وفي رواية أخرى│المفكر والباحث الدكتور عزمي بشارة│الحلقة الثانية
عزمي بشارة: شاركت مع طلاب جامعة بيرزيت في التظاهرات خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى
قال المفكر والباحث الدكتور عزمي بشارة، إن النخبة والمثقفين كانوا رافضين للقيادات المحلية التي كانت تراهن عليها إسرائيل لتأسيس الحكم الذاتي لفلسطيني.
وتحدث بشارة عن الوضع القائم آنذاك، في حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على التلفزيون العربي، قائلاً إن إسرائيل شكَّلت هيئات مختلفة، واعتبرت منظمة التحرير إرهابية، وكان رد الفعل من القيادات الفلسطينية -بما فيها من المثقفين- هو الإصرار على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها ممثلاً لهم، وبوصفها نوعاً من النفي النفسي لتهمة التواطُؤ مع الاحتلال.
وأشار إلى أن فشل مشروع الحكم الذاتي وقتها جعل الاحتلال يستعيض بفكرة "روابط القرى" الذي كان غرضه منها تحويل الناس إلى عيون للاحتلال.
وأضاف المفكر العربي أنه في الفترة التي انتشرت فيها روابط القرى "اعتقدنا أن الدنيا خربت، لكن الانتفاضة بدأت بعد حادث عمال السيارة، واشتعلت جامعة بيرزيت، وأنا كنت مع الطلاب الذين هم طلابي، وكنا نشارك في العمل الوطني في الانتفاضة الأولى".
وأكد أن مؤتمر قمة عمان جاء بعد ذلك، وحاول تهميش القضية الفلسطينية بعد حرب 1982، وحاول البعض إخراج منظمة التحرير من لبنان لتهميشها.
وفي هذا السياق قال إن منظمة التحرير -وتحديداً حركة فتح- استغلت خروجها من لبنان للتفكير فى تغيير استراتيجيتها والاستثمار فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وانتقل فعلياً ثقل الحركة الوطنية إلى الضفة والقطاع بعد خروج منظمة التحرير من لبنان، وأثبت هذا أنه كان الأكثر خطورة على إسرائيل.
عزمي بشارة: اتفاق أوسلو كان نتاجاً مباشراً لحرب الخليج 1990
قال بشارة، إن اتفاق أوسلو -اتفاق السلام الذي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية- كان نتاجاً مباشراً لحرب الخليج الثانية؛ فالانتفاضة الأولى وصلت لطريق مسدود مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وإسرائيل أدركت أنها لحظة مناسبة للتخلص من الانتفاضة عسكرياً، ومنظمة التحرير مهمشة في تونس، بالإضافة إلى أنها خسرت الكويت بوصفها مصدراً للتمويل بعد حرب الخليج.
وأضاف أن اتفاق أوسلو -عملياً- رسخ قانوناً لشيء كان موجوداً، وهو أن القضية الفلسطينية مجالها هو الضفة الغربية وقطاع غزة فقط؛ وهذا الذي وضع الوطنيين الفلسطينيين من عرب الداخل أمام مأزق.
وأشار إلى أن توقيع أوسلو جعل بعض العرب فى الداخل يقولون إن قضية فلسطين فى طريقها للحل، وإنه من الأفضل لهم أن يلتفتوا لمستقبلهم داخل إسرائيل، وعادت مظاهر الولاء لإسرائيل بين بعض عرب الداخل بشكل معلن وعن قناعة، وليس عن خوف كما كان فى الستينيات.
بشارة يوضح لماذا أسس حزب التجمع الوطني الديمقراطي
قال بشارة، عن أسباب تأسيسه لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، إن المشكلة الأساسية كانت في تراجع الحركة الوطنية بعدما فشلت القائمة التقدمية في انتخابات 1992، والحركات الأخرى دخلت في مأزق بما في ذلك الأحزاب الشيوعية، بينما تولدت حاجة للتأكيد على الهوية الوطنية.
وأضاف في حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على التلفزيون العربي، "كانت هناك مظاهر مادية لها معانٍ ومغازٍ كثيرة، وبدأنا بتنظيم الحركة الوطنية من جديد والهدف الحفاظ على الوطنية".
وقال إن الاحتلال اشترط الامتثال للواجبات للحصول على حقوق متساوية ورفضنا ذلك بشدة، وأوضح أنه فى مقابل ذلك طرح فكرة "الأصلانية"، وتقوم على أن العرب هم السكان الأصليون أصحاب البلاد، و"أن المواطنة ليست تسولاً على موائد اللئام، وعلى الصهيوني أن يفهم أن المواطنة ليست منةً منه، لكنها تنازل مني أن أقبلها، ويجب أن تكون متساوية وليست أقل من مائة فى المائة".
وأضاف طرحت أفكاراً بشأن المواطنة على الاحتلال تنبع من عمق فلسفي مرتبط بمفاهيم ديمقراطية وليبرالية"، مضيفاً أن "الاحتلال رأى لأول مرة خصوماً يخاطبونه بشأن مفاهيم الديمقراطية".
وفى هذا السياق شرح أن مفهوم المواطنة ليس "تصهيناً" وليس "تأسرلاً"، بل هو حالة توتر دائم ومستمر مع الصهيونية، والدولة الديمقراطية هي لجميع مواطنيها، والمطالبة بالحقوق الوطنية فقط دون النضال من أجل مصالح الناس اليومية يحولك إلى نادٍ اجتماعيٍّ حصري وأقلوي منعزل عن حياة الناس، والمطالبة بالمساواة فقط دون المطالبة بالحقوق الوطنية سينتهي حتماً بـ"التأسرل".
وأردف بشارة أن "المعادلة المقنعة لحل هذا التوتر هي الحفاظ على الهوية العربية والفلسطينية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مصالح الناس ومكاسبهم اليومية من وظيفة وشغل وميزانيات للمجالس المحلية ورخص البناء، و هذا كان يحتاج إلى تنظير وبرنامج سياسي".
عزمي بشارة: أسمعت الصهاينة خطاباً جديداً لم يسمعوه من قبل
كشف بشارة، عن أسباب دخوله الانتخابات الإسرائيلية، ودخوله الكنيست، وذلك في حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى"، على التلفزيون العربي.
وقال كنا نُريد منع تهميش الحركة الوطنية ونُريد أن نحافظ على جذوة الصراع ضد الصهيونية بعدما هدأت الأوضاع بعد كامب ديفيد وأوسلو، وكذلك لتبني قضايا الناس، وظروف الناس اليومية لمواصلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في الوقت الذي بدأ فيه العرب الاتجاه للسلام".
وأضاف: "قرَّرْنا الاتجاه للبرلمان لتقديم نموذج مختلف دون أن نعتنق الصهيونية، ودخلنا ليس للاحتفاء بعضوية الكنيست، ولكن لتمثيل خط نضالي، فأنا داخل لهدف تمثيل قضايا العرب في الداخل، وتشكيل نقيض للخطاب الصهيوني من خلال الخطاب الديمقراطي الذي لم يعد حكراً عليهم".
وتابع بشارة: "كان هناك عرب قبلنا أعضاء في البرلمان، ولم تكن صياغة الخطاب الذي نقوله موجودة، وترأست أول لجنة فحص في مصير أموال الغائبين بعد 1948، وصغنا قضايا العرب صياغة جديدة، على أساس شعار "الدولة يجب أن تكون دولة جميع المواطنين وليست دولة اليهود في العالم".
وأكد أنه يؤمن بالمشروع العربي، وفي الوقت ذاته غير مؤمن بالقومية العربية، مضيفاً: "مشكلتي مع القومية بوصفها إيديولوجيا؛ فلا يوجد شيء اسمه برنامج قومي لقضايا الاقتصاد والمرأة".
وأضاف أنه وضع صورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في مكتبه بالكنيست الإسرائيلي، وذلك بالرغم من أنه ليس ناصرياً أو متعصباً لأشخاص، وأحدثت الصورة ضجة كبيرة.
عزمي بشارة: النظام السوري كان يعلم أنه ليس ديمقراطياً.. وأقف مع ثورة الشعب
قال عزمي بشارة إن القيادة السورية خلال فترة الرئيس حافظ الأسد وبعده، كان لديها استراتيجات واضحة، وهي الرفض لكامب ديفيد والصمود وعدم تقديم تنازلات لإسرائيل إلا بعد استرداد هضبة الجولان، وكانت تستضيف المقاومة الفلسطينية، وكان الفلسطينيون يُعاملون كالسوريين تماماً، ويحصلون على كافة حقوقهم منذ الخمسينيات.
وقال في حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على التلفزيون العربي، إنه لا يقف مع النظام السوري ولا يبرر أفعاله ويمتدحه، ولكنه كان يؤيده في دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وحقوق الفلسطينين في سوريا، مؤكداً: "لم أكن أمتدح النظام السوري".
وعن تعامله مع القيادة السورية، قال إنه كان يقول للقيادة السورية كل ما يعتقده سواء انتقادات أو إيجابيات، مضيفاً: "عندما ألتقي رئيس دولة أو رئيس حكومة فالاحترام موجود لدرجة أنك تقول كل ما تعتقده، ولكن لا تذهب في الإعلام وتقول".
وعن لقاءاته مع القيادة السورية في تلك الفترة، قال المفكر: "كنا نتحدث عن كل شيء تقريباً، واللقاء قائم على الاحترام الفكري، وكانوا يحبون الاستماع لتحليلاتي عن الخصم الإسرائيلي، وكانت تحليلات صحيحة لأمور كثيرة، وثبت أن تقييمي لإيهود باراك كان صحيحاً وسليماً، وقال "بشارة" إنه سئل مثلا "هل هناك أمل للسلام مع إسرائيل، وقلت لهم لا سلام مع إسرائيل، وثبت أن ما أقوله صحيحاً، وأنه (باراك) لن يتنازل عن هضبة الجولان".
وفي رده على سؤال: "هل كنت تقول للقيادة السورية أنتم لستم ديمقراطيين"؛ قال "بشارة": "النظام السوري كان يعرف أنه لم يكن ديمقراطياً، وخلال اللقاءات الإنسان يلزم حدود كلامه، وكنا نتحدث حول حقوق الإنسان والإعلام، وعندما تكون ضيفاً في بلد فالأمور تحتاج لتواضع، وأنا أذهب لهدف معين لا أن أثور بديلاً عن الشعب السوري".
وأكَّد أنه يقف مع الشعب السوري في ثورته، قائلاً: "لن نقف موقف المتفرج، بل سنقف مع الشعب السوري"، مضيفا: "لو حصلت ثورة في سوريا ووقفت مع النظام فهذا هو الامتحان".