تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صعود اليمين واستيراد صراع الحضارات إلى الداخل: حينما تنجب الديمقراطية نقائض الليبرالية

*
2017-01-07

تقدم هذه الدراسة ثلاث فرضيات رئيسية: أولا، إن الصراع الدائر في البلدان الغربية المتطورة هو صراع بين ثقافتين cultures يشتملان على مكونات طبقية وثقافية وسياسية وقيمية، أو صراع بين ثقافات يمكن  أن تتحول إلى هويات. كما ترى ثانيا أنه في الصراع على المستوى العالمي تبنت روسيا والصين عقيدة صراع الحضارات clash of civilizations  ضد انتشار الديمقراطية والليبرالية باعتبارها ثقافة غربية. وثالثا، أن الفجوة بين النخب التي تتبنى القيم الليبرالية في تحالف مع الفئات التي عانت من التهميش الأقليات والنساء من جهة والطبقة العاملة البيضاء والريف وغيرهم، أدت إضعاف الرابط التاريخي الحديث العهد بين الديمقراطية والليبرالية والانتقال إلى الصراع بينهما في حالات متزايدة.

------------------------------

د. عزمي بشارة

جدول: نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 بحسب الولاية، بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة منذ العام 1988
جدول: نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 بحسب الولاية، بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة منذ العام 1988
عن صعود اليمين الشعبوي وخصوصيته:

تناول انتخاب دونالد ترامب دفقٌ هائلٌ من التعليقات والتفسيرات التي نشرت بعد استيعاب الصدمة الأولى التي تعرّضت لها غالبية المؤسّسات الإعلاميّة ومؤسّسات استطلاع الرأي العام بسبب استبعادها هذه النتيجة. وما زالت فئات واسعة من المثقفين في الغرب والشرق مندهشةً من سلوك الناس الانتخابي. وموضوع الاندهاش تساهلُ المصوّتين مع ركاكة شخصيّة المُرشّح الذي أصبح رئيسًا منتخبًا، والرداءة التي تتناوب على الفظاظة في أسلوبه، وتعاطفهم مع مجاهرته بأفكار  يفترض أن يخجل صاحبها من البوح بها في عرف ثقافة 'اللياقة السياسية' الليبرالية؛ فأفكار ترامب من نوع 'العِيب' السياسي إذا صح التعبير.

وقد سادت قناعة تامة في أوساط المندهشين أن الرجل لا يليق بمنصب رئيس الولايات المتحدة، الذي لا يعقل أن يشغله شخص كهذا، لناحية أهميّة هذا المنصب وتأثيره على أكبر اقتصاد في العالم، وعلى السياسة الدوليّة بشكل عام. وكأن ما لا يُعْقَل لا يحصل، أو هو غير ممكن الوقوع!!

أثناء الحملة الانتخابية، سُمِع خطابُ ترامب السياسي وكأنه وصل لتوه إلى الحملة الانتخابية من جولة في بارات نيويورك وحاناتها التي   يأمّها الرجال بعد ساعات العمل، ساعة احتساء بضعة كؤوس من الشراب قبل التوجه إلى منازلهم، وذلك في ساعات المساء المبكرة التي تسمى في الولايات المتحدة 'الساعة السعيدة' (Happy Hour). إنها ثرثرة الرجال المحافظين المتحلقين حول البار إذا خطر لها عرضا أن تعرّج على السياسة الدولية بمناسبة ما يُعرَض أمامهم على الشاشة، أو بعد وقوع عملية إرهابية، وتباريهم في طرح الوصفات في كيفية تلقين الإرهابيين والدول التي يتحدرون منها دروسًا؛ أما إذا تعرّضت إلى السياسة الداخلية فإنها غالبا ما تختزل المشكلة في سوء تدبير البيروقراطية، وفساد السياسيين، وابتعاد المؤسسة عن 'الحياة الحقيقية'، وتردد الحكام، وعجزهم عن الحسم واتخاذ القرار الصحيح، والسخرية من النساء اللواتي يدعين المعرفة، والتجرؤ على الإشارة بصراحة إلى لون البشرة والجنس والأصل والدين وغير ذلك، والجملة السياسيّة الغاضبة المشبعة بثقة المتكلم بنفسه وقناعته أنه يمتلك الحلول لجميع المشاكل والمعضلات التي تحير السياسيين والخبراء. وتتألف الحلول السحرية المزعومة من وصفات غير ممكنة التنفيذ، واقتراحات لا تفسير لها سوى الجهل بالمعطيات، ومقولات متناقضة فيما بينها.

هكذا يتكلم الرجال البالغون المتذمرون، الغاضبون من تحولات العالم من حولهم، إذ يتملكهم شعور بأنّ بلادهم تُصادرُ  منهم حتى أصبحوا يجدون صعوبة في التعرف عليها: رئيس أسود، وامرأة مرشحة لرئاسة البيت الأبيض، وفي حالة انتخابها سوف يصبح زوجها 'السيدة الأولى'، وزواج المثليين جنسيًّا، وتأمين صحي يتذمرون من أنّهم يمولونه للكسالى الذين لا يعملون، وهجرة غير منضبطة يشْكون من أنهم أيضا يمولونها بضرائبهم. فمع أنّ الولايات المتحدة دولة بناها المهاجرون، إلا أنّ المهاجرين الذين توطنوا جيلًا بعد جيل ينمّون شعورًا بأنّهم سكانٌ أصليون، وأن فقراء العالم يتدفقون إليهم ليشاركوهم ثروات توافرت بجهودهم وعرق آبائهم وأجداهم.  
ليس هذا المركّب الثقافي السياسي، الخطابي  discursive إذا شئتم، مقتصرًا على الولايات المتحدة، بل ينتشر  لدى فئات واسعة في بلدان الاقتصاديات الغربيّة المتطورة جميعها. فإذا قام رجل طموح من داخل هذه الثقافة وقرّر في ظروف مؤاتية تحويل كلام الحانات هذا إلى خطاب سياسيٍّ يدغدغ فيه غرائز الناس ويستثمر في مخاوفهم، الدفينة منها والسافرة، وتبنته قوى سياسية واجتماعية وازنة، تنشأ ظاهرةٌ مثل ظاهرة دونالد ترامب. وهي قائمةٌ وتتمدد حاليًّا في جميع الدول المتطورة في أوروبا وأميركا الشماليّة، وفي بعض دول أوروبا الشرقيّة مثل هنغاريا وبولندا والتشيك التي تطمح أن تتموضع في الغرب من حيث ثقافتها.

 تلتقي هذه الظواهر مع نزعة أخرى قائمة في بلدان كثيرة في العالم، بغضّ النّظر عن مستوى تطوّرها الاقتصادي الاجتماعي، يمثّلُها ما يسمى عادةً 'اليمين القومي' الذي يتمحور خطابُه حول فكرة السيادة والمجال الحيوي للدولة بوصفها مكونات رئيسية في أيديولوجيّة نظام سلطوي؛ ويعني ذلك غالبًا رفض التدخل في شؤون الدولة الداخلية بذرائع مثل حقوق الإنسان، والمطابقة بين سيادة النظام الحاكم  أو سيادة الرئيس، من دون قيود، إلا تلك التي يرضى بها النظام، وبهامش من الحريات يضيق ويتسع حسب مصلحته. وتتجلى هذه النزعة بأوضح صورة في نموذج بوتين وتحوّلات النظام في روسيا إلى جمهورية قيصرية. والتي نقابل نماذج منها على درجات متفاوتة منها في الهند وتركيا ومصر والفلبين وغيرها.  

وفيما عدا توجهات الرئيس الروسي الأصلية المتأثرة كما يبدو بمنظر مثل ألكسندر دوغين بكل ما يتعلق باستعادة دور روسيا على الصعيد العالمي  ومجالها الحيوي الأورو-آسيوي ، وإيفان إيليين Ivan Ilyin الملكي  اليميني المحافظ ومنظر البيض بعد الثورة البلشفية، استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النزعة القومية الروسية لمواجهة الانتقادات الشعبية في ظل انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي، موجها النقمة ضد القيم الليبرالية العالميّة التي يروّجها الغرب؛ وهي من وسائل الدعاية غير المكلفة التي يلجأ إليها أيضا زعماء، مثل عبدالفتاح السيسي، في العالم الثالث بخفّاقة الخطاب والشعارات الوطنية فتطفح رغوة الكبرياء الوطني وتغطي على الفشل التنموي وبؤس الوضع الاقتصادي.

وقد قام بوتين بدعم الأحزاب غير الليبرالية في أوروبا الغربية، مثل حزب الجبهة الوطنية ورئيسته مارين لوبان. يرى بوتين روسيا بوصفها 'مدنيّةُ دولةٍ state civilization يحافظ على تماسكها الشعب الروسي، واللغة والثقافة الروسية، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية'. وتصاحب هذا النمط من القومية اليمينية عموما نزعة تغلف العداء للديمقراطية وفكرة حقوق الإنسان بغلاف وطني.

 تنظر العقيدة السائدة في الصين وروسيا إلى انتشار الديمقراطية باعتباره تمددا للحضارة الغربية، وبالتالي أداة للهيمنة الغربية. وهذا يعني باختصار أن من يتبنى نظرية صراع الحضارات حاليا على المستوى الدولي هو هاتان القوتان العظميان، وبشكل خاص روسيا. وربما لو كان هنتنغتون حيا لصُدِم من الفكرة التي أقدمها الآن، وهي أن صراع الحضارات أصبح مذهبا روسيا وصينيا في العلاقات الدولية.  ولو فكر مليا لوجد الأمرَ منطقيا. ففي الولايات المتحدة تبنت نظريته عن صراع الحضارات قوى يمينية قومية محافظة تؤمن بسياسات القوة في العلاقات الدولية؛ وهي بالضبط القوى التي تؤمن بهذه العقيدة السياسية وتحكم روسيا في المرحلة الراهنة:  إنها قوى قومية روسية يمينية محافظة. وهذا أيضا حال الصين، وإن بنمط إداء اقتصادي سياسي مختلف، وطموحات مختلفة على المستوى الدولي.

 ولذلك لا غرابة في التقاء السياسة الروسيّة مع حركات اليمين من النمط الموصوف أعلاه في أوروبا الغربيّة كما في حالة الجبهة القوميّة الفرنسيّة والإعجاب المتبادل بين بوتين وترامب. والأدهى من ذلك هو إعجاب فئات من اليسار  التقليدي  ببوتين لأسباب مشابهة، ومنها التركيز على السيادة والمجال الحيوي، وكأنّها بحد ذاتها مفاهيم معادية للإمبريالية (مع أنها معادية للامبريالية بقدر ما كانت الفاشية معادية للإمبريالية البريطانية والفرنسية في النصف الأول من القرن الماضي)، وباعتبار الحمائيّة الاقتصاديّة في نظر اليسار التقليدي واليمين القومي الشعبوي الصاعد في الولايات المتحدة وأوروبا والأنظمة من نوع النظام الروسي الحالي أمرا إيجابيا، لأنّها ببساطة ضدّ العولمة.

 لا يدرك هؤلاء أنّ اليسار والفاشيّة يفترض أن يعارضا العولمة من منطلقات مختلفة تماما ولأسبابٍ مختلفة. إنهما ينتقدان أبعادًا مختلفة فيها، وإذا اتفقا في دعم 'زعيم' شعبوي فهذا يعني أنّ أحدهما ضيّع الأهداف بعد أن غادر المنطلقات. لقد حصل أمر شبيه بهذا في  ثلاثينيات القرن العشرين، وكان المنتصر في تلك المرحلة والمستفيد من هذا اللقاء هو الفاشيّة التي سمت نفسها اشتراكية قومية أو باختصار 'نازية'. ولا يجب أن ننسى أن مصطلح نازية هو اختصار لمصطلح اشتراكية قومية بالالمانية تعبيرا عن الديماغوغيا القومية والاجتماعية في آن.

خمسة عناصر أساسية متداخلة تجمع بين الحركات اليمينيّة الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة:

 1- العداء للنخب والمؤسّسة، وتحديدًا لغة اللياقة السياسيّة politically correct ، وثقافة الليبراليّة. وفي الحقيقة تصوغ هذا الخطاب المعادي للنخبة الثقافية وتأثيرها السياسي نخبٌ اقتصاديّة وثقافيّة أيضا بنبرة العداء الشعبي للمؤسّسة الحاكمة، وتستعين في عملية الصياغة بعناصر يمينيّة متطرفة كانت دائمًا من خارج المؤسّسة.

 2- العداء للعولمة والتجارة الحرّة. باعتبار الوطن هو الخاسر منها، والمستفيد هو الأجانب، والآخرون الذين يريدون أن يفرضوا إرادتهم. يأتي هذا العداء غالبا مع نزعات حمائيّة اقتصاديًّا، تؤيدها فئات من اليسار أيضا لأسباب مختلفة.

 3- مخاطبة خوف الناس من الهجرة الوافدة وموجات اللاجئين.

 4- مخاطبة المشاعر القومية وخوف الناس من ضياع هوية بلدانهم عبر التعددية الثقافية، وفقدان السيطرة الذكورية البيضاء بسبب تمكين المرأة والأقليات وغيرها.

5- 'الإسلاموفوبيا' وربط الإسلام بالإرهاب. والمثير أن فئات كانت معادية للسامية في الماضي استبدلت موقفها هذا بكراهية الإسلام والمسلمين.

ولا تتردد هذه التيارات في نشر موقف شعبوي معادٍ للسياسيين عموما، وغالبا ما يمارس العداء للسياسة والسياسيين كموقف معاد للديمقراطية، أما في حالة  الفوز في انتخابات، فغالبا ما تعبر هذه التيارات الشعبوية عن نفسها في مقاربات أكثروية شعبوية مناهضة لتدخل المحاكم الدستورية في الحياة السياسية لحماية المبادئ الديمقراطية الليبرالية حتى بعد فوز اليمين في الانتخابات، فتصور المحاكم وكأنها تفرض قيم الأقلية على الأكثرية. هنا ترتدي الشعبوية أقنعة ديمقراطية في الدفاع عن السياسة والسياسيين في صراعٍ مع قيم الليبرالية التي تتولى المحاكم الدستورية الدفاع عنها.

 علينا أن نميّز بين هذه النزعة وأيديولوجية 'المحافظين الجدد'. فظاهرة المحافظين الجدد من تجليات العولمة الثقافيّة السياسيّة. كان هؤلاء نخبة تحدثت بلغة اليسار لناحية الرسالة العالمية، مع الفرق أنها لم تعظ بالرسالة الثورية التحررية الأممية للبروليتاريا، بل دعت إلى تحمل الديمقراطيّة الليبرالية، الأميركية على وجه التحديد، مسؤوليتِها على المستوى العالمي. وبدل تصدير الثورة التي اتُّهم بها السوفييت يفترض حسب وجهة نظرهم أن تقوم أميركا بتصدير الديمقراطيّة، وهذا يناقض نزعات ترامب وغيره المعارضة لتصدير الديمقراطية.  فحسب ترامب في خطابه حول السياسة الخارجيو والذي نقلته الوكالات يوم 26 أبريل 2016، بدأت أخطاء السياسة الخارجية التي أدت إلى الفوضى في الشرق الأوسط 'بالفكرة الخطيرة أنه يمكننا تحوي بلدان إلى ديمقراطيات غربية مع انه ليست لديها لا التجربة ولا الرغبة أن تصبح ديمقراطيات غربية'.

 صحيح أنّ دعوتهم لتصدير الديمقراطيّة  أدّت إلى حروب امبريالية، واحتلالٍ مدمر ٍ للعراق، وإلى مقاومة وطنية ودينية ضده، ولكنّ دوافع هؤلاء المحافظين الجدد ، الإمبريالية بحد ذاتها، لم تشبه لا دوافع المحافظين، ولا الليبراليين. ولا تشبه اليمين المتطرّف. لم يكن المحافظون الجدد مثلًا معادين للإسلام بحد ذاته، بل روجوا لفكرة أنّه لا تناقض بين الإسلام والديمقراطية، ورأوا أن سبب الإرهاب الرئيسي هو الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة وليس على الإسلام، وبالتالي يجب تصدير الديمقراطيّة إلى العالم الإسلامي. وانتقدوا حتى حلفاء الولايات المتحدة مثل مصر والسعودية في كل ما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان. ولو كانوا حاكمين راهنًا لتدخلوا بالتأكيد ضد النظام السوري مثلا. وسبق أن هددوا بمثل هذا التدخل قبل الفشل المدوي في تصدير الديمقراطية إلى العراق. في المقابل لا يكترث ترامب بقضايا حقوق الإنسان في الدول الحليفة، من المرجح أن يعزز العلاقة مع الأنظمة الحليفة في العالم العربي، ومع نظام السيسي في مصر. ويعتبر ترامب جرائم بشار الأسد وحقوق الإنسان والديمقراطية منفرة، ولكنها مسائل ثانوية تتضاءل أمام مصلحة الولايات المتحدة (أميركا أولا). وهذه لا تتناقض في رأيه مع وجود الأسد على رأس السلطة في سورية. وهو بذلك لا يختلف مع المحافظين الجدد فحسب، بل أيضا مع اليمين الأيديولوجي الذي تحالف معه، والذي يعادي سورية وإيران لأسباب لا علاقة لها بالديمقراطية أيضا. ومستقبلا قد يكون دافع ترامب الوحيد لاتخاذ موقف من الأسد هو مواجهة تمدد النفوذ الإيراني في سورية، أي من دون الدخول في حرب مباشرة معها في إيران نفسها. وهذا بحد ذاته ليس مؤكدا أيضا.

البعد الاقتصادي والثقافي واستيراد نموذج صراع الحضارات نحو الداخل:

لقد تعمّدتُ أن أبدأ  بما يمكن تسميته خلفيّة ثقافيّة، لأنّ هذا البعد لا يحظى بما يستحق من الاهتمام عند تناول الظاهرة، إذ غالبًا ما يقاربها التحليل اقتصاديًّا وسياسيًّا فقط. وأصبح مألوفًا الحديث عن نتائج الأزمة المالية الاقتصاديّة عام 2008، وخراب الصناعة في بعض المناطق العماليّة التقليدية نتيجةً لنقلها إلى دول أخرى بحثًا عن أيدٍ عاملة رخيصة، وتسهم كلها في إشعال غضب فئات عمالية  ضد العولمة والتجارة الحرة. هذا صحيح، ويمكن التدليل عليه بالإشارة إلى خراب مناطق ما بعد صناعية في أميركا، وبأن مناطق صناعيّة كانت تعتبر معاقل تقليدية لحزب العمال البريطاني صوّتت ضدّ رأي هذا الحزب، ولصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.  وثمة ولايات كانت محسوبة على الديمقراطيين في الولايات المتحدة صوتت لترامب، ما يعني أنّ الطبقة العاملة البيضاء أصبحت تميل للتصويت لليمين، وهي أكثر عرضةً لاتخاذ مواقف ضد الهجرة. والمهاجرين.

ويصور الجدول التالي أمرين أساسيين: 1. أنه ثمة استقرار في خارطة التصويت في الولايات تصل حد تبلور 'هوية سياسية'، ولو وسعنا العدسة قليلا لرأينا استقرارا في التصويت حتى على مستوى الأقضية. 2.يقدم انتقال ولا أوهايو وبنسلفانيا ميشيغان وآيوا وويسكونسن من التصويت للمرشح الديمقراطي (في الانتخابات السبع السابقة تقريبا) إلى المرشح الجمهوري ترامب في الانتخابات الأخيرة صورة عما أودناه أعلاه.

جدول: نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 بحسب الولاية، بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة منذ العام 1988
**وتنتشر ثقافة القومية المنغلقة الإثنية غير القائمة على المواطنة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لدى البالغين ممن يقارنون الوضع الحالي بمراحل سابقة. لقد كانوا 'يملكون البلاد'. ومع زيادة أعداد المهاجرين المسلمين في أوروبا، وأولئك من غير البيض البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية، يتفاقم الشعور بأن هذه البلاد 'كانت' بلادهم، وسلبت منهم. هنا تبرز بقوة مسألة العلاقة بين مركبات هوية الجماعة القومية وهوية الدولة.

  صحيح أنّ الطبقة العاملة في هذه البلدان غاضبة ومحبطة من توسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وازدياد حدّة ظواهر انعدام المساواة. ولكن هذا لا يفسر التصويت لترامب. ويمكن فهم سلوك الطبقة العاملة أو فئات واسعة من الطبقة العاملة البيضاء في هذه الدول من زاوية أخرى تمامًا، بوصفها رد فعل على تنامي المساواة وليس عدم المساواة. فمع توسع الفجوة بين الطبقات، والاستقطاب بين الغني والفقير، ازدادت نسبة المساواة  للأميركيين من أصل أفريقي والمرأة وغيرها داخل كل طبقة. ومن يصر على المقاربة الاقتصادية للقضية يمكنه أن يفهم هذا التطور باعتباره تنافسا بين الأجيرين (العمال والموظفين) تستفيد منه عمومًا الرأسماليّة التي يمثلها بالتأكيد أمثال ترامب.
 
في الأعوام من 2005 وحتى 2013، ارتفعت مداخيل الأسر الأمريكية من أصل إفريقي ممن يزيد دخلها عن 200 ألف دولارأميركي بنسبة 138%، مقارنة بالمعدل العام لمجموع الأسر في الولايات المتحدة الذي بلغت نسبة زيادته 74%. كما أن عدد أصحاب الملايين من الأمريكيين من أصل أفريقي قد ارتفع من 25 مليونير في ستينيات القرن الماضي ليصل عددهم اليوم إلى 35 ألف مليونير، واستطاعت النخبة الأميركية من أصل أفريقي أن توصل أوباما لرئاسة الولايات المتحدة لولايتين، إلا أن الفجوة الطبقية بين بين الأميركيين من أصول إفريقية ما زالت واسعة. وتشكل المرأة الأمريكية اليوم نحو نصف القوى العاملة؛ أي ما نسبته 49.9% من إجمالي عدد العاملين في الولايات المتحدة، ويشغلن مناصب عليا في أكبر شركات العالم، مثل شركة بيبسي، وشركةArcher Daniels Midland Company للأغذية والسلع التجارية، وشركة W. L. Gore للمنتجات الصناعية. وتشكل نسبتهن 600% من حملة الشهادات الجامعية. هذا بالإضافة إلى قرار المحكمة المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة في 26 حزيران/ يونيو 2015الذي ألزم جميع الولايات الأميريكية الاعتراف بحق المثليين بالزواج بصورة قانونية.

ومن نافل القول أن ترامب وفئة أباطرة المال والأعمال المحيطة به لا يمثلان مصالح العمال، بل تستفيد هذه الفئة من دون شك من تأجيج التنافس داخل الطبقة العاملة، وتوجيه نقمتها نحو الأقليات والشعوب الأخرى وغيرها. هذه استراتيجيات يدركها أي نقابي منذ القرن التاسع عشر. ولكن لا يمكن فهمها في الظرف التاريخي العيني بدون البعد الثقافي. ومن هنا فإن التفسير  يكمن في التنافس داخل الطبقات الاقتصادية، وليس بين الطبقات، ما يعزز قدرة السياسين الشعبويين  من تعبئة معسكرات عابرة للطبقات يجمعها النفور من القيم الليبرالية من جهة، والخوف من تمكين من كانوا مهمشين من جهة أخرى، وهو الخوف الذي يعبر عن نفسه في التأكيد على الهوية. 

وفي رأيي المتواضع إنّ البعد الغائب في التحليل، والذي لا يُولَى اهتمامًا كافيًّا هو البعد الثقافي، الذي يتحول غالبا إلى هوية. فالقوى التي تصارعت في انتخابات الولايات المتحدة وفي استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا بتاريخ 23 يونيو/ حزيران 2016 (الذي اعتبره ترامب من بشائر انتصاره في الولايات المتحدة) ليس طبقات بالمعنى الاقتصادي الكلاسيكي للكلمة، بل معسكرات ثقافيّة تشتمل على البعد الاقتصادي الطبقي دون شك. ولكنّ المكون الذي يجعل للبعد الطبقي الاقتصادي أهميّة سياسية هو  المركب الثقافي الطبقي الذي يصوغ ويعيد صياغة المصالح ومشاعر مثل الغضب والنقمة والخوف وغيرها بلغة سياسية.

 إنه صراع بين ثقافتين: الأولى تسود لدى قطاعاتٍ اجتماعيّة متلبرلة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا يمكن ترسيم ملامحها بوصفها فئات وسطى من قطاعات خدميّة وأكاديميّة وتكنوقراطيّة وغيرها وتعيش في المدن الكبرى غالبًا، وهي مستفيدة من العولمة والتجارة الحرية. إنها ليست بريئة تمامًا من العنصريّة ومن الشعور بالتفوق تجاه الآخر ، ولا  هي متحررة من الخوف من الآخر أيضًا، ولكنّها أقدر على تحمّل الاختلاف لأنها مهيمنة وقويّة . هذا إضافة إلى أن جزءًا متناميا منها أصبح يتبنى مبدئيا قيما ليبرالية أخلاقيا، وذلك عبر التنشئة الاجتماعية ونتائج صراعات الأجيال؛ أما الثانية فثقافة محافظة وتقليدية عابرة للطبقات، ولكنها سائدة بشكل خاص في الأرياف الغنية والفقيرة المحافظة التي تنظر بريبة وشك إلى ثقافة المدن الكبرى باعتبارها منحلة؛ وفي مراحل الأزمات تلتقي معها فئات اجتماعية حديثة متضرّرةً من الحداثة والعولمة ناقمةً على النخب والمؤسسة، ومنها أوساط واسعة من الطبقة العاملة البيضاء، وفئات تدهوت من الطبقة الوسطى إلى مهاوي الفقر نتيجة لتغول الاحتكارات الكبرى، أو فقدان العمل، أو أزمات البورصة والاستثمارات الخائبة، وعدم تحمل أسعار العقارات في المدن وعوامل كثيرة أخرى.
 

جدول: نتائج استطلاع الـCNN لآراء الناخبين الأمريكيين فور خروجهم من مراكز الاقتراع يوم الانتخابات (Exit Polls)
*

ليس هذان معسكرين منسجمين داخليا على الإطلاق. ولكن ما يميّز المرحلة الحالية هو تجمع هذه القوى المتنوعة المتعددة المصالح والمشارب والأهداف في معسكرين، أحدهما يبدو ليبراليا ونخبويا في ثقافته وليس بالضرورة في طبقته الاجتماعية، والثاني وطنيا شعبويا معاديا للأجانب والهجرة أيضا في ثقافته وخطابه السياسي. الأول أكثر علمانية والثاني أكثر تدينا. ويجتمع في الأول بشكل عام مواطنون ذوو تحصيل علمي أعلى من المتجمعين في المعسكر الثاني. ودعونا نقول أن معدل التحصيل العلمي في المعسكر الأول أعلى منه في المعسكر الثاني.

 وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تمكين فئات المعسكر الثاني من المشاركة السياسية المباشرة من دون رقابة النخب التي تسيطر على وسائل الإعلام وتحررها، وتقوم بغربلتها. 'تفلتر' وسائل الإعلام المهنية التي تسيطر عليها النخب الاقتصادية والثقافية المعلومة، وذلكك  ليس فقط بالتمييز بين الحقيقة والخيال، والواقعة والشائعة، بل أيضا قيميًا. أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد منحت فئات المعسكر الثاني تعبيرا مباشرا لا يمر عبر همينة النخبة. فمثلًا وصل متابعي حساب ترامب على تويتر إلى أكثر من 16 مليون.   ولن يتسع المجال لوصف آليات التعبير عن الثقافة الجماهيرية في المرحلة التاريخية الراهنة، هذا عدا ما تقوم به وسائل الإعلام الرئيسية لمسايرة  هذه الثقافة ومراءاتها وإعادة إنتاجها استهلاكيا. وأذكر هنا أن ترامب بذاته هو بليونير درس في جامعات يدرس فيها أبناء الأغنياء وهو أيضا ابن نيويورك من مراكز الثقافة الأولى بموجب التصنيف أعلاه. ولكنه لا يبدو للناس الذين صوتوا له نخبويا، وذلك ليس لأنه متواضع، فأسلوبه يتميز بالغرور، ولا لأنه يمثل مصالح الناس، بل لأنه يمثل هوية هذا المعسكر ويتكلم بلغته.

وهنا أعود إلى تمييزات نظرية وتاريخية أجريتها في كتابيْ المجتمع المدني والمسألة العربيّة، واستخدمتهما أيضا في مؤلفات ثلاثة حول الثورات العربية. وهي تمييزاتٌ بين الديمقراطيّة واللبراليّة تقدم التطورات الدليل بعد الآخر على الحاجة إليها.

فمركب الديمقراطيّة الليبراليّة لم يكن دائمًا قائما، وتاريخيًا لم تكن الديمقراطيّة ليبراليّة ولم تكن الليبراليّة ديموقراطيّة. ويمكننا التوسّع في هذا الموضوع، فأس الديمقراطيّة عمومًا  المشاركة الشعبيّة الواسعة في صنع القرار والتمثيل النيابي الذي يقرر عبر الانتخابات، وقيمتها الرئيسية المساواة وتتجلى بشكل خاص في المراحل النضاليّة للديمقراطية. أمّا الليبرالية فتقوم على حريات الأفراد وحماية مجالهم الخاص بما في ذلك الملكية الخاصة، وقيمتها الرئيسية الحرية وما يشتق منها من قيم.

كانت الليبراليّة غالبًا في القرن التاسع عشر وفي النصف الأول من القرن العشرين تيارًا فكريا سياسيا اقتصاديا نخبويّا. واهتم حملة هذا الفكر بالحفاظ على هذه القيم باعتبارها موجّهًا لعلاقات الدولة والفرد والمجتمع، وحمايتها من عسف السلطة التي يفترض أن يقتصر دورها على حماية الحريات. وبدا لهم أن شرط الحفاظ على الحريات المدنية وحماية المجال الخاص هو عدم مشاركة الجماهير الواسعةـ، التي غالبا ما لا تتبنى هذه القيم، في عمليّة صنع القرار. فإذا ترك القرار للجماهير الواسعة سهلة الانقياد، أي التي  يسهل خداعها من قبل الديماغوغيين، فسوف تكون النتائج وخيمة.

 وفي رأيي حصل اللقاء بين الديمقراطية والليبرالية بعد الحرب العالميّة الثانية، حين تبين خطر الديماغوغيا الشعبوية من جهة، وعزلة الفكر الليبرالي عن الجمهور الواسع من جهة أخرى، إذ أفرزت الانتخابات في عصر الثقافة الجماهيرية في حالات متطرفة بعد الأزمة الاقتصادية في نهاية العشرينيات وعلى خلفية ادعاءات بالمظلومية القومية التاريخية، وشعور بالخوف على الهوية، واتهامات بانحلال النخب decadence، أنظمةً فاشية.

منذ ذلك الوقت أصبح الديمقراطيون والليبراليون يسعون إلى ربط مبادئ الديمقراطيّة والحقوق والحريات المدنيّة، وحتى مطابقتها، وذلك حين ألحت الحاجة لمبادئ فوق دستوريّة تحمي الحريات من الأغلبيات الطارئة التي قد لا تؤمن بهذه القيم. وما نشأ بعد الحرب العالمية الثانية هو واقع تاريخي جديد تتطور فيه ديمقراطية ليبرالية عبر دينامكية تفاعلية بين شقيها هذين؛ وهذا لم يتحول بالضرورة إلى رابط قيمي بين الليبرالية والديمقراطية إلا عند فئات محددة من الديمقراطيين الليبراليين.  وفي الأزمات الكبرى يتزعزع هذا الرابط بين الديمقراطيّة والليبراليّة عند فئات واسعة من الجمهور. وبإمكان شخص مثل ترامب ومارين لوبان وغيرهما الاستفادة من المزاج الشعبي في ظروف المشاركة الشعبية الواسعة (أي الديمقراطيّة) ضد الليبراليّة والليبراليين. ولا يُفترض أن يكون تصور مثل هذا الأمر  صعبا للفهم بالنسبة لنا، نحن شعوب الشرق، ولا أظن أن أحدا بحاجة أن أعدّدَ له الحالات الكثيرة التي يجري فيها تعبئة الجماهير في بلداننا بسهولة نسبيّة ضد هذه القيم بوصفها دخيلة ومدسوسة تهدد الاستقرار ونمط الحياة القائم، لتمرير سيطرة أعتى الديكتاتوريات ضدّ الشعب على إيقاع قرع طبول هذه الديماغوغيا الشعبويّة.

عن الشعبوية

نتوقف هنا لحظةً عند الديماغوغيا الشعبويّة. كان الديماغوغ  قائد العامة الذي يشعل غضبها في أثينا. ولم يكن للتعبير في البداية تداعيات سلبية. وتطوّرت هذه بارتسام الخطاب السياسيّ الديماغوغي على صورة تحريض يستسهل استغلال جهل العامة والآراء المسبقة المنتشرة بينهم، فيعبّر عما يرغب الناس بسماعه. وهذا لا يشترط إيمان الخطيب بكل ما يتفوه به. فقد يكون مؤدلجًا ويؤمن بما يقول، لكنّه يستخدم خطابًا ديماغوغيًّا مصممًا بموجب ما يعتقد أنّ الناس يريدون سماعه بناء على الغرائز والميول والمخاوف الدفينة والسافرة. وقد لا يكون أيديولوجيًّا، وربما يكون سينيكيًّا بالتعبير الحديث والمعاصر (ودلالته عكس دلالة اليوناني الفلسفي القديم)، وذلك حين يكون هدف السياسي الشعبوي الوصول إلى السلطة بأيّة طريقة، أي تحقيق مصلحة ذاتية.

وقد ثبت عبر التاريخ أنه ثمة أنماط مرنة من الشعبوية  لا تجد صعوبة في تغيير المواقف والخطاب حسب الظرف. وعلى الرغم من أن ترامب يؤمن بجزءٍ مما يقول دون شك، ولكن كل ما يقوله ديماغوغيا تعبّر عما يرغب قطاعٌ  واسعٌ من الناس بسماعه ولا يستطيع قوله، أو يخجل من قوله. وربما كان بإمكانه أن يتحالف مع شعبويين براغماتيين مثله لإدارة الدولة بعد الانتخابات، لكنّه اختار أن يجمع بين مكافأة بعض الشعبويين الذين ساعدوه في الانتخابات،  وتعيين رجال أعمال يؤمنون بقدرتهم على إدارة الدولة باعتبارها 'بيزنس' أكثر من السياسيين،  وساسة محافظين وآخرين من اليمين المتطرّف. وغالبا ما يكون اليمين المتطرف نخبويًّا مثل اليسار المتطرف وليس بالضرورة ديماغوغيًّا، بمعنى أنّه يقول ما يرى أنّه صحيح.

يريد ترامب أن يستعيد 'عظمة أميركا' مثلما  يريد بوتين أن يستعيد 'عظمة روسيا'، وغيرهما يريد استعادة أمجاد الصين، وصربيا وهنغاريا وفرنسا وبريطانيا. الجميع يريد استعادة عظمة قائمة غالبا في المخيلة وحدها. وغالبًا ما كانت هذه العظمة القوميّة أو الوطنيّة التي يريدون استعادتها عبارة عن أنظمة طغيان لا يرغب أحد بالعيش في ظلها، هذا عدا  عن أنها وجدت تعبيرها غالبا في  صراعات نفوذ للهيمنة على ما يعتبرونه مجالهم الحيوي، فأشعلت حروبا، ومنها حروب عالمية. كما أن عظمة الأمة والدولة التي يهيئونها لجمهورهم هي بالضبط ما يتضاءل أمامه الإنسان وحقوق المواطن. وقد يرى اليمين المتطرف أن عظمة بلاده المنشودة تتناقض مع عظمة البلدان الأخرى.

لم يخترع ترامب استراتيجية تأطير هوية مؤيديه بناء على توجيه الاتهامات إلى 'الآخر' داخل المجتمع نفسه، بوصفها إحدى أهم أدوات الشعبوية. فقد تبنى الحزب الجمهوري لسنواتٍ عدّة مبدأ 'نحن وهم'. ففي الحملة الانتخابية لريتشارد نيكسون للرئاسة في العام  1968، نجح في استغلال عنصرية البيض الجنوبيين، على الرغم من استخدام باري غولدووتر، المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في العام 1964، من قبله الاستراتيجية ذاتها في حملته الانتخابية إلا أنه فشل في ذلك. كما قام رونالد ريغان بشيطنة المستفيدين من برنامج الرعاية الأميركية من الأميريكيين من أصول أفريقية ليكسب بذلك أصوات الناخبين في الضواحي الشمالية. واستخدم جورج بوش الأب هذه الاستراتيجية ضد الأميركيين من أصول أفريقية المدانيين بسجلات إجرامية؛ كما استغل جورج دبليو بوش قلق الناس من زواج المثليين ليضمن الفوز في انتخابات العام 2004. هذه انتهازية سياسية مألوفة في الانتخابات، ولكنها تساهم في إبقاء العنصرية حية، فهي تمنحها جرعات من الشرعية من حين لآخر.

لم تجعل هذه الانتهازية السياسية من الحزب الجمهوري حزبًا شعبويًا، ألاّ أن المشهد السياسي الأميركي قد تغير نحو اليمين في ظل ارتفاع نسب المنتسبين لحركة حزب الشاي، ونحو الشعبوية للعوامل المذكورة أعلاه يضاف إليها الشعور بالسخط تجاه رئاسة أوباما، ومن المساعدات المالية المزعومة لسد ديون الأميركيين من ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية، والدين القومي، وبرنامج التأمين الصحي لأوباما المعروف بأوباماكير (Obamacare)، والموقف من مؤسسة الحزب الجمهوري. ويبقى التعبير الأوضح عن طفرة الشعبوية السياسية تغلب ترامب داخل الحزب الجمهوري على مرشحي مؤسسة الحزب، وترشحة للانتخابات الرئاسية وفوزه فيه.

يظهر انتخاب دونالد ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحولَ طبيعةِ الطبقة العاملة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؛ إذ أصبحت هذه الطبقة أكثر شعبوية نتيجة لشعورها بتخلي النخب والأحزاب السياسية الرئيسية/التقليدية عنها اقتصاديًّا، هذا عدا عن المسافة التي تفصلها عنها سياسيا- ثقافيا. فقد صوّت العمال البيض في الولايات المتحدة لدونالد ترامب، وكسب أيضًا أصوات الناخبين 'المنسيين' في المناطق التي تُسمى بحزام الصدأ (Rust Belt) في الشمال الشرقي، أي  المناطق المتداعية بعد هجرة الصناعة منها. وهم والذين فشلت استطلاعات الرأي في تمثيلهم نتيجة لصعوبة الوصول إليهم من خلال شبكة الانترنت والهواتف، وأيضا نتيجة لعدم اهتمام القائمين على هذه الاستطلاعات بهذه الفئة غير النشيطة انتخابيا، حيث أن العديد ممن ينتمون إليها لم يصوتوا منذ مدة، أو لم يصوتوا على الإطلاق. وهذا أيضا ما شهدته بريطانيا في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، حين صوت العديد من البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي ممن لم يصوتوا من قبل في أي انتخابات (غير نشيطين انتخابيًا).

في نهاية تسعينيات القرن الماضي، سجل اليمين المتطرف في الولايات المتحدة في حالاته العلنية الإعلامية  أو المعبر عنها حزبيا، كما في حالة باتريك بيوكانان (Patrick Buchanan)، وحزب الجبهة القومية بقيادة جان ماري لوبان (Jean-Mary Le Pan) في فرنسا، ويورغ هايدر (Jörg Haider) في النمسا، مفاجأة للديمقراطية، والديمقراطيات الغربية عموما، بما حققه من ارتفاع في عدد المصوتين لصالحه ؛ وتوسعت قواعدة في بداية الألفية نتيجة لتوظيف موضوعات اللاجئين والعولمة لصالحه. وهي قضايا متعلقة بالاقتصاد والهوية أيضا.  وهكذا فإن قاعدة اليمين المتطرف الشعبوي موجودة منذ 25 عامًا، وقد توسعت مع زيادة أعداد اللاجئين وتأثيرهم على هوية البلدان التي لجأوا إليها، بالإضافة إلى عوامل تراجع الصناعة التي أثرت على اقتصاد هذه البلدان وانخفاض النمو الاقتصادي نتيجة للأزمة الاقتصادية في العام 2008. والتقى اليمين المتطرف مع تصاعد النزعة الشعبوية واستفاد منها. ونتيجة لذلك، فقد استطاع اليمين الشعبوي تحقيق تقدم في كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، والسويد، وفنلندا، وسلوفاكيا، وكرواتيا، بالإضافة إلى وصوله للحكم في كل من هنغاريا وبولندا.  وحقق الحزب البديل من أجل ألمانيا (Alternative für Deutschland) منذ أن تأسس في العام 2013  مكاسب مذهلة في الانتخابات المحلية، ويبدو أنه سوف يتجاوز نسبة الحسم اللازمة لدخول البوندزتاغ في الانتخابات القادمة. وتقوم شعبيته حصريا على معاداة الأجانب والتعددية الثقافية، ويروج لمعاداة الإسلام محذرًا من تزايد أعداد المسلمين في ألمانيا. ولا شك أن النازيين الجديد صوتوا له، ولكن قاعدته الانتخابية تقوم على شعبويته التي تخاطب مواطنين ألمان متخوفين من الأجانب والعولمة؛ ومنهم من يقف على يمين الخارطة السياسية ووسطها.

وتجري عملية تغذية متبادلة بين هذه القوى، إذ دعا ستيفن بونان (Stephen Bannon)، الرئيس التنفيذي لحملة دونالد ترامب الانتخابية، ماريون مارشال لوبان (Marion Maréchal-Le Pen ) منسقة حملة مارين لوبان للتعاون، وذلك بعد أيام من فوزه بالانتخابات. وكان نايجل فرج (Nigel Farage) زعيم حزب استقلال بريطانيا (UKIP) الذي قاد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أول السياسيين الزائرين لدونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات.
 وفي أوروبا، أسهم نفور حزب الجبهة الوطنية في فرنسا وعدد من الأحزاب اليمينية الأوروبية التي تُنادي بالهوية القومية الإثنية، من قيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي، ولا سيما في عهد أوباما، إلى توجهها للتحالف مع نظام فلاديمير بوتين في روسيا. ففي العام 20144، قامت مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية، بالحصول على قرض قيمته 9.8 مليون دولار أميركي من بنك روسي-تشيكي في روسيا بحجة أن بنوك فرنسا لن توافق على منحها هذا القرض. كما أن الحزب صرح في شهر فبراير/شباط من العام الحالي بأن الحزب ينوي التقديم على قرض من روسيا بقيمة 29.3 مليون دولارأميركي في حال لم توافق البنوك الفرنسية على منحهم إياه، حيث سيقوم الحزب باستخدامه في حملته خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة.

عموما تتخذ القوى القومية  المتطرفة من البلدان المختلفة مواقف مشككة، إن لم تكن معادية من بعضها، فأممية اليمين القومي المتطرف مصطلح متناقض بذاته. ولكن ظواهر مثل التعاون المشار إليه، وحقيقة أن كلا منها يستفيد من انتصارات غيره، والشعور أنها جزءٌ من موجة واحدة، مصدرها أن الخصم معسكر ٌ آخر ليس قائما في كل بلد فحسب، بل على مستوى البلدان الغربية كافة. بعد حوالي أسبوع من فوز دونالد ترامب وزيارة نايجل فرج الرسمية الأولى لترامب بعد انتخابه، كتب فرج في صحيفة 'صن' البريطانية أن الناخبين في الغرب  يريدون دولة قومية وديمقراطية، تراقب حدودها، وتكون مسؤولة عن شؤونها. وأشار إلى مفاجآت  سياسية أخرى ستشهدها أوروبا ودول أخرى.

يميل اليمين الشعبوي إلى تعريف الشعب وحدةً إثنية متجانسة ثقافيًّا وذات تاريخ واحد مشترك، والابتعاد عن فكرة المواطنة كحجر الأساس في بناء الأمة. واستراتيجيته أن يقدم نفسه وكأنه يحمي هوية الشعب ونمط حياته، ويفضل مصالح الشعب المعرف إثنيا على مصالح 'الآخرين'؛ والمقصود غالبا المهاجرون الذين يصوَّرون على أنهم مفضَّلين لدى النخبة المنحلة انتماءً وثقافةً. وتتنوع أساليب الشعبوييين في كسر ٍ مدروسٍ للتابوهات 'المزعومة' المفروضة ليبراليا، بفظاظة تربك السامع فتبدو له وكأنها استقامة مضادة للنفاق (مع أن الفظاظة قد تترافق مع الكذب والنفاق)، هذا بالإضافة إلى اعتمادها على العاطفة واستخدام الإهانات الشخصية والتشهير، ونظريات المؤامرة، والدلالات المجازية الجسدية، وحتى العنف الكلامي.

الشعبوية خطاب سياسي مرتبط غالبا بأيديولوجيا سياسية معينة (يسارية أو يمينية، دينية أو علمانية)، ولكن العلاقة بينهما مركبة كما أسلفنا. فالشعبويون غالبا أقل التزاما بالأيديويولجية ويبدون براغماتية ومرونة إذا لزم.  فمثلا ظل حزب الجبهة الوطنية، برئاسة جان ماري لوبان، يحمل رسالة يمينية متطرفة ذات طابع معادي للسامية طوال عقود. واستند بشكل رئيسي إلى دعم الناخبين من بين الطبقات المتوسطة وأصحاب الأعمال الصغيرة والمزارعين، فتبنى مواقف نيوليبرالية تستخدم صيغا مبسطة من الداروينية الاجتماعية. واستطاع الحزب تحقيق انتصارات انتخابية؛ مثل انتخابات البرلمان الأوروبي والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2002. وعملت رئيسة الحزب الحالية، ابنة مؤسس الحزب،  على تغيير الصوة المُشيطنة للحزب من أجل توسيع قاعدته؛ وانطوت هذه 'التسوية' الحتمية على تعليق عضوية زعيم الحزب التاريخي ومؤسسه جان ماري لوبان، في العام 2015، من قبل ابنته التي خلفته في رئاسة الحزب في العام 2011، وجاء قرار تعليق عضويته بسبب تصريحاته حول المحرقة اليهودية بالإضافة إلى أتباعه الراديكاليين، بل أيضًا شملت تحولًا في موقف الحزب من معادة السامية إلى معاداة المهاجرين والإسلام، وكذلك تحول من موقف داعم لليبرالية الاقتصادية إلى سياسة حمائية  ضد العولمة. لقد تغير الخطاب بموجب توقعات جمهوره، ولغرض توسيع الأوساط الداعمة له بين الفئات المعرضة لخطابه القومي اليميني.

 ولا شكّ أنّ اليمين المتطرف في الولايات المتحدة والذي سيكون موجودًا في بعض مفاصل إدارة ترامب المقبلة يرى أنّ عظمةأميركا متناقضة مع عظمة روسيا، لكنّ أمثال ترامب الشعبويين سيكونون أكثر براغماتية في التعامل مع روسيا، ففي كل شعبوية عنصرٌ براغماتيّ بالضرورة، وهي تتدرّج  من الشعبويّة الأداتية والسينيكيّة وحتى الشعبويّة التي تصل حدّ الجنون وتبقى على علاقة بالواقع بواسطة البراغماتية اللازمة للسيطرة فقط. وقد عرفت منطقتنا العربية نماذج من الشعوبيات هذه كلها. ومن هنا حيرة الرئيس الصيني والرئيس الروسي الحالمين أيضًا بعظمة بلديهما حول طبيعة القوى المقررة في إدارة ترامب، هل هي القوى الشعبويّة البراغماتيّة أم الشعبوية غير العقلانية أم اليمين الأمريكي القومي المتطرف؟

تتناقض شعبويّة ترامب أيضًا بين الوعد بتخفيض الضرائب والوعد بزيادة الاستثمار في البنى التحتية المتآكلة. فالبنى التحتية المتآكلة والمهترئة حسب وجهة نظره، تحتاج إلى زيادة الضرائب وليس تقليلها. أمّا عن بناء الجدار مع المكسيك فحدّث ولا حرج. لكنه يحيط نفسه برجال الأعمال، ويتلقى هاتف تهنئة من تايوان متجاوزا ما درج عليه رؤوساء أميركا في عدم إغضاب الصين منذ انفتاح إدارة نيكسون عليها.

ويحتاج المرء إلى صبر ليتابع تقلب تصريحات ترامب بشأن فلسطين من تأييد ما يسمى 'عملية السلام' والتحمس لها، وادعاء القدرة على الحياد في  الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين حتى خطابه أمام إيباك وإعلانه أن المستوطنات ليست عقبة أمام السلام، وأنه لا يجوز الضغط على إسرائيل أو فرض حلول على الأطراف، وأنه سوف ينقل السفارة الأميركية إلى القدس اعترافا منه بالسيادة الإسرائيلية عليها.

هل من أفق؟

تؤكد التجربة أن مشاركة الأحزاب اليمينية الشعبوية في الحكم يحد من قدرتها على استخدام إحدى أهم  أدوات التضليل التي تملكها وهي ادعاؤها أن النخب السياسية في البلاد تحكم ضد الإرادة السياسية للشعب، فهي تخسر موقع المتحدث باسم 'الأغلبية الصامتة'. ولكن بوسعها أن تستمر في استثمار مسألة الأجانب والأقليات.  وفي هولندا والنمسا، على سبيل المثال، سادت خيبة أمل في أوساط واسعة بعد وصول الشعبويين إلى الحكم، وذلك لإحساسهم بضرورة تجاوز القضايا الرئيسية التي ينادي بها الشعبويون؛ من قضية اللاجئين وحتى مواضيع الهوية والسيادة، والمضي من الحلول التبسيطية التي تميز الدعاية الانتخابية إلى التسويات والمساومات اللازمة لإدارة دولة والتوصل إلى حلول فعلية.

لقد انتخب ترامب من قبل قطاعٍ من المجتمع الأميركي لا يُشكّل غالبيّة الناخبين، وبالتأكيد لا يشكل غالبيّة المجتمع الأميركي. وانتخابه بأقلية نسبية  من الأصوات 46.21% (62851402 صوت) مقابل 48.17% من الأصوات (65527581 صوت) لكلينتون، جاء بفضل النظام الفدرالي الذي يمنح تمثيلا للولايات في المجمع الانتخابي (306 صوت لترامب مقابل 232 لكلينتون)، كما يمنح التوزيع السكاني  وليس فقط الكثافة السكانية وزنا، ما أسهم في تمكين المعسكر الثقافي السياسي الذي عبر عنه السياسي الشعبوي.

ولكن هذا يعني أنّه ثمة فئات أخرى واسعة سوف تدافع ليس فقط عن مصالحها بل أيضًا عن نمط حياتها. وهي موجودة غالبًا في المدن الكبرى ووزنها النوعي في الاقتصاد والسياسة أكبر حتى من وزنها الديموغرافي. وأكاد أجزم أنّ مشكلة ترامب الرئيسيّة ستكون داخليّة في الصراع على هويّة الولايات المتحدة الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة وليس مشكلة الشرق الأوسط أو منطقة المحيط الهادئ على أهميّة هذه المناطق. وسوف يزودها ترامب بالعديد من الأسباب للتحرك السياسي. والسؤال إذا كانت قادرة على مد خطوط التواصل ثقافيا مع فئات من المعسكر الآخر سوف تتضرر من سياسات ترامب. 

لقد وصلت الثقة بالنفس بالقوى السياسية الليبرالية على الشاطئ الشرقي والغربي في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي أن تحاول فرض قيم معينة في الحوار مع قوى ديمقراطية في بلدان العالم الثالث قبل دعمها ضد الديكتاتوريات وأنظمة الطغيان، مع أن هذه القيم  لا تنتمي غالبا إلى التيار الرئيسي في الليبرالية، بل إلى ثقافة فرعية  subculture في المدن الكبرى في الولايات المتحدة. وقد أرسلت الانتخابات الأميركية الأخيرة  تذكيرا للقوى الديمقراطية الليبرالية أنه من المفضل أن تلتفت إلى دواخل بلادها وريفها وعمالها لتكتشف أن هذه القيم لم تضرب لها جذورا لدى أوساط واسعة في مجتمعها ولدى شعبها هي.

بالنسبة لأثر انتخاب ترامب على الوضع الدولي فإن الصورة أعقد من أن تشمل في دراسة كهذه.

ملاحظة هامش:  نجح ترامب بكسب أصوات أقلية بين الأقليات من العمال السود وذوي الأصول اللاتينية الذين لم يروا في هيلاري مرشحة رئاسية تمثلهم، على خلاف نتائج التصويت في الانتخابات السابقة لأوباما. وعلى الرغم من حصول هيلاري كلينتون على نسبة أصوات أعلى بين الأميركيين من أصول لاتينية في هذه الانتخابات بالمقارنة مع  أوباما في العام 2012، إلاّ أن دونالد ترامب أيضًا رفع من حصة الجمهوريين من أصوات الناخبين الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية بمقدار زيادة 2%، من ضمنهم ذوو الأصول الكوبية والفنزويلية الذين صوتوا لترامب ضد سياسة الديمقراطيين وأوباما في التصالح مع النظام في كوبا. والحقيقة أن المهاجرين القدامي المندمجين في الحياة الأميركية الذين تبنوا قيم التيار المحافظ فيها رغبة منهم بالتأكيد على أميركيتهم، غالبا ما ينفرون من موجات الهجرة الجديدة التي تعيد طرح مسألة هويتهم التي خلفوها وراءهم، وتطمس الحدود بينهم وبين المهاجرين الجدد. لقد شهدنا ذلك تاريخيا في نفور يهود أوروبا الوسطى والغربية في المرحلة الليبرالية من تدفق اليهود الروس غربا هربا من موجات العداء للسامية في روسيا القيصرية.

كما أن بعض أبناء الأقليات الذين ينجحون بالاندماج يطورون عقيدة عصامية تدافع عن النظام القائم ومفادها أنهم نجحوا لأنهم مؤهلون ومجتهدون، وأن الفاشلين والخاسرين ينتقدون النظام ويحملونه المسؤولية مع أن فشلهم ناجم عن الكسل أو الانجرار للجريمة والمخدرات وغيرها.

--------
 

* نشرت هذه الدراسة في العدد 23 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016) من مجلة 'سياسات عربية' (الصفحات 7-19) وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.
 

للحصول على أعداد المجلة (نسخ ورقية أو إلكترونية) أو مقالات مفردة منها، أو الاشتراك السنوي فيها، زر المتجر الإلكتروني لكتب ومجلات المركز.