تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عزمي بشارة مناضل في وجه الأسرلة

2010-09-10

توفيق جراد

وسط تهالك عربي رسمي على التطبيع مع العدو الصهيوني، تحت ستار (تفعيل مبادرة السلام العربية) التي أعادتها قمة الرياض (28-29) آذار الماضي إلى الحياة بعد خمس سنوات من إقرارها في قمة بيروت عام 2002، وجدت السلطات الإسرائيلية الجو السياسي المحلي والإقليمي مناسباً لتشن حملة سياسية مغرضة على المناضل العربي عزمي بشارة الذي خاض ضدها ما وصف ب(حرب الأدمغة). غير أن تلك الحرب التي مضى وقت طويل على خوضها، في إطار ما يعرف بلعبة (عض الأصابع)، انتهت كما أقرت وسائل إعلام العدو إلى نجاح (عزمي) في إرباك السلطات الإسرائيلية وأجهزتها بإعلانه الاستقالة من الكنيست والتخلي عن الحصانة البرلمانية، فحشرها متحدياً إياها بإلغاء الحظر على نشر (الشبهات) المنسوبة إليه ليتمكن من الرد عليها بالتفصيل. وهذا ما فعله (عزمي) في رسالته الموجهة (26/4/2007) إلى عرب الداخل. 

واستقطاباً لما قد يكون طابوراً من العملاء الذين لا يروق لهم أن يكون عزمي بشارة متصدراً ساحة النضال الفلسطيني منطلقاً منها إلى العربي، والدولي يوم حضر مؤتمر (ديربان) لمناهضة العنصرية، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى بث أراجيف حوله تتعلق بالذمة المالية في محاولة لتلطيخ سمعته، بما يشفي غليل من يقف وراء أدوات متصهينة كانت بوقاً يدعو عرب الداخل إلى الاستكانة، ويحملهم مسؤولية عدم تمكنهم من التمتع بذل سرمدي تم تبريره بأنه الحكمة والعقلانية، وإن شئت فقل العمالة للإسرائيلي. 

لقد أعلن (بشارة) أنه سيعود إلى أرض الوطن فلسطين، ضمن الشروط التي وضعها لقواعد اللعبة، لكنه سيمضي بعض الوقت في الخارج، ليجمع حوله (حركة تضامن عربية ودولية) كما في الداخل أيضاً، تكون جاهزة للمواجهة وللدفاع عنه، كما صرح السيد عوض عبد الفتاح الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه عزمي، والذي لن يغادر الساحة الفلسطينية السياسة وسيظل رئيساً لهذه الهيئة المدنية. 

وإذا كانت الحملة على السيد بشارة قد انطلقت في العام 2000 وتحديداً إثر خطابه في القرداحة و(هبة 2-3 أكتوبر) من ذلك العام بعد أيام معدودات من اندلاع انتفاضة الأقصى، حتى أنه تم الاعتداء عليه في محاولة لاغتياله، فإن هذه الحملة مرت بمحطات منها أن يمثل أمام القضاء بتهمة زيارة (دولة معادية) إشارة إلى سوريا. وكان آخرها إعطاء معلومات أمنية لحزب الله. على أن الإعداد القانوني لهذه الحملة وإن لم يكن وليد اللحظة، فإنه بدأ في وقت مبكر من هذا العام حين وافقت الحكومة الإسرائيلية على اقتراح قانون ينص على: سحب الجنسية أو إسقاط المواطنة عن المواطن (الإسرائيلي) في حالات منها (الحنث بالعهد للدولة). والمقصود هنا هو المواطن العربي، إذ إن (مواطنة اليهودي) بموجب (قانون العودة) (5 تموز 1950) تلتصق به كصفة من صفاته كيهودي لا تفارقه، وهذا هو سبب وجود الدولة العبرية بفهمها لذاتها ورسالتها، كما أوضح بن غوريون عدة مرات عندما قدم (قانون العودة) أمام الكنيست. والمقصود بعبارة (حنث العهد مع الدولة)، كما فهمه عزمي بشارة في مقال له بعنوان (من أي جنس هذه الجنسية أصلاً؟) (11 كانون الثاني 2007)، هو: (فعل متطرف يتضمن عدم إخلاص أو خيانة للدولة من نوع زيارة (بلاد العدو) دون إذن كنوع من التضامن مع هذا (العدو)، وليس بإذن في مهمة أو كجسر سلام أو تطبيع). 

عقوبة سحب الجنسية ليست جديدة، بل هي قائمة في القانون الإسرائيلي، ولكن كأداة بيد وزير الداخلية. والقانون الجديد ينص على المسألة باعتبارها عقوبة وتفرضها محكمة تتضمن سحب الجنسية باعتبارها نوعاً من (الحنث بالعهد أو عدم التزام عضو البرلمان بقسم الولاء). 

القانون الجديد، حين يطبق بهذا المعنى أي (سحب المواطنة أو الجنسية الإسرائيلية)، إنما يعني (الطرد) من الوطن كعقوبة، لا تسري فقط على الواقعين تحت الاحتلال، بل أيضاً على العرب من مواطني الدولة العبرية. ولسان حال الفكر الصهيوني في هذه الحال يقول: (انس حقك في هذه البلاد كفلسطيني. وحقك ليس إيديولوجياً ناجماً عن أن الدولة قامت لأجلك. فالمواطنة الإسرائيلية مُنحت لك بصدفة وجودك هنا عند قيام الدولة). 

لقد فهم عرب الداخل من هذا القانون أنه (ما من اعتبار فوق يهودية إسرائيل). كما أدركوا أن (تعريف- إسرائيل- بأنها دولة يهودية واستعمالها للديمقراطية لخدمة يهوديتها يقصيهم ويضعهم في تصادم مع طبيعة وماهية الدولة التي يعيشون فيها- إسرائيل). لذلك فإن عرب الداخل (يطالبون بنظام ديمقراطي توافقي يمكنهم من المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار والسلطة لضمان حقوقهم القومية والتاريخية والمدنية الفردية والجماعية) (أنطوان شلحت، العرب في إسرائيل 9/2/2007). 

لقد استبقت صحيفة هآرتس (11/12/2006) هذا الطلب برفض الربط بين المطالب الداعية إلى مساواة المواطنين العرب في إسرائيل وبين مطلب تغيير الطابع اليهودي للدولة. 

وكان عوزي أراد رئيس (مؤتمر هرتسيليا للمناعة القومية) في دورته السابعة في كانون الثاني الماضي قد صنّف عرب الداخل باعتبارهم (أعداء) وضعهم في قارب واحد مع (القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية). وجاء تقديره هذا في إطار تعليقه على وثيقة (التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل) (12/12/2006)، والتي تعرضت لهجوم حاد من المسؤولين عن (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية) الذي ينهمك منذ سنوات في صوغ (دستور بالوفاق)، للدولة العبرية، ينطلق من التسليم المطلق بيهوديتها حتى من جانب (غير اليهود). 

يتفق الأستاذان الجامعيان سامي سْموحه وإيلان بابيه Ilan Pappe على رفض مزاعم إسرائيل بأنها ديمقراطية. وفيما يقول سْموحه، وهو أستاذ لعلم الاجتماع في جامعة حيفا: (إنها (إسرائيل) ديمقراطية فقط لليهود، وما عداهم من مواطنيها فهم رعايا من الدرجة الثانية أو الثالثة) وبالتالي فهي (يهودية مع العرب)، فإن (بابيه) وهو أستاذ في التاريخ، ومن رواد المؤرخين الجدد، يتساءل مخاطباً الإسرائيليين: كيف تسمحون بتسمية إسرائيل دولة ديمقراطية وهي تشمل في عقيدتها وفكرها سياسة تطهير عرقي وطرد شعب من أرضه؟ (انظر العرض الذي قدمته الحياة لكتابه (التطهير العرقي في فلسطين) 19-26/4/2007). 

وإذ يسجل استطلاع للرأي أن الديمقراطية هي الشكل الأفضل لنظام الحكم، فإن المستطلعة آراؤهم يقررون أن إسرائيل هي (الأكثر انخفاضاً من بين 32 دولة تصنف بأنها ديمقراطية) فيما يعلن 53 من يهود إسرائيل معارضتهم مساواة كاملة في الحقوق للمواطنين العرب، كما أن 77 منهم يقولون بضرورة توافر أكثرية يهودية لاتخاذ قرارات مصيرية (أنطوان شلحت، المشهد الإسرائيلي- تذكير ب(جوهر) الديمقراطية الإسرائيلية 20/7/2004). 

هذا التوجه الذي يعكس عنصرية لا سابق لها قرر مؤتمر ديربان (جنوب أفريقيا) لمكافحة العنصرية أن (الصهيونية وكذلك اللاسامية حركتان عنصريتان أوروبيتان متزامنتان، غذّت إحداهما الأخرى، أو شكلت انعكاسها في مرآة المجتمعات الأوروبية، وأن الشعب الفلسطيني دفع في النهاية ثمن حكيهما) (أمير مخول، أربع سنوات على مؤتمر ديربان، 4/9/2005). وقد لاحظ السيد مخول أن من الدروس التي كانت واضحة وضوحاً جلياً هي (أن المركّب الكولونيالي والعنصري في دولة إسرائيل ليس وليد احتلال العام 1967 وما تمخض عنه من استيطان في الضفة والقطاع والجولان، بل هو جوهر إسرائيل قبل وخلال وبعد قيامها في العام 1948). 

العنصرية البادية في السلوك الإسرائيلي ليست وليدة اللحظة، ولكنها ذات قاعدة ثقافية تجسدها (التربية المدنية التي يتم التعامل معها في إسرائيل باعتبارها موضوعاً سياسياً) وبدلاً من أن يتحدث الكتاب المدرسي عن (المواطنة المشتركة) للإسرائيليين كافة اليهود منهم وغير اليهود، فإنه يعرف دولة إسرائيل باعتبارها (دولة يهودية- قومية) (ميخال باراك، التربية المدنية في إسرائيل 18/12/2005). 

هذه هي صورة المجتمع الذي يتصدى عزمي بشارة للنهوض به إما من خلال دولة ثنائية القومية، أو دولة لكل مواطنيها، ومادامت إسرائيل ترى في هذين النموذجين للدولة خطراً عليها كونه يهدم صورتها الإدراكية، التي تنتهك كي يوم، فليس من متاح إلا، كما يعلن، إدارة ذاتية لفلسطينيي الداخل تتناول التعليم والثقافة بما يعزز الهوية دون انسلاخ عن الكيان الإسرائيلي.