهودية داخل إسرائيل. كما أن نظرة العرب في إسرائيل إلى معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تختلف عن نظرة اليهود.

والآن أصبح عزمي بشارة أحد أهم الأصوات المعبرة عن قضية العرب داخل إسرائيل. وقد يطالب العرب في إسرائيل في وقت لاحق بالحكم الذاتي وربما يطالبون بشكل من أشكال الوحدة مع الدولة الفلسطينية المنتظرة في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو أمر يثير قلق الخبراء الاستراتيجيين في إسرائيل. كما أن خبراء الديموجرافيا والنمو السكاني يحذرون باستمرار من ارتفاع معدل نمو السكان العرب في إسرائيل مقارنة باليهود الأمر الذي يقلص تدريجيا الأغلبية اليهودية في إسرائيل. كما أن فكرة إقامة حكم ذاتي للعرب في إسرائيل تثير المخاوف من احتمالات تحول السكان العرب في بعض المناطق الرئيسية داخل إسرائيل إلى رأس حربة للدولة الفلسطينية المنتظرة في وقت لاحق.

وكتب مأمون الحسيني المحلل السياسي إن قضية عزمي بشارة تلخص الفجوة الكبيرة بين الرؤية الإسرائيلية لحقيقة دولة إسرائيل وطموحها في أن تكون دولة يهودية شكلا وموضوعا وبين رؤية حل الصراع العربي الإسرائيلي ومطالبة الأقلية العربية في إسرائيل بحقوقها الوطنية والاجتماعية والسياسية.

مجلة الجزيرة