تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كتاب عزمي بشارة "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته" موضوع ندوة نقاشية

2020-09-16

عُقدت اليوم 16سبتمبر 2020 في مباني معهد الدوحة للدراسات العليا ندوة نقاشية حول كتاب المفكر العربي عزمي بشارة "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة"، وقد نُظّمت الندوة العلمية بالاشتراك ما بين سيمنار برنامج دراسات التحول الديمقراطي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ودورية "تبين".

في القسم الأول من الندوة النقاشية تولى الحديث كل من الدكتور محمد أوريا من المغرب والدكتور جوني عاصي من فلسطين والدكتور منير كشو من تونس.

تعرضت المداخلة الأولى، وهي لمحمد أوريا، إلى تأثير الثقافة السياسية على الانتقال الديمقراطي إنجاحا أو إجهاضا، وذلك على ضوء الإشكالات التي أثارها كتاب عزمي بشارة في هذا الموضوع، وفي الأثناء تناولت مداخلة محمد أوريا دور النخب السياسية في الانتقال الديمقراطي وترسيخه، مختتما مداخلته بمحاولة وضع كتاب الدكتور عزمي بشارة في سياق الفكر العربي المعاصر في العشرين سنة الأخيرة.

وقد أبرزت المداخلة أهمية دور النخب في مرحلة الانتقال الديمقراطي، فعلى عاتقها تقع مسؤولية حماية الديمقراطية في نشأتها المبكرة، وبقدر ما تكون هذه النخب متماسكة ومجمعة على مسألة الخيار الديمقراطي، بقدر ما يقل تأثير العوامل الأخرى، وخاصة العامل الخارجي في عرقلة الانتقال الديمقراطي.

على الواقع الملموس والداخلي تؤثر النخب كما هو معروف في القوانين والدساتير والتنشئة السياسية للجمهور، وبالتالي فمسألة الثقافة الديمقراطية للنخب هي مسألة مصيرية، وذلك من حيث اعتبار هذه النخب أن المؤسسات الديمقراطية هي الإطار الأفضل لتسوية الصراعات، ومن حيث قابلية هذه النخب للدخول في مساومات وتفاهمات، فالنخب مطالبة بإعطاء المثال على المواطنة والديمقراطية.

وقد انتهى محمد أوريا في مداخلته إلى ن كتاب عزمي بشارة يقدم التصور الذي يجيب على معظم الأسئلة التي طرحها الفكر العربي المعاصر حول الانتقال إلى الديمقراطية مثل سؤال من أين وإلى أين وكيف؟ معتبرا أن كتاب بشارة يمثل مانفيستو للانتقال الديمقراطي.

أما المداخلة الثانية لجوني عاصي  فقد تطرقت إلى سيروة انبثاق الثورة وتطورها في الربيع العربي من خلال المفهوم الذي وضعه بشارة والمتمثل في مفهوم "الثورات الإصلاحية" وذلك لتناول العلاقة بين الثورة والديمقراطية، وفي الجزء الأخير من مداخلته تطرق جوني عاصي لإعادة الاعتبار للعناصر البنيوية في التحول إلى الديمقراطية كما تناولها كتاب بشارة عند الحديث حول نظريات التحديث.

في المداخلة الثالثة لمنير الكشو تم التركيز في البداية على إبراز مآثر كتاب بشارة، وذلك من ناحية المناقشة النقدية التي يقوم بها لمختلف نظريات الانتقال الديمقراطي وأيضا للمأثور الفكري العربي في هذا المجال. أما الجزء الثاني من المداخلة فقد تناول فيه منير الكشو المنوال التنموي الخاص بنظرية التحديث في علاقته بالانتقال الديمقراطي في البلدان العربية. وذلك على ضوء نتائج الكتاب وعلى ضوء الحالة التونسية الراهنة.

الجلسة الأولى

في الجلسة الثانية من الندوة النقاشية طغى الحديث حول الإضافات النظرية التي جاء بها كتاب عزمي بشارة، وفي هذا المجال تحدث كل من الدكتور رضوان زيادة من سوريا وعبد الوهاب الأفندي من السودان وعبد الفتاح ماضي من مصر.

تطرّق رضوان زيادة لربط الديمقراطية بالتحديث، واستخدام الأنظمة السلطوية لهذا الربط كادعاء لتبرير الاستبداد وتأجيل الحديث عن الديمقراطية لحين تحقيق ما يسمونها الشروط الاقتصادية والاجتماعية. وقد كان هذا الادعاء موضوع نقد كبير في الكتاب. إلا أن النقد الأهم تمحور حول الأسباب الأكثر أهمية من الناحية الأكاديمية لنظريات التحديث. خاصة لناحية إهمال عامل الإرادة البشرية والعامل البشري بمتغيراته الكثيرة التي لا يمكن تحديدها بشكل رقمي. واختتم رضوان زيادة حديثه بعرض النتائج التي توصل إليها بشارة والتي تمثل عوامل محددة في نجاح الانتقال الديمقراطي عربيا وأهمها: الثقافة الديمقراطية للنخب، وحياد الجيش، ودرجة الأهمية الجيوسياسية، وأنه لا يمكن حكم الدولة بأغلبية ضئيلة في مرحلة الانتقال، وأخيرا الاهتمام بالتنمية الاقتصادية في مرحلة الترسيخ الديمقراطي.

أما الدكتور عبد الوهاب الأفندي ققد قام بإلقاء نظرة عامة على الكتاب في البداية، معتبرا أن كتاب بشارة هو قصة الانتقال الديمقراطي والديمقراطية، ومن وجهة نظره فإن الكتاب يمثل إطارا مرجعيا للطلاب والباحثين من هذه الزاوية.

كما اعتبر الأفندي أن عزمي بشارة نجح في تفكيك وتركيب نظرية التحديث لإنقاذ ما يمكن إنقاذها منها. خاصة أن بعض جوانبها واستنتاجاتها ما تزال قابلة للاستخدام.

كما تطرق الأفندي أثناء مداخلته إلى تناول أحد الأسئلة المركزية في الكتاب وهو هل هناك علاقة سببية بين الثقافة والديمقراطية؟ أو ما هي شروط وأسس نشوء الديمقراطية؟ معتبرا أن الديمقراطية نشأت في دول لم تكن لها ثقافة ديمقراطية، على غرار أميركا، وبريطانيا. وعند نشأتها لم تكن الشروط التي وضعها التحديثيون قائمة أيضا. كما أنه من الخطأ كما نبه بشارة الحديث عن وجود ثقافة موحدة، فداخل كل شعب توجد تعددية ثقافية.

في المداخلة الأخيرة من الندوة النقاشية اعتبر الدكتور عبد الفتاح ماضي  أن كتاب عزمي بشارة "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته" ليس مجرد كتاب عادي بل هو أكثر من كتاب، فهو مرجع عربي غني، جمع بين النظريات ونقدها والجوانب التطبيقية والمقارنات بين الحالات المختلفة إقليميا وعالميا.

كما أبرز عبد الفتاح ماضي أثناء مناقشته للكتاب دور العامل الخارجي والاستقطاب داخل النخب في تجارب الانتقال الديمقراطي عربيا، خاصة على مستوى حالة مصر وتونس. معتبرا أن العامل الخارجي كان أهم العوامل المحددة في تفسير فشل الانتقال الديمقراطي في مصر ويليه في الأهمية عامل عدم تكتل القوى السياسية من أجل الديمقراطية، وتغييب الشباب في المرحلة الانتقالية.

الجلسة الثانية

وفي الأخير فإن كتاب عزمي بشارة هو خلاصة جهد بحثي متشعب، ينطلق من البحث في نظريات التحديث ونقدها لأنه يشخص بدايةً دراسات الانتقال فيها، وصولًا إلى دراسات الانتقال إلى الديمقراطية التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي. وينتقل إلى معالجة تطبيقية لمآلات تجارب الانتقال في البلدان العربية التي اندلعت فيها ثورات تغييرية وانتفاضات شعبية، متوصلًا إلى قصور دراسات الانتقال في فهمها، ومستخلصًا منها استنتاجات نظرية هي إسهام عربي في نظرية الانتقال الديمقراطي.