تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بشارة: مصير النظام السوري أصبح بيد روسيا

2015-10-25

الكلمة الافتتاحية لندوة "التدخل العسكري الروسي في سورية: الدوافع والأهداف والتداعيات"
تحت عنوان "التدخل الروسي: الجيوستراتيجية فوق الأيديولوجية"


قدم الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المحاضرة الافتتاحية للندوة بعنوان: "التدخل الروسي: الجيوستراتيجية فوق الأيديولوجية". وأشار إلى أن الوجود العسكري الروسي يعود إلى المنطقة العربية بعد 43 عامًا؛ أي منذ أمر الرئيس المصري أنور السادات الخبراء السوفيات بالخروج من مصر عام 1972. ولكن القوات الروسية تعود هذه المرة بتدخلٍ مباشرٍ لا يكتفي بغطاء الخبراء.

وفي قراءته الجيوستراتيجية للتدخل الروسي في سورية، أكد بشارة في البداية أنّ الدول الحليفة للأطراف السورية لا تتمايز في ما بينها على أساس أخلاقي، وهي تنحاز لهذا الطرف أو ذاك لأسباب لا علاقة لها بقضية الشعب السوري نفسها. ويبقى عبء عدالة القضية ملقى كله على عاتق من يناضل في سورية.

وأضاف أن علينا الإقرار بأن روسيا بوتين لا تحاول أن تقدم تدخلاتها العسكرية ضمن خطاب عدالة؛ خلافًا لنهج شيوعية الاتحاد السوفياتي في التبرير، ولنهج أميركا حتى عصرنا هذا. فهي لا تسعى لنشر الشيوعية ولا الديمقراطية، ولا التبشير بدين ما؛ إذ اعتمدت خطاب الأمن القومي على مصالح روسيا الحيويّة. وفي هذا السياق، يدخل التدخل الروسي في سورية ضمن سعي بوتين لاستعادة مكانة روسيا المترنحة وبناء دولة عظمى.

ويرى الدكتور بشارة أن صعود روسيا ومحاولتها أخذ موقع الدولة العظمى ليس عودة لنظام القطبين العالميين، فلم يقم هذا النظام على دولتين عظميين فحسب، بل أيضًا على معسكرين يحملان مشروعين مختلفين للإنسانية جمعاء. كما لا يوجد لروسيا اليوم مشروع تطرحه للإنسانية كما كان الاتحاد السوفياتي.

ويبدو أنّ الرئيس الروسي يمتلك إستراتيجيّة، فبعد أوكرانيا اندفع إلى الأمام، ليصبح التدخل في أوكرانيا وضم القرم حقيقة ناجزة، ويفرض على الغرب الحديث معه على قضية أخرى يحاول أن يملك مفتاح حلها. وأوضح بشارة أن الغرب خشي من دعم الثورات العربية بسبب الخوف من التيارات الإسلامية، وهو تخوف يحمله الطرف الروسي أيضًا؛ مع الفرق أن الخوف الأحادي في حالة الدول الغربية جعلها تتردد في دعم الثورة في سورية، في حين أن الخوف المزدوج من الغرب والإسلاميين دفع روسيا إلى العمل بقوة مع النظام السوري. ولذلك، إذا لم يجر التوصّل إلى حل سياسي مع الروس في سورية، فسوف يضطر باراك أوباما أو الإدارة المقبلة إلى تغيير إستراتيجيتها في سوريّة، وربما في الشرق الأوسط عمومًا.

ومن وجهة نظر الدكتور بشارة، فإن هدف السياسة الروسيّة القريب من التدخل المباشر في سورية هو حماية نظام الأسد من الانهيار والسقوط. ولكن مع وجود روسيا عسكريًا في سورية، لم يعد النظام سيد مصيره، ولم يعد حتى لاعبًا على الساحة الدولية؛ إذ أصبحت روسيا المقرر في أي مفاوضات دولية تجري بشأن سورية. ويرى بشارة أنّ إنقاذ النظام ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو وسيلة لإثبات الذات والتقدم خطوة أخرى لتأدية روسيا دور دولة عظمى عالميًا عبر الشرق الأوسط. ولكن روسيا تصر على مشاركة الأسد، وقد تشير إلى مثال تفاوض الغرب مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش على الرغم من أعمال القتل المتكرّرة على أيدي القوات الصربية ضدّ مدنيين بوسنيين وألبان في كوسوفو. فلا أحد يرفض التفاوض مع نظام الأسد، بل المرفوض هو مشاركته في مرحلة انتقالية بعد التفاوض. إنّ بقاء الرئيس السوري في مرحلة انتقالية يعني إفشالها؛ فهو دكتاتور، ولا يمكن للدكتاتور أن يتقاسم السلطة مع أحد.

ولخص الدكتور بشارة أهداف التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية في ثلاث نقاط: جعل النظام يصمد مدّة كافية حتى تحصل موسكو على الاختراق المرغوب فيه على المسار الدبلوماسي، وقطع الطريق على أي تدخل عسكري خارجي في سوريّة وهذه رسالة للأتراك والغرب على حد سواء، وتعزيز وضع روسيا الدبلوماسي بحيث يصبح من الصعب اتخاذ أي قرار في سوريّة من دون مشاركتها الحاسمة. ولكنه يرى وجود كابحين ذاتيين رئيسين أمام تكثيف التدخل الروسي العسكري في سوريّة، أولهما أوكرانيا، فلا تزال القوات الروسيّة متمركزة في مناطق الحرب هناك، وثانيهما كابح لوجستي؛ إذ إنّ نقل دبابات وأسلحة ثقيلة لفيلق واحد فقط مهمّة صعبة جدًا للقوات الروسيّة المجهدة أصلًا.

ويخلص الدكتور بشارة إلى أنه من الصعب أن تصبح المهمة الروسية في سورية واسعة النطاق بقدر أفغانستان، كما أنها لا يمكن أن تتواصل لفترة طويلة، فهي تمهيد للبدء بالمفاوضات على أساس توازن القوى، وبما يحافظ على مصالح روسيا والنظام السوري. ويرى أنّ هناك مجالًا واسعًا للعمل ضد التدخل الروسي والتأثير فيه إذا توافرت الإرادة عند القوى المؤيدة للشعب السوري.

واختتم الدكتور عزمي بشارة حديثه بالقول: "مع تحوّل الحرب في سورية إلى حربٍ بين قوى تتصارع جيوستراتيجيًا وليس أخلاقيًا أو قيميًا، يصبح الفرق بين المعارضة والنظام ملقى على عاتق المعارضة؛ فهي إذا طرحت بديلًا ديمقراطيًا للاستبداد فهذا يعني أنها قادرة على حكم سورية، وفيما عدا ذلك تصبح المسألة مجرد صراع قوى ينتهي بتسوية، فالحروب الأهلية تنتهي بتسويات ومحاصصات. والأهم من ذلك، أن التدخل الروسي حاليًا قد يجعل مسألة طبيعة النظام في سورية، بل طبيعة سورية كلها، مجرد بند في تسوية جيوستراتيجية بين دول كبرى".